كشف انسحاب جيش
الاحتلال الإسرائيلي، الاثنين، من داخل مجمع
الشفاء الطبي والمناطق المحيطة به في مدينة
غزة، عن دمار هائل وعشرات الشهداء جراء العدوان الذي دام لمدة أسبوعين متتاليين.
وأعلن الدفاع المدني في قطاع غزة عن وجود ما يزيد على الـ300 شهيد في المستشفى ومحيطه جراء العدوان على الشفاء، في حين تتواصل عمليات البحث وانتشال جثامين الشهداء في المنطقة بعد انسحاب الاحتلال.
وتنبعث روائح نفاثة جراء تحلل جثامين الشهداء
الفلسطينيين داخل المجمع الطبي الذي دمر الاحتلال أجزاء كبيرة منه وقصف مبانيه بالقذائف والرصاص بشكل مباشر، بحسب مصادر محلية.
وكشف انسحاب جيش الاحتلال عن قيامه بتجريف القبور ونبشها، فيما ظهرت على بعض جثامين الشهداء علامات سحق بجنازير الجرافات العملاقة والآليات العسكرية.
وأقر الاحتلال بإعدام 200 فلسطيني في المكان بدعوى أنهم مقاومون، رغم أن مؤسسات حقوقية ومصادر فلسطينية، كشفت عن أن الاحتلال أعدم طواقم طبية ونازحين مع عائلاتهم في المكان، فضلا عن مئات جرى اعتقالهم من المجمع.
ووفقا لوكالة الأناضول، فإنه من غير الممكن حتى بنظر فلسطيني اعتاد على مشاهد الحرب الفظيعة، احتمال رؤية هذا الكم من الدمار والحرائق والجثث الملقاة في الطرقات في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه.
وتلفت الوكالة إلى أن جيش الاحتلال أحرق ودمر كل ما تقع عليه عيناك في المستشفى ومحيطها و"كأن قنبلة نووية ضربت المنطقة"، أو أن ذاك رد عملي على قرارات المحكمة الدولية في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا.
وتشير إلى أن المشهد من السماء يظهر تدفق آلاف الفلسطينيين سيراً على أقدامهم مع أولى لحظات شروق الشمس من مناطق شرق وشمال مدينة غزة إلى مستشفى الشفاء ومحيطها لتفقد منازلهم ومن تبقى من أفراد عوائلهم وما خلفه اقتحام الجيش الإسرائيلي للمنطقة على مدار 14 يوما.
وتضيف أن هؤلاء الفلسطينيين كانوا يسيرون بين تلال عملاقة من الركام ومبان شوهتها القذائف واخترقتها طلقات الرشاشات الثقيلة، وأخرى متفحمة بعد أن التهمتها نيران أشعلها الجنود الإسرائيليون على مدار 14 يوماً، على جانبي الطريق في شارعي "الوحدة" و"عمر المختار" الموصلين من شرق المدينة إلى المستشفى وشارعي "عز الدين القسام" و"النصر" المؤديين إلى المنطقة قدوما من الشمال.
بداية من مفترق "بالميرا" على شارع "الوحدة"، تظهر ملامح الدمار الشامل وتنبعث من كل مكان روائح لتحلل جثامين عشرات الشهداء الفلسطينيين الذين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي وألقاهم في الطرقات أو لم يتمكن أحد من انتشالهم من تحت أنقاض المنازل والبنايات السكنية المقصوفة.
وقد حاول الفلسطينيون وضع كمامات وقطع قماش مبللة بالمياه على وجوههم لتجنب تلك الروائح ولكن دون فائدة فبعضهم فقد وعيه وآخرون أصيبوا بالغثيان الشديد ففي كل مكان تقع عليه عيناك ستلحظ جثة متحللة أو أشلاء أو دماء متناثرة على الطرقات والحجارة المدمرة تحولت إلى اللون الأسود أو الأحمر القاني، بحسب وكالة الأناضول.
البوابة الرئيسية
وفور الوصول إلى بوابة مستشفى الشفاء الرئيسية مع نهاية شارع "الوحدة" فإنك لن تجد تلك البوابة السوداء العملاقة على حالها، فجيش الاحتلال دمر أجزاء منها وحفر حولها حتى خرجت مياه الصرف الصحي، فيما تتناثر النفايات وقطع الحجارة الصغيرة المتناثرة من شدة القصف في كل مكان.
وخلف هذه البوابة جرف الاحتلال الساحة الأمامية للمستشفى ودمر حديقتها بشكل كامل حتى تحولت إلى مجرد أرض محروثة تمتزج مع ترابها بعض الأشلاء البشرية المتحللة، فالدبابات الإسرائيلية كانت تحتل هذه الساحة وقتلت الكثير من النازحين الفلسطينيين فيها، كما يقول شهود عيان لوكالة الأناضول.
هذه الساحة كانت في الأيام الأولى من الحرب مقرا لعمل المئات من الصحفيين ووسائل الإعلام المحلية والدولية حيث كانت تصل آلاف الإصابات يومياً بفعل الغارات الإسرائيلية، إضافة إلى إيوائها عشرات آلاف النازحين الذين دمرت منازلهم ولكنها الآن لم تعد تصلح لشيء، ومن يمشي فيها عليه أن يتحسس موضع أقدامه خشية من انفجار قذيفة أو قنبلة من مخلفات جيش الاحتلال.
قسم الجراحة
نظرة إلى اليمين قليلا بعد الدخول من البوابة الشرقية للمستشفى ستجد مبنى الجراحات التخصصية وقد كان أحدث مباني مجمع الشفاء الطبي وأضخمها وأجملها، لكنه لم يعد كذلك فواجهته الرخامية المتفحمة تظهر حجم الدمار الهائل الذي أصابه بفعل قصفه وتفجير طوابق بداخله وإحراق ما تبقى منه.
الطابقان الأرضي والأول من المبنى تم تفجيرهما بشكل شبه كامل ولا يظهر منهما إلا بعض الأعمدة، فيما بقية الطوابق شهدت دمارا هائلا في غرفها قبل أن يحرقها جنود الجيش الإسرائيلي لتتفحم بالكامل.
وفي داخل المبنى تنبعث روائح نفاثة جراء تحلل جثامين عدد من الفلسطينيين الذين قتلهم الجنود الإسرائيليون وتركهم داخل المبنى قبل أن ينتشلهم متطوعون فلسطينيون في الساعات الأولى بعد انسحاب قوات الجيش من المنطقة، كما يقول شهود عيان لـ"الأناضول".
مبنى الطوارئ
مبنى الاستقبال والطوارئ في واجهة المستشفى كان أسوأ حال من سابقه فقد دمرت واجهته بشكل كامل بعشرات القذائف ومئات الطلقات النارية، وأحرق من الداخل وتهاوت معظم جدرانه وأتلفت جميع الأجهزة الطبية بداخله، وفق مصادر طبية.
وهذه الصورة للدمار والحرائق انعكست على جميع المباني في المستشفى مثل الولادة والإدارة والكلى والسرطان والحروق، فجميعها تعرضت لعشرات القذائف، وأحدث الجنود الإسرائيليون تفجيرات داخل طوابقها وغرفها حتى بات بعضها آيلا للسقوط ولا يمكن إعادة ترميمه.
ومن داخل هذه المباني والساحات المحيطة بها انتشل الفلسطينيون جثامين نحو 50 شهيدا على الأقل غالبيتها متحللة، وأعادوا دفنها في مقابر مؤقتة كانوا قد أقاموها في الساحة الخلفية والشمالية لمجمع الشفاء الطبي.
تجريف القبور
تلك المقابر لم تسلم أيضا؛ فقد جرف جيش الاحتلال الإسرائيلي معظمها وأخرج الجثامين منها وظهر على بعضها علامات سحق بجنازير الجرافات العملاقة والآليات العسكرية.
بعد تجاوز المقابر والساحة الخلفية للمستشفى سنصل إلى منطقة سكنية كبيرة كانت الأخيرة في الجزء الغربي من حي الرمال التي لم يطلها دمار كبير خلال الاقتحام الإسرائيلي الأول لمجمع الشفاء الطبي ومحيطه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ولهذا السبب شكلت هذه المنطقة التي تضم آلاف الوحدات السكنية مأوى لمئات الآلاف من النازحين من المناطق المدمرة في حي الرمال والأحياء الشرقية لمدينة غزة، وافتتح الفلسطينيون فيها سوقا كبيرا للأثاث والمواد الغذائية عند مفترق "العباس" الأشهر فيها، ما منحها نوعا من الحيوية على مدار أربعة أشهر متتالية قبل أن تقع الكارثة.
رائحة الموت
لكن كل معالم الحياة في هذه المنطقة لم تعد موجودة بل وباتت تنبعث من كل مكان فيها روائح الموت، فهناك عشرات الشهداء ما زالت جثامينهم تحت أنقاض المنازل المدمرة هناك.
في الجزء الشمالي من المنطقة تقع منازل لعائلات "قنيطة" و"حسونة" و"أبو شمالة" و"أبو حصيرة" و"حبوش" و"عجور"، كلها نسفت بشكل كامل أو شبه كلي، وما تبقى منها طالته النيران امتدادا من بداية شارع "أبو حصيرة" وصولا إلى مفترق ميناء مدينة غزة.
وفي الجهة الجنوبية الغربية لمجمع الشفاء كان الفلسطينيون يحاولون إخراج جثامين شهداء من تحت أنقاض منازل لعائلتي "عجور" و"حبوش" ويجمعون أخرى من شارع عمر المختار وينقلونها لدفنها في ساحة المستشفى من جديد.
جثامين متحللة
ولم ينجح المتطوعون في حمل بعض الجثث نظراً لتحللها فنقلوها بواسطة ألواح خشبية أو أغطية قماشية أخرجوها من بين أنقاض المباني المدمرة.
وما كان لافتا في هذه المناطق أن سكانها بدأوا بمحاولة تنظيف وإصلاح عدد من البيوت، فهم رغم الدمار ورائحة الموت التي تنتشر في كل مكان قرروا العودة والسكن فيها، فلا مكان آخر يمكن أن يلجأوا إليه في ظل مشاهد الدمار الهائل التي فرضتها القوات الإسرائيلية على جميع مناطق المدينة المنكوبة.