كتاب عربي 21

من وراء تحوّل المسار السياسي في الملف السوري؟

1300x600
من يتابع ردات فعل السوريين على الانتصارات التي حققتها جبهة أحرار الشام يداً بيد مع جبهة النصرة كان آخرها في وادي الضيف والحامدية، لا بد أن يتساءل ما الذي يمكن أن تقدمه كتائب مقاتلة أكثر من هذا الدعم لمقاتلي الجيش الحر، لكي تصنف ضمن قائمة أصدقاء الشعب السوري؟

وصف السوريون معارك وادي الضيف والحامدية بالتحرير، واحتفوا بتقديم الحلويات السورية في كل مكان، وهذه الصفة لن يطلقها السوريون لولا قناعتهم بأن المعارك التي تخوضها النصرة ضد نظام الأسد تهدف إلى نصرتهم ودعمهم وتحرير مدنهم من أيادي الإجرام الأسدي.

في عام 2012، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بضم جبهة النصرة إلى قائمة المنظمات الإرهابية، وبعد عام أجمع مجلس الأمن الدولي على اعتبارها منظمة إرهابية وفرض العقوبات على قياداتها وأفرادها والداعمين لها ، لم يرحب أغلب الشعب السوري بهذا القرار، واستهجنوه بشدة وخاصة فصائل من الجيش الحر التي خاضت المعارك صفاً واحداً معها ضد النظام، فهي الأقرب إليهم من التنظيمات المقاتلة كافة، حتى إن البعض ذهب لاعتبارها النصير الأوحد للشعب السوري.

وبعد الانتصارات التي حققتها والتي حسب ما ورد من تقارير عن الجهاديين، أن كتائب جمال معروف جبهة ثوار سوريا وحركة حزم التي توصف بالمدعومة من الإدراة الأمريكية ، كانت العائق أمام تحرير المناطق التي توصف عسكرياً بالمناطق الاستراتيجية؛ حيث تحتوي على أكبر المعسكرات التابعة لنظام الأسد في شمال سوريا، إضافة إلى أن أهمية هذه النقاط ناتجة من إشرافها على الطريق السريع الرئيسي الواصل بين شمال البلاد وجنوبها، وتؤمن الطريق الدولي بين العاصمة دمشق ومدينة حلب، إضافة إلى احتوائها على كميات كبيرة من الغاز والبنزين والسولار تقدر بـ4 مليون ليتر وفقاً لمسؤول منشق.

قد نتساءل ما تأثير هذه التغييرات في موازين القوى بين المعارضة السورية و النظام على الساحة السياسية ؟ وهل نقرأ منها تحولات قادمة في الملف السياسي السوري ؟

بداية ننطلق من مبادرة ديمستورا، التي نعتقد بأنها لفظت أنفاسها الأخيرة بعد انتصارات وادي الضيف والحامدية، وتجريد جبهة ثوار سوريا و حركة حزم من سيطرتهم على أهم المواقع المؤدية من حلب وإليها، بالتالي يقودنا هذا إلى تخمين التغيير في المسار السياسي  باتجاه أحد أمرين؛ فإما سيفرض على المجتمع الدولي تبني لغة الحوار مع النصرة - الموضوعة في قائمة الإرهاب -و أحرار الشام ، وعليه نتوقع أن تكون المفاوضات عن طريق وسيط من الحر، نخمن أن تكون حركة حزم التي تعرف بحياديتها وجهودها في مراحل سابقة لتوحيد الصفوف، وإيقاف الاقتتال بين جبهة النصرة وجبهة ثوار سوريا، وتواصلها مع الأذرع الأمريكية التي اختارتها لتكون أول الكتائب المدعومة بالسلاح الأمريكي من كتائب الحر .أو أن التفاوض سيكون مع أحد وجوه المعارضة التي أثبتت ثقلاً ومصداقية لدى جبهة أحرار الشام والنصرة.

فماذا يعني التفاوض مع النصرة ؟ منطقياً نجد أنها ستبدأ مطالبها برفعها عن قائمة المنظمات الإرهابية، ورفع العقوبات الدولية عنها، وإعطائها حق التمثيل السياسي، باعتبارها قوة عسكرية على الأرض ، ولا بد من التنويه هنا إلى أن 80 بالمئة من مقاتلي النصرة، هم من السوريين، أغلبهم يمتلك خبرات قتالية مهمة، وخصوصا في قتال الشوارع، إثر مشاركتهم السابقة في معارك العراق والشيشان وأفغانستان، ناهيك عن المقاتلين السوريين الذين انشقوا عن نظام الأسد والكتائب المتطرفة لتنظيم الدولة، (ونذكّر أيضاً أنها كانت قد أصدرت بياناً في وقت سابق أعلنت فيه بأن وجودها على الأراضي السورية، هو لنصرة الشعب وتحريره من نظام الأسد، وبأنها ستنسحب من المواقع السورية ما إن يتم تحرير سوريا). والمقابل، إما الانسحاب من بعض المواقع التي تسيطر عليها وتسلميها لجبهات أكثر اعتدالاً حسب المقاييس الأمريكية، أو الانضمام إلى الحشد البري لمواجهة تنظيم الدولة.

وأما المسار الثاني فهو سحب الأسد من السلطة، وهذا ما يقودنا إليه مسار سياسي جديد بدأ يطفو على ساحة المفاوضات الدولية، بني على أساس تقريب وجهات النظر الأمريكية الروسية؛ للتوصل إلى حل ينتهي بانسحاب الأسد من الرئاسة ، وتسليم السلطة إلى قيادات بعثية تبدو أقل تورطاً في أعمال العنف التي مورست في حق السوريين، يمكن أن تنطلق على صورة انقلاب عسكري وهمي ضد الأسد في أثناء زيارته لموسكو، وعلى إثره ، سيكون قد تأمن خروج آمن للأسد، وإزاحته كعائق أمام الإجماع على تشكيل حكومة مشتركة بين المعارضة والنظام الجديد -الذي سيلبس رداء التمرد على سياسية الأسد الدموية التدميرية للبلاد- تشكل ضمن جسد سياسي و عسكري واحد، وبالتالي الحفاظ على ما تبقى من معالم الدولة السورية، وضمان ضبط مؤسسات الدولة في غياب رأس النظام وأهمها المؤسسة العسكرية و المخابرات العامة، وأمن الدولة، و ما تبقى من منتج نفطي مازال خارج سيطرة تنظيم الدولة.

بالنتيجة، تغير موازين القوى العسكرية الذي حققته الثورة بمساعدة جبهة النصرة، قد يدفع باتجاه  حوار يقود إلى حل سياسي يوقف نزيف الدم، ويقطع دابر الإرهاب.