تعتبر المعلومة حجر الزاوية في
الصراعات العالمية والإقليمية والمحلية والتجارية والاقتصادية بجانب القوة العسكرية والقوة البشرية، كما أنها تشكل عقل القوة العسكرية والسلطة الخفية على المكون البشري، فمن خلال المعلومة وامتلاكها يكون بإمكانك تحسس مواضع أقدامك وتبصر طريقك وما يدور من حولك، فالمعلومات للكيانات في ظل هذا العصر تعتبر بمثابة البصر بالنسبة للجسد، والكيان الذي لا يمتلك المعلومة ولا يستطيع دمجها في بناء تحليلي ووضع تصورات للواقع وتوقعات للمستقبل يصبح دوما في خانة المفعول به، وهذه الخانة يعلن الجميع تذمره منها ويردد ( يجب أن ننتقل إل خانة الفعل) دون أن يدرك الكيفية التي يكون بها ذلك إلى أن يصبح حتى هذا القول هو من باب رد الفعل!
من المعلومة يجب أن تبدأ!.. إذا أردت أن تنتقل من إلى خانة الفعل والمبادرة، والمعلومة بالنسبة للكيانات المندمجة في صراعات "سياسية" قوية ليست مجرد توسيع دائرة "الاطلاع" أو تكثيف نشاط "التثقيف" أو حتى الحصول على مصادر للمعلومات داخل صفوف "الخصم"، بل "المعلومة" بالنسبة للكيانات هو كيان داخلي "متخصص" ومتفرغ و مُقتطَع ومتدرب جيدا لأجل غرض واحد وهدف واحد وهو "جمع المعلومة" بطرق الجمع المدروسة والمنهجية والتعامل معها بعد ذلك بطرق علمية محددة من "تحليل" ومراجعة ومعالجة ثم بناء عقل الجهاز المعلومات عبر مرور تلك المعلومات في دورة "التحليل وتقدير الموقف" لتكتمل دورة المعلومة داخل الجهاز المعلوماتي لتصل ليد متخذ القرار حيث يبت فيها ما يجد فيه مصلحة كيانه، وبالتالي يصبح متخذ القرار آخر دوائر صنع القرار وليس هو المبتدأ والمنتهى.
كما لا يـمكن مطلقا اعتماد طرق ركيكة في التعامل مع المعلومة، كأن يوظف لكل حدث مجموعة من "المتطوعين" ممن يعتبرون أهلا للثقة التنظيمية داخليا، فهذه الطريقة مقبرة للعملية المعلوماتية، فالتخصص والاحترافية والانقطاع للعمل هو أحد الأركان والشروط الأساسية لبناء كيان معلوماتي بإمكانه أن يجنب من يعمل لديه الكثير من الأزمات والكوارث الناتجة عن سوء التقدير أو ضبابية الرؤية، حيث تخترق عملية الجمع والرصد والتحليل كثيرا من الحواجز الزمنية لتضع متخذ القرار في الحاضر أمام صورة المستقبل ليُعمِلَ فيها رؤيته دون الاضطرار لنموذج التعلم بالصدمات التي يكلف الحركات السياسية الكثير الكثير من الأثمان والأرواح!
كذلك مع تمرس الجهاز المعلوماتي، يصبح لدى الحركة أو الحزب أو حتى الشركة أو رجل الأعمال "ثقة ذاتية" وحركة متزنة لا تجعل رهينة "للحدس" وبيئة السوق أو السياسة المضطربة، كما أن مرور فترة من الزمن على العمل المعلوماتي وصقله يدفع صاحبه ليكون مؤثرا رئيسيا وفاعلا أوليا حيث بإمكانه تلمس الفرص قبل وقوعها والنفاذ منها لمواضع الفوة والسيطرة الفعلية، وقد شاهدنا في مصر أن عملية "التعمية" المعلوماتية عن جماعة الإخوان والرئاسة واعتمادهم على الصداقات التي كثيرا ما كانت اختراقات، وعلى الرؤية المتفائلة للأحداث دون الواقعية منها والمستندة إلى معلومات كانت متداولة وقتها يحتم عليها ككيان مازال يشكل عصبا رئيسيا في الحركة امتلاك مثل هذا المشروع الذي هو جزء أساسي من عملية
إصلاح كاملة في جوانب (صناعة القرار - صناعة الفكر - الإدارة الداخلية - الإعلام الداخلي والخارجي) .. ومن "المعيب" والمشين أن تنغمس الحركة في الحراك الذي هو بالأصل في كثير منه نتاج فقر رؤية ورطتها وحلفاؤها في مشهد دموي تم جرها إليه بعناية وتخطيط ولعبة معلوماتية من الطرف الآخر.