كتاب عربي 21

مسؤولية المعارضة عن بقاء الأسد وتدمير البلد

1300x600
بين مشاعر العداء للأسد وأولوية الحرب ضد تنظيم الدولة يعيش السوريون تقلبات المناخ السياسي للمجتمع الدولي، فلم يعد هناك آمال ترجى من تصريحات رؤساء الدول الكبرى وزعمائها ولم يبق للتعهدات الدولية التي قُدمت للشعب السوري وزن يحسب بعد اليوم. 

فالأسد الذي وصفه كاميرون في تصريح سابق له في أستوكهولم (عام 2012) بأنه مصمم على قتل مواطنيه مهما كان الثمن، ودعا في حينها المجتمع الدولي للرد بأقسى طريقة ممكنة لوقف أساليب الأسد الدموية وتأمين عملية انتقال و تغيير في سوريا. وهو نفسه الأسد الذي أدانه كاميرون في تصريحات منفردة له بعد انتهاء قمة الثماني في الشهر السابع من العام الحالي عندما قال إن الغرب يؤمن إيمانًا راسخًا بأن لا مكان للأسد في سوريا الجديدة، وأن يد الأسد ملطخة بالدماء وبأنه لا يمكن أن يتخيل أن يستمر في سوريا حكم هذا الرجل بعد كل ما ارتكبه من فظائع بحق شعبه. هو نفسه الأسد الذي لا يرغب السيد فليب هاموند وزير الخارجية البريطاني بإسقاطه حسب التصريح الذي أدلى به أمام البرلمان في لندن الأسبوع الماضي والذي قال فيه بـأن بلاده لا ترغب بإسقاطه، وإنما تريد مرحلة انتقال سياسي مبررا بأنهم لن يحصلوا على النتائج المرجوة إذا انهارت مؤسسات نظام الأسد، فالنتيجة المطلوبة هي حصول تغيير سياسي في النظام، والحفاظ على البنية التحتية الأساسية للدولة، وتشكيل شرعية سياسية من قبل مجموعات معتدلة. 

وإذ إننا نجد في الشق الأول من تصريح السيد هاموند تدليسا غير مبرر للأسد، ولكننا نرى من الأهمية الوقوف على ما وراء هذا التصريح و هل يمكن اعتباره تراجعا في السياسة البريطانية إلى صالح الأسد أم دفعا يصب في مصلحة المعارضة؟

على الرغم من أن الحكومة البريطانية أبدت منذ بداية الصراع في سوريا موقفا واضحا داعما للمعارضة السورية و الشعب السوري، إلا أنها قد حافظت و بنفس الثبات على موقفها ضد أي تدخل عسكري من شأنه إسقاط الأسد ورأت أن الحل لا بد أن يكون سياسيا سلميا، و مع تعقد الصراع في سوريا، و دخول تنظيم الدولة دائرة الصراع و تمكنه من إثبات وجوده كأقوى أطراف الصراع و أكثرها تنظيما وأشدها خطرا، ومع تهديده دولا عربية مدلله عند المملكة كالأردن، وتوسع هذه التهديد ليشكل خطرا دوليا وغربيا وليس عربيا فقط. وجدت الحكومة البريطانية بأن للموقف اعتبارات مختلفة. 

أولا: الهيكل السياسي للمعارضة السورية المتمثل بالائتلاف السوري لقوى المعارضة والذي حقق قبولا دوليا لا بأس به كان من المفترض أن يشكل البديل القادر على الامساك بمقاليد السلطة ريثما يتم الاستقرار على سلطة منتخبة .أخفق اخفاقا ذريعا حتى في إدارة مؤسسته السياسية و لا يملك الارتباطات و السلطة التمثيلية الكافية  للقوى العسكرية المقاتلة باسم المعارضة السورية في الداخل كما وقد نبذته الحاضنه الشعبية التي رفضت منحه الشرعية للتمثيل السياسي الخارجي. 

وعليه فالمعارضة السورية لا تمتلك الجسد السياسي القادر على إمساك ما تبقى من مؤسسات الدولة، وسوريا فعلا مهددة في حال سقوط الأسد و عدم توفر البديل من فوضى عارمة ربما تخلف أضعاف الدمار الحاصل مع وجود الأسد، و ذلك بكل تأكيد لا يرتبط بالأسد الذي لن يتورع عن تدميرها حتى آخر شبر من أجل كرسيه، وإنما ما تبقى من هياكل المؤسسات و البنى التحتية التي تخشى بريطانيا و دول الغرب من سقوطها -و يسعون بحسب تصريحاتهم المتكررة إلى الحفاظ عليها -تستمد بقاءها بفضل الدول الحليفة للأسد و التي باتت تتحكم بإدارة الشؤون السورية الداخلية و الخارجية  عبر واجهة الأسد القميئة. 

بثينة شعبان المستشارة الرئاسية صرحت عبر قناة الميادين بأن سوريا ترحب "باستدارة الغرب" وإدراكه بأن الإرهاب بات يهدد العالم أجمع. كذلك وزير خارجية الأسد وليد المعلم الذي ما فتئ يدعو إلى محاربة الإرهاب في المنطقة و إمكانية قلب صفحات الماضي و الدخول في حوار وتحالف مع الدول التي أساءت لنظامه حسب تعبيره كي تتحرر سوريا من الإرهاب المستشري بالمنطقة و العالم. والغرب حقيقة ما كان ليقيم  وزناً لأي دعوة أو بوادر ترحيب من قبل النظام السوري لولا أنه يدرك تماما أنه مازال يمكنه الاعتماد عليه في تقديم الدعم الاستخباراتي والأمني والعسكري في معركة الغرب ضد تنظيم الدولة.

وعندما نتحدث عن نظام الأسد، فنحن نتحدث عن روسيا و الصين وإيران و مصر ودول عديدة تتشابك مع نظامه و تعاني بالمقابل علاقاتها الخارجية من توترات كبيرة مع دول من التحالف ونعتقد أن بريطانيا ترى أن الأسد واجهة ربما أقل قبحا وخطرا من داعميه ولا بأس من دعمه طالما أن الأمر يتعلق بتهديدات على نظام الأمن العالمي. 

ثانيا: تصريح السيد هاموند يمكن أن نقرأه على أنه تحذير للمعارضة السورية التي لم تثمر معها أي دعوة دولية أو عربية أو سورية للتوحد ، لقد دق هاموند ناقوس الخطر، فاليوم الحكومة البريطانية "لا تريد سقوط الأسد وإنما تريد مرحلة انتقال سياسي"، أما إذا لم تكثف المعارضة السورية بشقيها السياسي و العسكري  الجهود لرص الصفوف و توحيد الجهود واختيار قيادة تمتلك سلطة تنفيذية وتشريعية و عسكرية وأمنية و تحتكم لدستور محدد يلزم العمل ضمه.  

ربما ونقول ربما سيكون التصريح القادم للسيد هاموند، نحن لا نريد اسقاط الأسد. ويصمت.  
 
الثورة السورية تحولت إلى صراع بقاء ووجود، والبقاء في الصراعات المعقدة لا يعتمد على الطرف الأقوى أو الأكثر دعما، و إنما النصر و البقاء يكون في الصراعات المعقدة للطرف الأكثر تلاحما و تنظيما و ارتباطا بحاضنته الشعبية، و مسؤولية أي فشل قادم سيتحمل وزرها كل قيادي أو سياسي أو مسؤول صلف في المعارضة السورية. 

في ختام مقالنا لا بد أن نعود و نكرر،  قوة المعارضة السورية و مكانتها و رفعتها و نصرها  في وحدتها فلتقطعوا دابر كل خطاب طائفي و كل خطاب فيه تخوين و كل خطاب فيه تقسيم وتوحدوا فيد الله فوق يد الجماعة.