مقالات مختارة

يسألونك عن المعتقلين

1300x600
كتب فهمي هويدي: هل في مصر معتقلون سياسيون؟ حين أثير الموضوع في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الداخلية يوم الأحد الماضي، كان رد اللواء محمد إبراهيم بالنفي، وفي هذا الصدد ذكر أن المحبوسين احتياطيا يحاكمون وفق القانون، وأن القبض عليهم تم بقرار من النيابة العامة. وهو كلام أبرزته صحف اليوم التالي ورددته القنوات التلفزيونية أكثر من مرة. إلا أن شباب الثورة كان لهم رأى آخر فيما ذكره، أعلنوه في بيان أصدروه في اليوم التالي مباشرة (الاثنين 15/9) ناقشوا فيه كلام الوزير وأوردوا شواهد وأدلة أيدوا بها وجهة نظرهم. لكن الذي حدث أن وسائل الإعلام التي أبرزت كلام اللواء إبراهيم تجاهلت بيان الشباب. ولم يتح لمثلى أن يطلع عليه إلا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تمتد إليها حتى الآن يد التوجيه السياسي. ونظرا لأهميته، ولتوضيح وجهتى النظر في الموضوع، فإنني أستأذن في نشر نصه الذي جاء على النحو التالي:

«منذ بدأت حملتا «الحرية للجدعان» و«جبنا آخرنا» نشاطهما في دعم المحبوسين احتياطيا والمحكوم عليهم في قضايا التظاهر والتجمهر، اختار نشطاء الحملتين وصف المحبوسين والسجناء بـ«المعتقلين». نعلم تماما أن «الاعتقال الإداري» بأمر وزير الداخلية قد توقف مع إنهاء حالة الطوارئ، وكذلك بعد صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا في 2 يونيو 2013 ببطلان الفقرة الأولى من المادة الثالثة في القانون رقم 162 لسنة 1958 والتي تعطي الحق لرئيس الجمهورية، أو من يفوضه، أن يضع قيودا على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة، واعتقال المشتبه بهم والخطرين على الأمن العام، وتفتيش الأشخاص والأماكن دون تقيد بأحكام قانون الإجراءات، متى أُعلنت حالة الطوارئ.

نعلم ذلك كله، لكننا مازلنا نصر على تسمية المحبوسين بـ«المعتقلين». فالتجربة أثبتت على مدار سنوات، وليس فقط في السنة الأخيرة، أن حرفية القانون لا تعنى شيئا للسلطات في مصر، وأن مواد الدستور لا تساوي الحبر المكتوبة به.

وبدلا من استهلاك وقت الوزير وقياداته الأمنية في جدل عبثي عن حقيقة وجود معتقلين من عدمه، فليفسروا لنا وللرأي العام في مصر كيف أمضى شريف فرج، معيد كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، عاما كاملا في السجن محبوسا احتياطيا قبل أن يتم استبعاده من القضية المحبوس على ذمتها.

 فليفسروا لنا وللرأى العام قضاء 40 طالبا من جامعة القاهرة 8 أشهر محبوسين احتياطيا قبل أن يتم استبعادهم أيضا من القضية المحبوسين على ذمتها، وليفسروا لنا أيضا استمرار «اختطاف» هؤلاء الطلبة رغم مرور 3 أسابيع على صدور قرار النيابة باستبعادهم.

وقبل أن يخرج علينا من يقول إن كل ما سبق يتم بقرارات من النيابة وقضاة تجديد الحبس ولا علاقة للداخلية بها، نقول «ومن المسؤول عن القبض على هؤلاء الأبرياء أصلا؟!»، كيف ألقت الشرطة عشوائيا على 40 طالبا وأحالتهم للنيابة دون دليل؟ ومن ألقى القبض على شريف فرج من بيته دون دليل؟!

وضمن الأسئلة المسكوت عنها من قِبل الوزير ومساعديه ونيابته وقضائه، نتساءل أيضا، لماذا تمتنع الداخلية عن نقل المحبوسين احتياطيا لجلسات تجديد حبسهم الذي صار يُجدد تلقائيا دون متهمين أو محامين. حالة ياسين صبري مثل جيد هنا، فهو الطالب بجامعة الأزهر والمعتقل عشوائيا منذ يناير الماضي، والذي امتنعت الداخلية 4 مرات عن نقله لجلسات تجديد حبسه، ثم امتنعت عن نقله لحضور جلسات محاكمته، ألا يهدر ذلك العدالة؟! الأمر نفسه يتكرر مع محمود محمد، الشاب ذو الـ18 عاما، المقبوض عليه بسبب ارتدائه قميصا يحمل شعار «وطن بلا تعذيب» والذي تمتنع الداخلية عن نقله لجلسات محاكمته أيضا، ألا تمثل كل تلك الإجراءات تعنتا يؤدى بالضرورة لمد فترات «اعتقال» هؤلاء.

تدفعنا حالة محمود محمد إلى الحديث عن الأنواع الجديدة المضحكة المبكية للاعتقال في مصر، فخلال الشهور الماضية أصبح لدينا معتقلو القهوة ومعتقلو الجنينة ومعتقلو دبوس رابعة ومعتقلو السحور ومعتقلو العزاء وغيرهم. من يلقي القبض عليهم وهم لم يكونوا مشاركين في مظاهرات أو تخريب؟! فقط حملوا دبوسا يمثل شعارا ما، أو ارتدوا قمصانا تحمل أحد شعارات ثورة 25 يناير، أو ذهبوا لعزاء والدة شهيد في ذكراه السنوية.

واقع الأمر أننا باستخدامنا لفظ «معتقلين» نوسع دائرة اتهامنا لتشمل الداخلية التي تقوم بأبشع حملة الانتقام من المجتمع الذي ثار ضدها منذ أكثر من 3 سنوات، وكذلك النيابة والقضاء الذين صاروا أدوات لتجديد معاناة المحبوسين على ذمة أى قضايا باستثناء رجال نظام مبارك، فأصبح لدينا ما هو أسوأ من الاعتقال الإداري، اعتقال بأمر القضاء. يا وزير الداخلية، لدينا معتقلون بل أسرى ظلمكم وقوانينكم الجائرة وعدالتكم الانتقامية. فلا تغالط، يكفي أن تكون سجانا ــ (انتهى).

هذا البيان، رغم أنه ينطلق من موقف ناقد ومعارض، يعبر عن حالة إيجابية تستحق التقدير. فالذين كتبوه يعبرون عن جيل متمرد توفرت له شجاعة ليتنا ننميها ولا نقمعها، ثم إنهم لم يردوا كلام الوزير بالمولوتوف ولا بالاشتباك مع الشرطة، وإنما استخدموا في ذلك الحجة والأدلة والقرائن. وهم لم يختفوا وراء لافتات غامضة وإنما أعلنوا عن أنفسهم باعتبارهم يمارسون عملا قانونيا يدافعون من خلاله عن قضية نبيلة تهم مستقبل الوطن بأسره. وقد أفهم أن يكتفي موقع وزارة الداخلية بنشر كلام الوزير وتجاهل بيان الشباب، لكني لم أفهم تجاهل مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية له. لمجرد أنه يعبر عن وجهة نظر أخرى نقضت كلام الوزير بأسلوب سلمى ومتحضر. صحيح أن ذلك التجاهل لم يحاصر البيان تماما، إلا أنه في حده الأدنى جاء كاشفا للمدى الذي بلغه نفوذ وزارة الداخلية والسلطان الذي تمارسه في المحيط الإعلامي. وكيف أنه يخدم في النهاية وجهة النظر الحكومية دون غيرها.

لأن الحكومة سمعها ثقيل، فلست أظن أن بيان شباب «الحرية للجدعان» سيغير شيئا من الواقع، ولكن نشره وتعميمه يتيح للرأي العام أن يطلع على الوجه الآخر للحقيقة. وليس مطلوبا من الإعلام أن يفعل أكثر من ذلك. إذ ما علينا إلا البلاغ.

(بوابة الشروق المصرية 18 أيلول/ سبتمبر 2014)