أجرت صحيفة "الغارديان" البريطانية دراسة إحصائية للدور العسكري البريطاني في الخارج، وذلك في ضوء انسحاب القوات البريطانية من أفغانستان.
وقالت إن العام المقبل سيكون أول عام منذ قرن لن تنخرط فيه القوات العسكرية البريطانية في
حروب، ما يؤكد أن فكرة "الظروف الاستثنائية" ليست صحيحة. وتساءلت عن دور القوات المسلحة في ظل تخفيض الميزانيات.
وأضافت الصحيفة أنه "لم تقتصر الحروب التي خاضها البريطانيون على معارك للدفاع عن إمبراطوريتهم، بل والمشاركة في الحرب العالمية الأولى والثانية ضد ألمانيا واليابان، ثم الحرب الباردة والتدخلات العسكرية في أكثر من مكان، من الفوكلاند في ثمانينات القرن الماضي إلى حرب الخليج ثم أفغانستان واحتلال العراق".
وتقول الصحيفة في دراستها إن
بريطانيا بعد أن تنهي تدخلها العسكري في أفغانستان منذ عام 2001، "ستكون لأول مرة في سلام مع العالم، منذ الحرب العالمية الأولى عام 1914. ومنذ إعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا في تلك السنة لم يمر عام لم تقاتل فيه الجيوش البريطانية في ساحة من ساحات الحروب. حيث شهدت المائة عام الماضية حربين عالميتين، وصراعات واسعة في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية وأفريقيا وأسيا، وكانت هناك عمليات للدفاع عن الإمبراطورية".
وتابعت "لم تخض أمة حروبا في خلال القرن الماضي مثل بريطانيا، وحتى أن عام 1968 الذي ينظر إليه الضباط البريطانيون على أنه عام السلام شهد عمليات قتالية، بل وتعود الحروب البريطانية لقرون ماضية لعام 1707 عندما بدأت الإمبراطورية البريطانية. ويتوقع القادة العسكريون أن يكون عام
2015 "استراحة استراتيجية".
ويقترح خبراء استشارتهم الصحيفة أن التعب والإجهاد الذي سببته الحرب، وتراجع قدرات الجيش بسبب الجولة الجديدة من عمليات خفض النفقات والفشل الذي طبع المشاركة في أفغانستان والعراق ومشكلة بناء إجماع شعبي في المجتمع خاصة للمشاركة في الحروب في ظل وجود أقليات تنتمي إلى المحاور التي ستجري فيها الحروب يعني أن عام 2015 يكون العام الذي لن تطلق فيه بريطانيا الرصاص غضبا".
ونقلت عن الضابط توم بيتش، ومخرج فيلم "الدورية"، وهو فيلم عن العلاقة المتوترة بين الجنود البريطانيين في أفغانستان، حيث قال إن تراجع الدعم الشعبي للحروب وخفض النفقات كعاملين من العوامل التي ستحدد المشاركة في الحروب القادمة.
وأضاف أن بريطانيا "أصبحت متعددة الثقافات، وكل التدخلات العسكرية تمت في بلدان إسلامية. وفي المستقبل سيكون البريطانيين من أصول الشرق الأوسط أقل استعدادا لنشر قواتنا في بلادهم الأصلية بدون مبرر قوي".
وبحسب المؤرخ في جامعة سانت أندروز البروفسور ريتشارد إنكلش، الذي يدرس الإرهاب والحرب، إن المسلمين البريطانيين وإن كانوا قلقين حول الحروب التي شنت على البلاد الإسلامية، إلا أن تعب وإجهاد الرأي العام كان كثيفا ومعقدا، وهو يرى أن العراق وأفغانستان لعبا دورا في هذا التعب.
وفي افتتاحيتها الرئيسية تقول الصحيفة إن "دراستنا المسحية حول التاريخ الدموي الطويل ربما تثير دهشة البعض ممن يعتقدون أن بريطانيا لجأت للقوة في ظروف استثنائية، ومن أجل الدفاع عن النفس، ففي الحقيقة نحن نقاتل دائما، كما أظهر التاريخ القريب بتفاصيله الكثيرة". وتساءلت إن كانت حروب بريطانيا ستتوقف.
ويطلق الضباط على هذا التوقف مصطلح "استراحة إستراتيجية"، ومن هنا لا بد من دراسة وتحليل الدور والهدف "لقواتنا المسلحة" قالت الصحيفة، مشيرة إلى أن "دول أوروبا مجتمعة تنفق سنويا على التسليح والدفاع ما يقرب من 200 مليار جنيه إسترليني، و"هناك مليون ونصف مليون رجل وامرأة يعملون في الجيوش. فماذا يفعلون؟، بالتأكيد فهم لا يقومون بالسيطرة الاستعمارية، وليسوا، بعد نهاية الحرب الباردة، للدفاع عن أوروبا من حلف وارسو، وليسوا بعد أفغانستان والعراق وليبيا على الرغم مما يجري في مالي وأفريقيا الوسطى، من أجل التدخلات الواسعة بالتعاون مع الولايات المتحدة. وهم ليسوا من أجل محاربة الإرهاب أو العمليات الخاصة، لا سيما أن الطائرات دون طيار أصبحت الوسيلة المفضلة لقتال الإرهاب".
وتابعت "لم نعد، نأمل أن لا تكون الوسيلة المفضلة من أجل قمع انفصاليين أوروبيين في أيرلندا وإسبانيا وكورسيكا ويوغسلافيا السابقة، ولم يعد نظام الجندية في معظم دول أوروبا وسيلة لتعزيز الوحدة الوطنية من خلال الخدمة العسكرية الإجبارية".
"ومن هنا فأهمية القوات المسلحة تنبع من كونها وسيلة لحماية الحدود والشواطئ، ومصائد الأسماك والحماية من القرصنة، ومراقبة ومنع التهريب، لهدف عام وهو القيام بمهام في حالات الطوارئ، مثل المساعدة عند حدوث الفيضانات والهزات الأرضية والحرائق أو الحوادث النووية، ودعم فرق مراقبة السلام وعمليات الأمم المتحدة"، بحسب الصحيفة.
وتعتقد الصحيفة أن هذه المهام "لا تحتاج في معظمها لقوات مدربة خصيصا على القتال، التي لم تعد مهمة في الظروف الحالية، كما هي المعدات العسكرية التي تملكها القوات البريطانية والفرنسية، وأمام هذا النقاش الذي يتحدث عن دور القوات العسكرية كدور ضامن وحام لأوروبا من المخاطر القادمة، فلا يمنع أن يأتي الخطر من دول الاتحاد السوفييتي القادم، الصين، إيران أو روسيا".
وترى الصحيفة أن السؤال يظل قائما حول حيوية وعلاقة الأسلحة والدبابات في الحروب القادمة، "فهل تحتاج بريطانيا لكل ترسانات الأسلحة والدبابات في الحروب القادمة؟. وهل سيكون القرن الـ21 وبشكل عام خطيرا بدرجة لا يمكن التكهن بها؟".
اختتمت الصحيفة قائلة: "نحتاج للحفاظ على حالة التأهب الحربي وفن القتال وصناعته، لأننا لن نكون قادرين على إحياء الصناعة في حالة عودة الحروب".