مقالات مختارة

إمّا وإلاّ!

1300x600
أي إنّ السلطات حققت وأصدرت الحكم ونفّذته في الوقت نفسه، خلال ساعات محدودة!

بالرغم من إدانة جماعة الإخوان لهذه الجريمة، وتبنّي تنظيم "أنصار بيت المقدس" لها، إلا أن ذلك لم يوقف الأجندة المعدّة سلفاً من قبل المؤسسة العسكرية، وما يتوارى وراءها من أجندة إقليمية كارثية، يمولها ويدعمها ويسوّقها إعلامياً النظام الرسمي العربي المحافظ!

الأجندة العربية العبقرية لم تعد تقتصر على الدول العربية المختلفة، بل تمتد اليوم لتشمل إعلان الحرب الإعلامية، والضربات من تحت الطاولة، لحكومة رجب طيب أردوغان العلمانية المحافظة في تركيا؛ فقط لأنّها تحمل أجندة مختلفة تماماً، عنوانها إدماج الإسلام السياسي المعتدل في المرحلة المقبلة، وإبقاء أفق سياسي مفتوح للتغيير والخروج من حقبة النظام الرسمي العربي الراهن المتهالك!

يا لها، فعلاً، من أجندة تقوم على شرعية عظيمة، ستكفل للمواطنين العرب مستقبلاً أفضل، وخروجاً من الكابوس القاتل الذي يلاحق الشعوب من المشهد السوري إلى اليمني إلى المصري، أو التونسي، أو حتى السوداني الذي عاد للاشتعال مؤخراً، في شقّه الجنوبي. وربما لا يخلو بلد عربي من حقول ألغام بانتظار الانفجار القادم!

هل يعني إعلان العسكر بأنّ جماعة الإخوان إرهابية، وحظر نشاطاتها، القضاء عليها شعبياً وسياسياً؟ الجواب: لو كانت هذه الوصفة نجحت مع نظام أشد بطشاً وقسوة، لكان ذلك مع حافظ الأسد، عندما أعلن في العام 1980 حظر الجماعة، واعتبارها تنظيماً إرهابياً، وأصدر قانوناً يعاقب فيه أبناء الجماعة بالإعدام شنقاً، وهجّر الآلاف منهم، وقتل عشرات الآلاف، ومزّق عائلات وأحرق مدناً، وسوّاها في الأرض، فهل انتهى الإسلام السياسي؟!

الجواب نراه في سورية اليوم: ما يزال الإخوان هم القوة السياسية الأكثر فعالية وحضوراً في الخارج، بينما في الداخل أصبح السلفيون هم القوة الرئيسة، عبر الجبهة الإسلامية، فيما تمثّل "القاعدة"، أيضاً، القوة الأكثر راديكالية وحضوراً. أما الجيش الحرّ، فلا يعدو مجموعات صغيرة محلية هامشية، ما اضطر الولايات المتحدة نفسها إلى محاولة فتح حوار مع الجبهة الإسلامية، برغم أنّها كانت للأمس القريب فقط، تعتبرّ بعض فصائلها، مثل أحرار الشام، امتداداً للقاعدة!

الإسلام السياسي لن يختفي من المشهد بقرار حكومة أو محكمة، فهو واقع مركّب ومعقّد. إنّما يمكن تطويره وإعادة إنتاجه، وتصنيفه، واحتواؤه. لكن ذلك كلّه ليس في سياق الحفاظ على الوضع الراهن، أو وفق عملية تجميلية، بل في إطار البحث عن معادلات جديدة تقنع المواطنين والجمهور المحتقن المتربص الغاضب، المتململ، والأجيال الشابة الجديدة المتحفّزة في أرجاء العالم العربي، بأنّ هنالك أملاً وأفقاً في التغيير السياسي السلمي، وتحسّن الشروط الاقتصادية والمجتمعية من جهة أخرى، نحو عدالة اجتماعية أفضل، وتراجع لمنسوب الفساد.

إذا كان الانتقال إلى الديمقراطية ليس لحظة تاريخية خاطفة، وما يزال أمام الشعوب العربية مراحل مطلوبة للوصول إلى تلك المرحلة، كما أثبتت التجارب الأخيرة حقاً، فإنّ البديل ليس العودة إلى الوصفات الفاشلة المتآكلة الهشّة، بل المضي خطوات إلى الأمام عبر عملية متكاملة سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً، تقوم على مبدأ الإدماج لا الإقصاء.

إن لم يكن ذلك، فإنّ البديل الوحيد لهذه المجتمعات، وللأجيال الجديدة من الشباب الصاعد، ليس القبول بالوضع الراهن، بوصفه تخييراً بين أقل الكوارث، بل هو الجنوح العام نحو التطرف والراديكالية والعمل المسلّح، طالما أنّ هذا الأفق الوحيد الذي تفتحه له السلطات الحاكمة العربية!