كتب ديفيد اغناتيوس: ظهرت لقطة في شريط فيديو نشره مؤخرا أحد المسلمين المجندين يبلغ من العمر 20 عاما من مدينة كارديف بمقاطعة ويلز، توضح الولاء الشديد المستوحى من أبو بكر
البغدادي، قائد الجماعة المتمردة المعروفة باسم "الدولة الإسلامية في
العراق والشام".
ويقول الشاب الذي يُعرف باسم ناصر مثنى، المجند الذي يبدو أنه انضم إلى تنظيم «
داعش» منذ ثمانية أشهر مضت: «ما نفهمه هو أنه لا يوجد حدود».
وأضاف: «لقد شاركنا في القتال في سوريا وفي غضون أيام قليلة سوف نذهب إلى العراق وسنقاتلهم، وسوف نذهب إلى لبنان والأردن، وكذلك إلى أي مكان آخر يريد الشيخ بغدادي أن يرسلنا له».
وفي شريط الفيديو، يتعهد هذا الشاب إلى بغدادي، قائلا: «أرسلنا إلى المكان الذي تريد، نحن نعد بمثابة السهام الحادة التابعة لك، والتي يمكنك أن ترميها على أعدائك، أينما كانوا». هذا البريطاني المجند كان يرتدي زيا بسيطا، ووشاحا خفيفا على الرأس، ولديه لحية رفيعة، بما ينم عن أنه انضم للجهاد بعد تجاوزه مرحلة التعليم الثانوي بفترة ضئيلة.
وقبل أن يعتزم الانضمام إلى {الجهاد}، كان مثنى - الذي هاجرت عائلته من اليمن إلى بريطانيا - قد حظي بالقبول من جانب أربع كليات للطب، وذلك حسب ما ذكره أحد المحللين بصحيفة «ديلي ميل».
إن قدرة البغدادي لأن يكون مصدرا للإلهام بحيث يلقى مثل هذا التأييد الكثيف تثير قلق مسؤولي الولايات المتحدة؛ فعلى ما يبدو أن المقاتلين التابعين له على استعداد للذهاب إلى أي مكان وفعل أي شيء من أجل هذه القضية، كما أنهم يجمعون ما بين العاطفة المتعصبة ودرجة غير معتادة من التنظيم، والمهارات التقنية والتخطيط التكتيكي.
وحسب ما ذكره أحد المسؤولين الأميركيين المعنيين بمكافحة الإرهاب: «البغدادي هو زعيم إرهابي متحجر القلب، وسريع التغلب على المشاكل، وطموح، كما أنه، للأسف، أظهر براعته فيما يتعلق بالعمليات التكتيكية، وكذلك الاستراتيجيات العسكرية على ما يبدو». كما أنه يصف بغدادي بأنه «قوي العزيمة» و«انتهازي» بالنظر إلى قدرته على الانفصال عن القيادة الأساسية لتنظيم القاعدة، وكذلك الابتعاد عن أسلوب التحالفات مع زعماء القبائل العراقية والسورية.
وربما يكون البغدادي أكثر مهارة في هذا المجال مقارنة بمعلميه، أمثال أسامة بن لادن أو أبو مصعب الزرقاوي، قائد تنظيم القاعدة في العراق؛ فقد قام بتشكيل «الإمارة» الخاصة به، تحت حراسة الدبابات والأسلحة الثقيلة، الأمر الذي كان بمثابة الحلم الوحيد لابن لادن، كما أنه تمكن من تجنيد زعماء القبائل السنية بشكل أكثر براعة مقارنة بالزرقاوي؛ ففي نهاية المطاف أسفرت التكتيكات التي تقوم على الاستخدام المفرط للعنف التي تبناها (الزرقاوي) عن ابتعاد الشعب العراقي عنه.
ويقول المسؤول الأميركي: «البغدادي هو زعيم داعش الذي يحظى بالقبول يقينا، ويعتمد على مجموعة من الملازمين الموثوق بهم، ولكنه خوّل للقادة المحليين سلطة اتخاذ القرارات، ويبدو أنه شكّل هيكل قيادة غير مركزي إلى حد ما».
واستطرد المسؤول موضحا أن هذا يشبه النهج المتبع من جانب العصابات الإجرامية، مع استخدام البغدادي «الأساليب الوحشية لإرهاب وترويع المدنيين»، جنبا إلى جنب مع تمويل العمليات من خلال «أساليب قسرية وإكراهية تعد معتادة بالنسبة لجماعة إجرامية منظمة».
وقد تعكس كاريزما زعيم العصابة التي يتمتع بها البغدادي الفترة التي قضاها في السجن بمعسكر بوكا - السجن الذي تديره الولايات المتحدة. ويخشى القادة العسكريون الأميركيون من أن تصبح هذه المعسكرات بمثابة مدرسة تضم الجهاديين.
وحسب ما ذكره الجنرال دوغلاس ستون، نائب القائد العام لعمليات المعتقلين آنذاك، لمجلة «نيوزويك» في عام 2007: «احتمالية أن تعمل هذه المعسكرات على نشر التطرف بين السجناء» يشكل «مصدر قلق حقيقي للغاية».
وكان يقول ذلك في الوقت الذي أقام فيه البغدادي التنظيم الخاص به على مدى السنوات الكثيرة الماضية؛ فقد كان أحد تكتيكات البغدادي الأكثر فعالية يكمن في تحرير السجون العراقية التي تحتجز معتقلين تابعين لتنظيم القاعدة.
وقد شنت «داعش» هجوما متطورا على سجن أبو غريب وكذلك سجن التاجي منذ ما يقرب من عام، ما أسفر عن هروب ما يصل إلى 1000 سجين، وكثير منهم من مقاتلي تنظيم القاعدة العتاة، وأشار بيان صادر عن الحكومة العراقية إلى مدى دقة وتطور هذا الهجوم، بما تضمنه من سيارات مفخخة، ومفجرين انتحاريين، بالإضافة إلى قذائف الهاون المنسقة.
وبينما اجتاحت «داعش» مدينة
الموصل هذا الشهر، تمكنت الجماعة من تهريب ما بين 2000 إلى 3000 آخرين من المقاتلين المخضرمين من أحد السجون التي تقع خارج المدينة.
ورغم أن المسؤول الأميركي وصف البغدادي بأنه «إرهابي نابع من الداخل»، حيث إنه لم يسافر على الإطلاق خارج العراق وسوريا، فإن الجماعة التابعة له تمكنت بمهارة من تعبئة وسائل التواصل الاجتماعي العالمية من أجل تعزيز قضيتهم.
وخلال هذا الأسبوع، تناولت مدونة وور أون ذا روكس (War on the Rocks) العسكرية بالتحليل «عاصفة تويتر» تحت هاشتاج #AllEyesOnISIS كل العيون على داعش؛ ففي خلال 24 ساعة بدأت يوم الجمعة الماضي، كان هناك 31500 تغريدة، وكان أعلى 50 مغردا يشكلون نحو 20 في المائة من العدد الإجمالي للتغريدات، أو ما معدله 126 رسالة للشخص الواحد.
وتشير المدونة إلى «أن هذا يوضح أن من تحمل العبء هم عدد صغير من المتحمسين والنشطاء الذين جرى استخدامهم إلى حد كبير».
وتؤكد السيرة الذاتية شبه الرسمية لبغدادي، التي نُشرت على المواقع الجهادية عبر شبكة الإنترنت، على أنه «شخص تقي، بالإضافة إلى ما تتمتع به عائلته من قيم».
وكان والده زعيما قبليا ممن «يحبون القيم الدينية»، ويُعرف عن جده أنه «كان مواظبا على أداء الصلاة، وكان حريصا على صلة الرحم، وعلى تلبية احتياجات الأسر البسيطة».
ورغم أن البغدادي نادرا ما يتحدث علنا، إلا أن «خطابه بليغ، ولغته قوية، ويتمتع بالفطنة والذكاء على نحو واضح».
مجمل القول، أن زعيم داعش يعد زعيما بارعا ومنضبطا ويلجأ إلى استخدام العنف، وعنده كاريزما، ويميل إلى التأثير على الرأي العام المسلم.
(نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط السعودية ونشرتها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية 28 حزيران/ يونيو 2014)