خلّف سريان قانون منح ضباط الجيش صلاحية الضبطية القضائية في الجرائم التي تضر باحتياجات المجتمع الأساسية من سلع ومنتجات تموينية، بعد نحو أسبوعين من إقراره، أجواء متوترة على الأسواق، ما أدّى إلى اختفاء بعض السلع الغذائية، وغلاء البعض الآخر.
وتواجه
مصر أزمة حادة منذ عدة شهور جراء نقص عدد من السلع الأساسية، مثل السكر والأرز، فضلا عن ارتفاع أسعار باقي السلع الغذائية، وحملت الحكومة المسؤولية عنها لـ"جشع التجار، وتخزين واحتكار السلع بالمخالفة للقانون وحماية المستهلك".
وتشن
السلطات المصرية حملات أمنية على المحلات التجارية والمخازن في المدن والقرى وتقوم بمصادرة كميات كبيرة من البضائع والسلع، وتحرير محاضر قضائية لأصحاب المحلات والدكاكين ما جعل الكثير منهم يبادرون إلى إغلاق المحلات لساعات طويلة يوميا.
وشَكّل منح ضباط الجيش في مصر صلاحية الضبطية القضائية في الجرائم التي تضر باحتياجات المجتمع الأساسية من سلع ومنتجات تموينية، وكذلك مشاركة الشرطة في تأمين المنشآت ومواجهة تهديد مقومات الدولة حفاظا على
الأمن القومي مؤشرا على تنامي القلق لدى السلطات المصرية.
وكان رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي قد أصدر القانون رقم 3 لسنة 2024 بشأن تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية في الدولة الذي ألغى بموجبه قوانين أخرى كان أقرها أيضا واستحدث فيها ما يريد.
وبحسب القانون الجديد، أصبحت حماية المنشآت مهمة مشتركة بين الجيش والشرطة، وأصبحت للمرة الأولى، الجرائم التموينية من اختصاص القضاء العسكري بدعوى مواجهة عملية احتكار السلع والتلاعب في الأسواق التي يقوم بها بعض التجار.
وكان اللافت في القانون الجديد أن يكون للقوات المسلحة صفة مأموري الضبط القضائي في الجرائم التي تضر باحتياجات المجتمع الأساسية من سلع ومنتجات تموينية بدعوى حفظ المقومات الأساسية للدولة ومكتسبات الشعب وحقوقه أو مقتضيات الأمن القومي.
الطريقة البوليسية وتأزيم الأزمات
وألقى عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات وعضو الاتحاد العام للغرف التجارية، أسامة الشاهد، باللوم، على الإجراءات الأمنية في ارتباك الأسواق واختفاء السلع، وقال: "إن سبب نقص السكر في الأسواق خلال الفترة الحالية، لا يرجع إلى عدم توافره؛ بل إلى عدم ثقة التجار في الطريقة البوليسية التي يتم اتباعها مع تجار السكر".
وأشار في تصريحات له، إلى أن الشرطة تداهم المخازن بسبب عدم ترخيصها، وبناءً عليه يتم اعتبار التاجر يهرب السكر، وبعضهم لم يعد يرغب في العمل في مثل هذه الأجواء وأغلقوا محلاتهم، خاصة أن معظم المخازن غير مرخصة، وهو ما سمحت به وزارة التموين شريطة عدم الامتناع عن بيع وعرض السكر على الأرفف.
ملاحقة الحلقة الأضعف
ودأبت السلطات المصرية في الآونة الأخيرة، على ملاحقة تجّار الذهب والسلع الكهربائية وتجار العملة الصعبة بدعوى ضبط الأسواق والقبض على المتورطين في زيادة الأسعار واحتكار السلع والتلاعب في الأسواق، ما تسبّب حتى الآن في إحداث قلق وذعر لدى المتعاملين، وارتفاع أسعار بعض السلع واختفاء البعض الآخر، وفشلت كل جهود الدولة في توفير السكر في المحلات، والدولار في البنوك المحلية، والذهب بأسعار السوق العالمية.
واشتكى أحد أصحاب المحلات التجارية في أحد أحياء مدينة الجيزة من "عدم قدرة التجار وأصحاب المحال التجارية الصغيرة على العمل بسبب الحملات الأمنية والضبطية القضائية الممنوحة لكل من هب ودب بدعوى محاربة جشع التجار في حين أننا لا نجد البضائع والسلع ونشتكي من قلة المعروض وعدم وجود مخزون كاف لدى التجار الكبار ونحن الحلقة الأضعف في الدائرة الكبيرة".
وأعرب الحاج حامد، وهو صاحب بقالة الحمد عن غضبه في حديثه لـ"عربي21" "من تنامي أسلوب التعامل الأمني مع التجار، وتحميلهم مسؤولية اختفاء السلع وارتفاع سعرها، في حين أن الدولة هي أول من يقوم برفع أسعار الخدمات والرسوم بشكل مضاعف لا يتناسب أبدا مع أي ارتفاع ثم تلاحق التجار الذين يتأثرون بتلك الأسعار على تحميل البضائع تلك الزيادات سواء فيما يتعلق بفواتير المياه والغاز والكهرباء والخدمات البلدية والرسوم التموينية والتراخيص وغيرها".
وزادت وتيرة مداهمة القوات الأمنية وأفراد الضبطية القضائية من الجيش والشرطة والجهات الحكومية بشكل مكثف، ما جعل من استمرار فتح المحال والدكاكين طوال الوقت أمرا مستحيلا، بحسب أحد المواطنين الذي أكد لـ"عربي21" أنه يعاني وأهل المنطقة من عدم قدرتهم على شراء المستلزمات بسبب الحملات المتواصلة على التجار والبائعين.
إلى ذلك، تساءل المواطن الذي يعمل بإحدى شركات توصيل الطلبات للمنازل ويدعى كريم أن "مثل هذه الممارسات لا تأتي إلا بنتائج عكسية؛ لأن أصل المشكلة ليس لدى أصحاب الدكاكين والبقالة البسطاء الذين يمثلون المواطن البسيط ويحصلون على السلع بشق الأنفس، وإنما لدى الحكومة التي تحاول فرض حلول أمنية وهذا يتنافى مع حرية السوق، لا يوجد كيلو سكر واحد في أي مكان إلا بشق الأنفس".
عسكرة وقبضة أمنية وفشل اقتصادي
على المستوى القانوني والقضائي، قلّل رئيس محكمة استئناف القاهرة سابقا، أيمن الورداني، من أثر إحكام القبضة الأمنية وعسكرة الدولة، بالقول: إن "القانون الجديد يأتي ضمن سلسلة قوانين أخرى سابقة تكرس لعسكرة الدولة وحماية النظام، ما يؤكد أن هناك ارتباكا لدى النظام المصري الذي يواجه حزمة أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية فشل طوال 10 سنوات في معالجتها نتيجة الفساد المالي والإداري".
وتابع: "وهو نتيجة طبيعية ومتوقعة لانسداد الأفق السياسي وعسكرة المؤسسات الاقتصادية والإدارية في الدولة وقد أدى ذلك إلى حالة من الارتباك والتخبط في اتخاذ القرارات مما أحدث احتقانا واضحا في الشارع المصري".
وأضاف الورداني، في حديثه لـ"عربي21": "بدلا من أن يعالج النظام أسباب هذه الأخطاء لجأ إلى الافتئات على الدستور والحقوق والحريات والإمعان في توسيع صلاحية ضباط الجيش، والقانون يحمل بين طياته خوف النظام من تحرك الشارع، وللأسف يعين البرلمان الصوري النظام في عسكرة الدولة لأنه موال للنظام وليس من اختيار الشعب".
هذا القانون، بحسب المستشار الورداني، هو استكمال لسلسلة قوانين سابقة تمنح ضباط وأفراد الجيش المشاركة في حماية المنشآت بمعاونة الشرطة في عام 2013 وعام 2014 تحت ذريعة تأمين وحماية أمن المنشآت والمرافق العامة وفي 2016 تم تجديد القانون لمدة 5 سنوات تنتهي في عام 2021 وفي نفس العام تم عرض القانون على البرلمان ووافق أن يكون غير محدد المدة.
وحذّر من أن "زج القوات المسلحة في الحياة المدنية وعسكرة مؤسسات الدولة والملاحقات الأمنية أدى إلى انتشار الفساد المالي والإداري وفقدان السيطرة على الأوضاع الاقتصادية فضلا عن انسداد الأفق السياسي، ولعل بيع أصول الدولة والشركات الحيوية نتيجة الفشل في إداراتها هو خير مثال على ذلك".