نزلت
إيران عن العرش الإقليمي في إدارة
المنطقة، وسنشاهد لاحقا أن هذه الدولة ذات الإمكانات الكبيرة، سوف تتحول إلى دولة كومبارس، مثل كثير من الدول الصغيرة، وسنرى أن لإيران دورا وظيفيا محدودا، ينتهي بها بتحويل كل ما تنتجه من قوة، لتعود وتدفنه في رمال الصحراء من جديد.
فإيران هذه الدولة الكبرى "الشبح" الذي كان يرعب العرب، هي الآن تغادر مفهوم الامبراطورية وترجع لكي تبحث عن مفهوم الدولة لتتقوقع وتعيش بداخله.
فهي دخلت العراق بتوافق أمريكي ولكنها غرقت فيه، ولم تستطع تحقيق أي انتصار له قيمة هناك، ولم تتمكن من تأمين الحدود الدنيا للبنية التحتية للمدن التي أدارها حلفاؤها، الذين لم يكونوا سوى مجموعة من الفاسدين الذين نشاهدهم يتصارعون، فيما ينذر بقرب التآكل الداخلي، وهي دخلت اليمن، ودخلت سوريا، وخاضت الحرب بلا طائل، وحاولت أن تغير معادلة البحرين، وهي في نهاية المطاف لم تحقق شيئا يذكر، لا، لإيران الامبراطورية، ولا، لإيران الدولة، وبقيت مجرد الماكينة التي تصنع وترمي نتاجها في البحر.
بالنسبة للأمريكان هم استثمروا إيران بشكل جيد، فهم أدخلوها بديلا لهم في العراق، وبالفعل حققت لهم ما عجز الأمريكان عن تحقيقيه، فالوجود الأمريكي ظل يوحد أطياف كبيرة من الشعب العراقي ضد عدو خارجي، ولكن الوجود الإيراني، هو وحده الذي كان يستطيع أن يصنع معادلة مقدمات التقسيم الذي تتحدث عنه أمريكا اليوم، والتقسيم هنا هو مطلب إسرائيلي؛ لأن إسرائيل الكيان الذي يقوم على بنية أساسها غير منسجم ذاتيا، ظلت تحلم بتقسيم المنطقة على أساس عرقي ومذهبي وغيره؛ لأن وجود بيئة ممزقة بهذا الشكل، هي الوحيدة التي تعطي إسرائيل الضمانة لأطول فترة ممكنة.
ومطلوب من إيران أن تحافظ على نظام الأسد، وهي تلهث بحثا عن المرتزقة دون جدوى، ومطلوب منها أن تدير القوة البرية التي تقاتل تنظيم الدولة، وهذه المعركة تدر المليارات على الخزانة الأمريكية؛ لأن قتال تنظيم الدولة في بيئة صحراوية معقدة بهذا الشكل، يعني استنزافا طويل الأمد، ولا أظن أبدا أن الأمريكان معنيون بتحقيق معادلة عسكرية تريح الإيرانيين، بل العكس إن استنزافهم هو المبتغى.
في النهاية، هناك من يقول إن الإيرانيين لا يزالون يقاتلون بجيوش غيرهم، وهذا صحيح فهي لا تخوض المعركة بجنودها بثقل كبير في هذه المرحلة، لكنها ستفعل ذلك، وعندما نشاهد الجيش الإيراني يخوض الحرب بشكل مباشر سواء في سوريا أو العراق، فعلينا أن نعرف أن إيران لم تسقط عن عرشها الإقليمي فحسب، ولكنها تكون قد بدأت بالدخول في الانقسام الداخلي، الذي سيأتي عليها لاحقا.. سيطول قليلا، لكن هذا الوباء الذي أتت به قادم إليها.