عقدت قوى سياسية وثورية من بينها التحالف الوطني لدعم الشرعية إضافة إلى شخصيات من تياراتٍ مختلفة وأساتذة علوم سياسية في بروكسل مؤتمرا لإعلان وثيقة مبادئ استرداد ثورة يناير واستعادةِ المسار الديمقراطي
تأتي هذه الوثيقة كما أعلن زعيم غد الثورة أيمن نور ومحمد محسوب القيادي في حزب الوسط والوزير السابق في حكومة هشام قنديل كأساس لإنشاء مظله سياسية وثورية جامعة للقوي المناهضة للانقلاب والمطالبة بعودة المسار الديمقراطي.
وفي تقديري أن هذا التجمع الجديد يواجه تحديات ضخام لابد أن يجيب عنها في الشهور المقبلة :-
أول هذه التحديات : المصالحة الثورية أو بتعبير أدق لم الشمل الثوري وترتيب بيته من الداخل وتوحيد مطالبه وصياغة أهدافه وفق رؤية موحده لإنشاء تشاركيه سياسية جامعة ومعبرة عن مكونات الطيف السياسي الثوري هذه المصالحة لن تكون سهله في ظل علاقات مسكونة بعدم الثقة والتوجس والريبة بين رفقاء الثورة وشركاء الميدان بعد أن فرقتهم أمواج السياسة العاتية المطعمة بشتا أنواع الخداع ألمخابراتي والشرك الحريرية التي خايلت الكل في غياب واضح للوعي والخبرة في التعامل مع الدولة العميقة وموجات الثورة المضادة.
ومع الهزات العنيفة التي طالت هؤلاء الرفقاء وهددت أحلام الأمة في الحياة الكريمة في ظل مفاهيم الحرية والتعددية والتشاركية والكرامة والعدالة باتت إعادة اللحمة بين مكونات البيت الثوري فريضة وطنية وسياسية ضرورية وملحة بعد أن أصبحت دولة مبارك علي وشك العودة من خلال محاكاة لإجراءات ديمقراطية وهمية.. ولعل ما نراه من مراجعات لبعض رموز ثورة يناير يأتي في ذات الإطار ويعد مؤشرا علي الاتجاه الصائب وان كان متأخرا بعض الشيء.
التحدي الثاني : فًرَضِيَة الذهاب لحل سياسي يشمل الجميع وهذا المسار يتطلب الجلوس علي طاولة مفاوضات أو إدارة حوار عبر وسطاء يتوفر فيهم النزاهة والثقة والموضوعية ويكونوا محل قبول من جميع الأطراف (إسلاميون ،عسكريون ، دولة مبارك العميقة ، يساريون ، ليبراليون) وهو أيضا تحد ضخم يتطلب التحلي بالشجاعة لمجرد التفكير فيه فضلا عن قبوله في ظل الدماء التي سالت والتضحيات التي بذلت وقد يسأل قارئي الكريم ما الصعوبة في القبول بحل سياسي شامل والتراجع إلى الخلف عدة خطوات.. الجماعات المتناحرة في الدول تجلس رغم الدماء والتضحيات !!؟؟ أقول نعم جلس المتحاربون في لبنان والصومال والسودان وبريطانيا وغيرها من الدول إلا انه قياس مع الفارق فكل الذي ذكرتهم دخلوا في صراع مسلح وكان الضحايا من الطرفين أما في الحالة
المصرية فكان البطش والتنكيل والقتل من طرف واحد ( جانب الانقلاب العسكري) وقد تجاوز هذا الطرف كل الخطوط الحمر للمجتمع المصري فقتل واعتقل واغتصب وسحل النساء وهو ما سبب مرارة بالغة تتفاقم مع الزمن من جانب مؤيدو الشرعية والمتعاطفين معهم بل ومعظم المجتمع علي اختلاف توجهاته.
فهذا المسار بلا شك شائك ومجرد التفكير فيه يتطلب من التجمع الجديد الإجابة عن التساؤلات الآتية:-
- ماذا عن الشرعية
- ماذا عن قادة الانقلاب
- ماذا عن الشهداء والجرحى والمعتقلين
- ماذا عن الامتيازات الفئوية (جيش، شرطه، قضاء، رجال أعمال) والتي قدمها قادة الانقلاب لتلك المؤسسات لمساندة تحركاتهم.
- ماذا عسكرة الدولة (عسكرة المؤسسات ، عسكرة النخبة ، عسكرة الخدمات ، عسكرة الحياة المدنية،..)
- ماذا عن القوي السياسية التي شاركت في الانقلاب وما زالت في مربعه ( قوي جبهة الإنقاذ وحزب النور، الأزهر، الكنيسة ، فلول الحزب الوطني،.. )
- ماذا عن الاستقطاب الحاد الذي طال الأفراد والمؤسسات
- ماذا عن خارطة الطريق والإجراءات التي اتخذها الانقلاب في سبيل التمكين لمشروع العسكر (التعديلات الدستورية، حزمة القوانين الصادرة ،قرارات الوزارتين الانتقاليتين ، التغييرات البنيوية في هياكل وعقيدة بعض المؤسسات والأجهزة السيادية وغير السيادية،...)
- ماذا عن التدخلات الخارجية وكيفية التعامل مع الدول الداعمة للانقلاب كذلك كيفية التعامل مع تداخلات المشروعات المناوئة مع مصالح القوي الإقليمية ( تقاطعات المشروع الصهيوأمريكي مع مصالح القوي الإقليمية).
يأتي بعد ذلك عقبة تسويق المصالحة وما سينجم عنها من تفاهمات وإقناع القواعد الثورية والشعبية بها وهي بلا شك عقبه كبيرة قد تجعل أي تفاهمات لا تقدم إجابات شافية علي الأسئلة المتقدمة عديمة الفائدة وبلا قيمة وحبر علي ورق.
والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو فشلت الأطراف المختلفة في إيجاد صيغة مقبولة لحل سياسي يخرج البلاد من أزمتها الراهنة ؟؟
وما هي خيارات التجمع الجديد الواقعية لكسر الانقلاب واستعادة المسار الديمقراطي إذا تم استبعاد الحل السياسي الشامل لأسباب تخص القوي الثورية أو لتعنت الأطراف الأخرى باعتبارها طرفا يملك أدوات القوة ومؤسسات الدولة أو لتعويلها علي النجاح في تسويق فكرة الاستقرار قبل الديمقراطية ومكافحة (الإرهاب) قبل حقوق الإنسان ؟؟
في تقديري أن التجمع الجديد في حالة انسداد أفق الحل السياسي ليس أمامه إلا اتجاه إجباري وهو الذهاب لمسار ثوري سلمي مبدع يسعي لكسر الانقلاب وإزالة ما نتج عنه من إجراءات واستعادة المسار الديمقراطي لا يرضي بحلول مع دولة مبارك وعسكره علي حساب أهداف ثورة يناير ودماء الشهداء وهذا المسار تتوفر أدواته لدي التحالف وهي عبارة عن حراك ثوري قائم يكتسب كل يوم زخم وينضم إليه شرائح جديدة منذ عشرة أشهر وما زالت هناك فرصة لاستثماره في فرض معادلة جديدة علي الأرض من خلال تصعيد ثوري شامل مدروس و متنوع يعتمد علي عدالة مطالبه ويستثمر فشل قائد الانقلاب(الرئيس العتيد) في حلحلة الأزمات الطاحنة التي تهدد وجود الأمة المصرية (شعبا ووطنا وهوية ثقافية وحضارية) إذ أن فرص نجاحه المستقبلية وفق معطيات الفترة السابقة باتت ضئيلة للغاية لعدم نجاحه في إيجاد أي خروقات ايجابية علي صعيد الانهيار الاقتصادي والأمني الشامل وتداعي البنية الاجتماعية للمجتمع المصري علي الرغم من الدعم الواسع الذي حظي به من دول خليجيه وأحلاف دولية في العشرة أشهر الأولي من عمر الانقلاب هذا الدعم السخي من المتوقع أن يتضاءل ما لم يقوم قائد الانقلاب بأدوار أخري لصالح تلك الدول مرتبطة في الأساس بتطويق ما تبقي من ثورات في دول الربيع العربي في الشمال الإفريقي وخوض حرب بالوكالة ضد القوي المناهضة للتبعية والهيمنة الغربية وإسرائيل وفي القلب منها قوي التيار الإسلامي.
وهناك اتجاه آخر مستبعد وهو : الذهاب لمسار ثوري عنيف إذا لم يفلح الحراك الثوري السلمي في لفت نظر قادة الانقلاب للأخطاء التي ترتكب وأهمها القفز علي منجزات ثورة يناير وأهدافها النبيلة والتنكيل برجالها والمضي قدما في مسار التمكين للانقلاب علي حساب التعددية والتشاركية والتوافق وتغليب مصالح البلاد مع انسداد أفق الحل السياسي وهو بالطبع مسار سيء يضعف البلاد ويفاقم من أزماتها ويدفعها إلى حرب أهلية وهو ما يجب الحزر منه وإغلاق أي سبيل يؤدي إليه وكبح جماح الشباب الثوري وتهدئة مشاعره بخطاب عقلاني يضع العواقب والمآلات قبل ردود الفعل المتهورة.
ومع أن هذا السيناريو مستبعد لكون استراتيجيات التجمع قائمة علي السلمية كخيار أساسي إلا أن التخوفات لا تزال قائمة من انزلاق بعض الشباب في هذا الخيار إذا لم تؤدي السلمية إلى إحراز إي تقدم وهي تخوفات مشروعة في ظل تزايد التقارير الصحفية عن تنامي غضب الشباب الثوري إزاء ما يتعرضون له من انتهاكات جسيمة تؤدي إلى إزهاق أرواح واعتقال رجال ونساء وسحل وفصل تعسفي من الجامعات ومنع من دخول الامتحانات وغير ذلك من أنواع البطش والإرهاب المنظم والمستمر مع انسداد الأفق السياسي وتبيني سياسة شيطنة المعارضين ووصمهم بالإرهاب.
*باحث سياسي وناشط حقوقي – مركز الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان