كتاب عربي 21

متى يتراجع فرعون؟

1300x600

- منذ قيامه بالانقلاب في الثالث من يوليو الماضي، يعول الكثيرون على استراتيجية الحراك التي تعتمد الضغط والاستنزاف والإحراج الخارجي لـ"السيسي" ولقادة الانقلاب لدفعه على التراجع عن خطوة الانقلاب وإجباره على إعادة الأمور إلى نصابها، ولكن هناك حقائق لا يمكن إغفالها في سيكولوجية "الفرعون" تمنعه من حدوث مثل هذا التراجع!

- الحقيقة الأولى: الفرعون لا يتراجع أبدا إلا في لحظة "الموت" ولو نجا منها تراجع عن تراجعه! لقد شُق البحر بعصا أمام فرعون الذي رأى في خصمه قدرة هائلة منحها الله له لشق البحر كاملا أمام عينيه، ومعجزة كهذه تجعل أي شخص يتراجع بحسابات عقلية بسيطة، فموسى "مغادر" وليس مهاجما، ومن شق البحر يغلقه أيضا! لكن نفسية فرعون كانت أن يتكبر على كل تلك الحقائق وسار خلف موسى يطلبه!

- الحقيقة الثانية: أن معاملات الضغط الاقتصادي في أعظم درجاتها حينما نزلت على فرعون وقومه، فحدث تراجع بسيط، فقالوا "يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل"، وبمجرد زواله حدثت انتكاسة على الاتفاق الاول. وفي ظل كل تلك الأزمات، اعتمد فرعون برغم كل الانهيار الاقتصادي - وهكذا نجد فرعون سوريا حاليا - على منظومة الشيطان خلفه وما زال متماسكا، وفرعوننا هذا تقف خلفه منظومة شياطين أكبر!

- الحقيقة الثالثة: أن فرعون لا يعتمد على قوة مادية حقيقية بقدر ما يعتمد في مصر تحديدا على لعبة الرأي العام والإعلام، وبالتالي يجمع "السحرة" دوما إذا شعر بتهديد، ويغير عناوين الصراع سريعا، فيقول عمن جاء محررا "يريد أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد"، ويقول عن نفسه "وما أهديكم إلا سبيل الرشاد". وعليه، ففي هذا العصر لا تبحث عن "حقيقة" الحدث، بل ابحث عن كيفية توظيفه إعلاميا وسياسيا. إن أغلب الصراعات في العالم هي صراعات غير مباشرة، أدواتها بالأساس السيطرة على العقول لا الأجساد والكيانات.. اسمها حروب المعرفة، وأداتها الاعلام، فامتلاك خطاب قوي هدف رئيسي لمن يريد هزيمة الفرعون أو هز عرشه!

- الحقيقة الرابعة: أن فرعون لا يعتمد بشكل مطلق على حسابات القوة بقدر ما يعتمد على حسابات "الجهل" و"التغييب"، فهو ليس مشغولا بخطاب خصمه ولا عدوه أو مواجهته، بقدر ما هو معتمد على التأييد المطلق لشعبه تحت وطأة الجهل والقوة، فدوما حينما يريد مواجهة موسى لا يواجهه شخصيا، فقد تعلم درس "الحية" في المواجهة الأولى له مع موسى فأصبح يواجه فعليا شعبه، ويوجه خطابه إلى شعبه: "ما أريكم إلا ما أرى" - "أليس لي ملك مصر" - "إني أخاف أن يبدل دينكم" إلى آخر مما كان يخاطب به شعبه "الفاسق" كما أسماه الله. وحين أراد مؤمن من آل فرعون الدخول في المواجهة لم يخاطب فرعون مباشرة، بل خاطب الشعب والقوم والملأ، وحينما أراد فرعون الرد عليه لم يخاطبه مباشرة بل رد على الشعب ولم تحدث بينهما مواجهة مباشرة.


- بعد كل الحقائق التي سردنا بعضها يبقى أن فرعون لا يمتلك عقلا طبيعيا، بل نفسية فرعونية لا تقتنع أبدا بحجج عقلية ولا بتخويف، ولا يقتنع إلا إذا "أدركه الغرق"، ولذلك يجب ألا نثق في أي حالة تسوية للمواجهة إلا في حالة واحدة وهي "إذا أدركه الغرق"، وحين يدركه الغرق يجب ألا نمنحه الفرصة، فجبريل أخذ من طين البحر ووضعه في فمه ليموت صامتا..

- الاستراتيجية الربانية في ضرب فرعون هي إرباك صفوف الدعم المجتمعي له وإقامة الحجة ثم التخلص النهائي منه في نهاية المطاف.. دون التخلص النهائي لا يمكن لفرعون أن يقتنع بأي شيء آخر.