منذ أيام ليست بعيدة كتب أ.
زياد العليمي مقالا بعنوان "عام على
رابعة" يصفه هو أنه "أجل نشره أكثر من مرة حتى لا ننكأ جراح أسر ضحايا لم يقتص القانون ممن قتلهم ولا من دفع بهم إلى التهلكة دفاعا عن سلطته"
المقال يستحق أن يناقش لأن كاتبه واحد ممن يطلق عليهم "ناشط حقوقي" و"شباب
الثورة" وبعد أن يناقش ربما يكون من المناسب أن نطرح سؤالا "صادما": هل كان من الممكن أن تنجح ثورة هذه رموزها؟
(1)
يتحدث أ.زياد في أول فقرتين من مقالته أن
الإخوان والعسكر وجهان لعملة واحدة، وكلاهما شريك في المسؤولية عن الدماء وأنهم قرروا التصعيد ورفضوا التفاوض لأن ذلك في صالح الجماعة.. إلخ
أول القصيدة.. يا أ. زياد تقول مبدئيا إنك: "اختلفتُ مع الزملاء الذين دعموا التصويت لمرسي ضد شفيق في اجتماع فيرمونت وأبطلتُ صوتي"! ألن نكتفي أبدا من ترديد هذه الكذبة؟؟ (وآسف لكن لا يمكن وصفها إلا بالكذبة).
هذا الاجتماع تم بعد انتهاء التصويت لجولة الإعادة بخمسة أيام وقبل إعلان النتائج بيومين.. يعني ببساطة أن تأثيره على الناخبين صفر! والتصويت والإبطال انتهى بالفعل! فدعمك لمرسي أو شفيق في هذه المرحلة ليس له أي قيمة!
فلماذا الاستمرار في العزف على هذه النغمة وكأن
مرسي لم ينجح إلا بتأييد من حضر هذا الاجتماع.. هذا تدليس. وأنت تعرف.
ورغم أن تحميل إثم مذبحة للطرفين القاتل والمقتول اختلال في الموازين لا يخرج إلا من نفس بها مرض أو هوى إلا أنه لا مانع من إعادة ذكر بعض الحقائق التي أتعجب جدا أن تغيب عن "ناشط" مهتم بالعمل السياسي!
أولا: هذه الاعتصامات لم تكن مسلحة بشهادة كل الوفود التي زارتها وأعتقد أن آخرها كان وفد الاتحاد الأفريقي.. وبشهادة أهم من وزير الداخلية نفسه الذي تحدث عن عشر قطع سلاح فقط وجدت في رابعة وسط آلاف المعتصمين (أي أقل من التي تجدها في خناقة في شارع في شبرا!).
وبديهي أنه إذا كان الإخوان مسلحين حينها لتغيرت خريطة الضحايا بشكل كبير.. بالضبط كما ستتغير المعادلة الحالية إن قرر الإخوان حمل السلاح. (وأرجو أن لا تنضم لمن يقول إن لديهم النية لحمل السلاح لكن لا يستطيعون.. لأن أصغر طفل "عاقل" في مصر يعرف أن الحصول في مصر على السلاح متاح جدا وأحيانا يكون الحصول على السلاح أسهل من الحصول على الدواء.. وأسهل من رغيف عيش آدمي في بعض المناطق).
ثانيا: إذا قرر الإخوان المقاومة وعدم تقديم تنازلات للسلطة -التي يرونها غاصبة بالقوة- فهذا حقهم مادام الأسلوب سلميا -والأسلوب كان سلميا كما ذكرنا- (إلا لو تغير رأيك في حق التظاهر والاعتصام).
(2)
أما بخصوص التصعيد والتفاوض فيبدو أنه فاتك أن تقرأ ما قاله الوسطاء الذين جاؤوا مصر قبل المذبحة والتقرير الشهير لنيويورك تايمز عن زيارة عضوي الكونجرس جراهام ليندساي وجون ماكين لمصر، أو أنك تتعمد تناسيه لتستطيع قول إن الإخوان رفضوا التفاوض.. لذلك لا بأس من تذكيرك ببعض ما فيه:
"أخبرهم دبلوماسي أوربي (بيرنارد يينو ليون) أن هناك شواهد من الرئاسة المصرية أنه خلال ساعات سوف يتم إخلاء سبيل اثنين من قادة المعارضة، وبالمقابل وافق الإسلاميون على تقليص حجم الاعتصاميين إلى النصف ولكن مرت ساعة ولم يحدث شيء ثم مرت ساعة أخرى ولم يتم الإفراج عن أحد".
ثم على لسان السيد جراهام: "يمكنك القول إن العسكريين كانوا يتحرقون لحصول قتال، كان رئيس الوزراء كارثي حيث استمر يعظني قائلا: لا يمكنك التفاوض مع هؤلاء الناس ويجب عليهم الخروج من الشارع واحترام القانون، فقلت له: السيد رئيس الوزراء من الصعب عليك موعظة أي شخص عن القانون وإلا قل لي كم من الناس أعطوك صوتهم؟! أنت لم تأت من خلال انتخابات.
وأضاف السيد جراهام أن الجنرال السيسي بدأ وكأنما أسكرته القوة..".
"في هذا اليوم (6 أغسطس) غادر عضوا الكونغرس وهما مقتنعان أن هناك استعراضا للعنف في طريقه الى الحدوث ولكن الدبلوماسيين كان لديهم بعض الأمل أنهم على الأقل قد اقنعوا الحكومة المصرية بأن لا تعلن فشل المحادثات، ولكن فوجئوا أنه في صباح اليوم التالي أصدرت الحكومة المصرية بيانا تعلن فيه انه قد تم استنفاذ كل الجهود الدبلوماسية وأُلقي اللوم على الإسلاميين".
ولعلك نسيت أن شخصا مثل البرادعي استقال اعتراضا على رفض قادة الانقلاب الحلول السلمية، وكتب بالنص في استقالته: "وكانت هناك حلول مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطني".
(3)
ثم تأتي فقرة التلاعب الأكبر.. "ثورة أم انقلاب" -وهو بالمناسبة سؤال لم يجب عليه أ. زياد- وتلخصها هذه الجملة "لم يكن النظام ليسمح باستمرار الملايين في الشوارع، ليحققوا انتصارهم وحدهم ويصبح الشعب سيد الموقف، فأعلن النظام التدخل يوم 3/7".
على من تضحك يا زياد باشا؟..عايز تفهمنا أنك فوجئت بتدخل الجيش في 3/7 وغير راضي عنه؟؟!
هل تظن حقا أن للشعب "كله" ذاكرة السمك؟ الحمدلله أن الصحف والانترنت موجودة..فربما تحتاج إليها لتتذكر أن تدخل الجيش لم يأت فجأة في 3/7.
لعلك تتذكر إنذارات الجيش والمهلة التي حددها قبل 3/7...لعلك تتذكر ما قيل كثيرا ونشر بعد ذلك على لسان منى مكرم عبيد توضح فيه تفاصيل اللقاءات بين القوى "المدنية" والجيش تمهيدا للانقلاب.
لعلك تتذكر قنوات التلفزيون التي كانت تضع عدادا على شاشاتها "باقي من الزمن كذا ساعة على انتهاء المهلة" والنداءات في الشارع والإعلام التي تطالب بتدخل الجيش.
لعلك تتذكر أنك ولا أي شخص آخر تقريبا من القوى "المدنية" أصدر كلمة واحدة يقول إنه لا يريد للجيش أن يتدخل في السياسة أو أن الجيش يجب أن يكتفي بدوره "المفترض" بحماية المصريين أو أو..الخ
ثم هل تقول إنك والمشاركين في 30يونيو وقعتم في نفس الخطأ مرتين في سنتين؟ في 2011 ضحك المجلس العسكري على الشعب وركب الثورة..وفي 2013 لم تتعلم شيئا وسقطت ضحية لنفس الخدعة؟؟ إذا لابد أن تعتزل العمل السياسي فورا!
ولعلك تتذكر أخيرا شخصا يدعى زياد العليمي قال في هذا اليوم بالذات على أم بي سي مصر: "المجلس العسكري قد تبنى المطالب الشعبية والمؤسسة العسكرية ليس لها مطالب خاصة في المشهد السياسي"..
أ.زياد هل يمكن أن يسمى هذا –في أحسن الأحوال- إلا تلاعبا؟؟
(4)
وكان الختام مع الفقرة التي لا يجب أن يخلو منها مقال هذه الأيام..فقرة فوبيا الإخوان والأكلشيهات التي لا تمل، والأسئلة التي تلقى كاتهامات لا تنتظر ردا..
ولكني سأرد بما تسمح به المساحة..لأجل القارئ فقط!
* تسأل لماذا لا يشاركنا الإخوان المشاركة في مظاهرات ضد قانون التظاهر؟
أولا لأنك لا تتظاهر! (إلا لو اعتبرنا وجودك في الندوات واستوديوهات القنوات الفضائية تظاهرا) وعموما لم يحدث تظاهر ضد القانون إلا مرات تعد على أصابع اليد الواحدة!
ثانيا أليس للإخوان الحق أن تكون لهم وجهة نظر مختلفة؟ وهي وجهة نظر لها وجاهتها عندما يقولون لن نتظاهر لتحسين شروط العبودية..بل نتظاهر للحرية الكاملة؟؟
ثم هل ترى سيادتك أن الشرطة أصلا تلتزم بقانون التظاهر؟؟ أنا أدعوك لتطالب أولا أن تلتزم الشرطة بقانون التظاهر قبل أن تطالب بتغييره فأنا لم أر في أي مظاهرة أن الشرطة بدأت بالتحذير ثم استخدام المياه كما ينص القانون!
وكأنك لا تعرف أنه تحت الحكم الديكتاتوري..القوانين للديكور فقط!
*لماذا لا يتخلون عن طلب عودة مرسي؟ بكلمة واحدة ودون تبادل آراء سياسية.. هذا رأيهم وهذه حريتهم. وأنت حر أن توافقهم أو تعارضهم.
*لماذا يشمتون في علاء عبد الفتاح؟؟ أزيدك ودومة وغيرهم!! لكن أنا معجب أنك متوقع أن أخلاق الإخوان فوق البشر لدرجة أنك تستغرب منهم أن يفرحوا في من دعوا وشجعوا على فض اعتصامهم وقتلهم بالقوة ومن قال يستاهلوا ويولعوا؟
كلمة في ودنك: هم بشر وليس عندهم أجنحة ملائكية..وهذا رد فعل بشري طبيعي!
*أما ما يثير الاستياء حقا فهو الاتهام أن الشباب يتم التضحية بهم في الشوارع.. أنا أعلم أن هذا اتهام معتاد، لكن المستفز والمثير للسخرية أن يأتي من شخص كان يطلق عليه من "شباب الثورة" الذين كان رجال مبارك يتهمونهم بنفس الاتهام.. شباب يناير أما مغيبين أو خونة! دارت الأيام بك يا زياد لتتهم أنت شخصيا الشباب الآخرين نفس التهمة..أنهم مغيبون ويتم خداعهم والتضحية بهم من أجل الكرسي! هذا رأيك في الشباب أنهم سذج إلى هذه الدرجة؟ وهل المغيبون في رأيك هم كل الشباب المصر على الثورة أم فقط من يختلف معك فكريا؟؟
ما هذه الديمقراطية والمبادئ اللعينة! انظر أين تقف.. أنت الآن تماما حيث كان يقف مبارك ورجاله وتردد نفس ما رددوه عليك وعلى غيرك من قبل!
*لماذا لم تعتذر الإخوان عن أخطائها؟؟ رغم أني أذكر أن اعتذارا قد صدر لكن السؤال العكسي ولماذا لا تبادر أنت بالاعتذار؟ أم أن الإخوان فقط هم من أخطأ؟
هناك شخص اسمه زياد العليمي كتب في المصري الديمقراطي بعد 30/6 أن قيادات الإخوان ضحكت على الشباب وهربت وهربت أولادها..ألا يجب عليه الاعتذار للقيادات التي كذب عليها بعد أن وجدنا القيادات في السجون وأبناءهم تحت التراب؟ ألا يجب عليه الاعتذار للشباب الذين اتهمهم أنهم سذج؟
وشخص آخر اسمه بالصدفة أيضا زياد العليمي قال يوم 3 /7 على أم بي سي مصر: "المجلس العسكري قد تبنى المطالب الشعبية وأن المؤسسة العسكرية ليس لها مطالب خاصة في المشهد السياسي".
وبينما قال هذا الشخص في هذا اللقاء نفسه أن الشعب ثار "لعزل جماعة الإخوان المسلمين الذي شكلوا امتداداً لنظام مبارك" قال نفس الشخص في مايو2013 وهو يدشن حملة تمرد في قنا "إنه لا مانع عنده من عودة مبارك للحكم مرة أخرى بعد نجاح حملة "تمرد" والإطاحة بالرئيس مرسي شرط تشكيل حكومة انتقالية ودستور جديد"!!!!!
ألا تجد في ذلك شيئا يستوجب أن تنصحه عليه بوجوب الاعتذار؟؟
(5)
بقى أن أحييك على مشاعرك تجاه ضحايا مجزرة رابعة التي جعلتك "لم تجرؤ على المرور من ميدان رابعة العدوية" لعام كامل.. هي مشاعر إنسانية تستحق التحية خصوصا إذا جاءت من شخص لم يبد أي نوع من التعاطف معهم أثناء المذبحة ولا بعدها! ولم يقل أو يكتب حتى على صفحاته الخاصة "الله يرحمهم"! لم يدن طوال عام كامل ما حدث، لم يقل حتى كفاية دم، أو أن استعمال القوة مبالغ فيه!
شخص هو ناشط سياسي بينما كانت مجزرة أخرى تجري بعد رابعة بيومين فقط في رمسيس.. تجاهلها تماما.. تماما.. وأخذ يكتب عن المظاهرات "الوهمية" التي تذيعها الجزيرة من الغردقة.. ويوجه اللوم للإخوان "الذين يموتون" دون ربع كلمة للنظام "الذي كان يقتل"!
تخيل هذا الشخص يقول الآن إنه لا يستطيع المرور في رابعة!! لا شك أنك تستحق التحية على هذه الأحاسيس الإنسانية التي نمت فجأة.
أ.زياد: أعلم أنك حين تقرأ هذا المقال –لو قرأته- ستؤمن أني من الإخوان.. كلمة لا يهمني تصديقك لها من عدمه : لأ. أنا لست من الإخوان.. ولكن أنا من الذين تجعلهم أنت وأمثالك يرون الإخوان مقارنة بكم دائما البديل الأفضل.
أ.زياد: أنت ومن معك شركاء في كل ما يحدث في مصر الآن وفي "محاولة" قتل ثورتها.. وفي تسليمها إلى حكم العسكر مرة أخرى.. في كل نقطة دم سالت.. في كل حرية فقدت وأمل قتلتموه.. هل تعتقد أنك تستطيع بمثل هذا المقال أن تغسل يديك من كل هذا وتلقى اللوم على غيرك؟.. راجع نفسك فصابونتك لا تصلح!