نشرت صحيفة "
لوفيغارو" الفرنسية، تقريرا، تحدثت فيه عن التداعيات المحتملة لتباطؤ الاقتصاد الصيني على العالم، وخاصة الدول النامية والدول المصدّرة للسلع الأولية.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه نظرًا لمكانة الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، منذ سنة 2010 وباعتبارها مصنع العالم، فإن أي تعثّر يشهده اقتصادها يمكن أن يؤثر على العديد من الدول، وعلى رأسها كبار منتجي المواد الخام.
وذكرت الصحيفة، أن "التباطؤ الناجم عن جائحة كوفيد-19 الذي تحوّل إلى تباطؤ هيكلي تحت تأثير أزمة القطاع العقاري والانهيار الديموغرافي يُلقي بثقله على
الاقتصاد العالمي. وفي بداية شهر آذار/ مارس، أكّدت السلطات في بكين أثناء المؤتمر الشعبي الوطني أنها لا تزال متمسّكة بهدف نمو بنسبة 5 بالمئة بحلول سنة 2024. وهو هدف يعتبره العديد من الاقتصاديين متفائلاً للغاية".
ومن جهته، يتوقّع صندوق النقد الدولي أن يكون نمو الصين في حدود 4 بالمئة على مدى السنوات الثلاث المقبلة. حتى إن مديرته العامة، وهي كريستالينا جورجييفا حثّت السلطات الصينية في 24 آذار/ مارس على تنفيذ "إصلاحات صديقة للسوق" لإنعاش النمو. أما خبراء وكالة "فيتش" للتصنيف الائتمانى، فيوقّعون نموًا بنسبة أقل من 2 بالمئة.
وأشار كبير الاقتصاديين في وكالة "فيتش"، بريان كولتون، إلى "غياب التحرّك السياسي" لتحقيق الاستقرار في سوق العقارات، "وهو الخطر الرئيسي هذا العام بالنسبة للاقتصاد الصيني"، ذلك أن العقارات تمثّل ما بين 20 إلى 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الصيني. ولا تستطيع الصين الاعتماد على الطلب الدولي القوي، كما رأينا في الانتعاش الفوري بعد الجائحة، للتعويض".
ونبّهت
الصحيفة إلى أن "الصدمة ستكون شديدة بالنسبة للعديد من الدول التي تعتمد بشكل كبير على الصين، بما في ذلك اقتصادات آسيا والمحيط الهادئ". وبحسب وكالة "فيتش" فقد تخسر كوريا الجنوبية أكثر من 1.6 نقطة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب علاقاتها التجارية القوية مع الصين.
وحيال ذلك، قال كولتون: "إن اقتصاد كوريا منفتح للغاية، حيث مثلت الصادرات 44 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2023، وجزء كبير منها موجّه للصين لتغذية الطلب المحلي". وقد تعاني دول آسيوية مجاورة أخرى من تباطؤ الاقتصاد الصيني، مثل تايوان وهونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا، على الرغم من أنها مدعومة بديناميكيات قوية.
أفريقيا في خط المواجهة
تظهر دراسة أجرتها وزارة الخزانة الفرنسية أن "تباطؤ الاقتصاد الصيني سيؤثر على المدى المتوسط على الاقتصادات الناشئة عبر قناتين رئيسيتين، القناة التجارية والمالية"، لا سيما أن حصة الصين من التجارة العالمية تضاعفت ثلاث مرات خلال عشرين عاما من 4.7 بالمئة في 2002 إلى 12.7 بالمئة في 2022.
وبحسب هذه الدراسة، فإن بكين تعد الشريك التجاري الرائد لأكثر من 120 دولة ومنطقة في العالم، معظمها من الدول الناشئة أو المصدرة للمواد الخام. (على غرار أنغولا، وإيران، والبرازيل، والمملكة العربية السعودية، وروسيا، وجنوب أفريقيا)". وفي حالة أنغولا، ثاني أكبر منتج للنفط في أفريقيا، تمثل الصادرات إلى الصين 18.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشارت الصحيفة إلى أن "الصين تؤثّر على أسعار المواد الخام التي تحتاجها بشدة لتغذية صناعتها وإطعام سكانها، فضلا عن كونها أكبر مستورد في العالم للخامات (النيكل والألومنيوم والحديد وغيرها) والمنتجات الزراعية، وتستأثر بـ12 بالمئة من الواردات العالمية من الحبوب، مقابل 58 بالمئة من فول الصويا، و25 بالمئة من الهيدروكربونات".
وأضافت الصحيفة أن "تراجع التمويل الصيني سيكون له أيضًا تأثيرٌ ملموس على العالم الناشئ. فخلال العقدين الماضيين، أصبحت الصين الدائن الثنائي الرئيسي من خلال القروض السيادية والتجارية بإجمالي 180 مليار دولار في سنة 2015 مقارنة بثلاثة مليارات دولار في سنة 2001، تركزت على المناجم والصناعة".
وتمنح
بكّين قروضًا طارئة لتمويل الديون تصل إلى 240 مليارا منذ سنة 2000 لأكثر من 20 دولة، وذلك بحسب دراسة وزارة الخزانة الفرنسية. وقد تلقت الأرجنتين وباكستان، على وجه الخصوص، دعمًا متكررًا من الصين.
إلى ذلك، تغطي بكين جزءًا كبيرًا من خدمة الدين الخارجي للدول النامية بما في ذلك إثيوبيا (42.2 بالمئة) وأنغولا (41.6 بالمئة) وباكستان (20.2 بالمئة)، وإغلاق صنبور القروض والاستثمارات من شأنه أن يؤثر بشدة على أفريقيا.
ويؤكد توماس موراند من بنك "كريدي أغريكول" أن "تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر تمثل حوالي 23 بالمئة من التدفقات السنوية" على القارة. ويقدّر صندوق النقد الدولي أن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 1 بالمئة يحرم أفريقيا من ربع نقطة نمو.
تراجع عدد السُيّاح الصينيين
وفقا للاقتصادي كريستوفر ديمبيك من بنك "بيكتيه إيه إم"، فإن "تأثير التباطؤ في البلدان المتقدمة يكون محسوسًا بشكل رئيسي من خلال قناة الاستثمار لأن الصين تعيد تركيز استثماراتها الأجنبية المباشرة على منطقة آسيا والمحيط الهادئ. تم التخلي عن العديد من المشاريع الأوروبية ضمن طريق الحرير الجديد، خاصة في منطقة البلقان، ويشمل ذلك خاصة
صربيا وكرواتيا".
كذلك، تعاني ألمانيا، التي يعتمد محركها على التجارة الخارجية، من تباطؤ شريكتها الصينية الرئيسية. لكن المشكلة الرئيسية التي يواجهها الاقتصاد الألماني حسب ديمبيك تأتي "قبل كل شيء من صعود الصناعة الصينية في نفس القطاعات القوية في ألمانيا (صناعة السيارات والأدوات الآلية)".
وأضافت الصحيفة أن "هناك تأثيرا جانبيًا آخر لجائحة كوفيد-19 لا يزال محسوسًا حتى اليوم وهو تراجع عدد السياح الصينيين على الرغم من إعادة فتح الحدود قبل سنة. تضاعفت حصة الصينيين بين السياح العالميين ما بين 2010 و2019".
وتشير وكالة "بلومبيرغ" إلى أن "العجز في السياحة العالمية مقارنة بما قبل كوفيد يقدّر بنحو 129 مليار دولار". وبحسب كريستوفر ديمبيك فإن "هذا موضوع حقيقي في اليابان، حيث يستأثر السياح الصينيون بثلث نفقات الأجانب".