ناشد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الرئيس
التونسي قيس سعيد؛ لإنهاء سجن رئيس حركة النهضة الشيخ
راشد الغنوشي والمعتقلين السياسيين، والتأسيس لمصالحة وطنية تليق بتونس وبنخبها الذين أسسوا للنهضة العربية الحديثة.
جاء ذلك في تصريحات خاصة للأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الدكتور علي محمد الصلابي لـ
"عربي21"، تعليقا على الحكم القضائي الجديد
الصادر أمس الخميس بحق الشيخ راشد الغنوشي 3 سنوات سجنا؛ على خلفية ما يُعرف بـ
"قضية اللوبيينغ".
وقال الصلابي مخاطبا الرئيس قيس سعيّد؛ "إن مسؤولية الحاكم أمام
الله وأمام شعبه والتاريخ والقيم الإنسانية، مسؤولية تنوء بها الجبال".
وأضاف: "يا سيادة الرئيس؛ إن لنا في رسول الله صلى الله عليه
وسلم أسوة حسنة، وقدوة نيّرة في التعامل مع الناس، وخصوصا مع المخالفين له في
العقيدة والقيم والتصورات، فقد آذاه المشركون منذ أن صدع بدعوته إلى أن خرج من بين
أظهرهم وأظهره الله عليهم. وقد حفظت لنا السيرة النبوية صورا عديدة من البلاء
والأذى في الرسالة والرسول والمؤمنين، وعندما تمكن منهم وفتح الله على يديه مكة، مال بطبيعته وسجيته وتقربه من الله إلى الرحمة والشفقة، وأعلن العفو العام، سواء
لزعماء مكة أو عامتهم ممن حاربوه، على الرغم من أنواع الأذى الذي ألحقوه بالرسول
ودعوته".
وتابع الصلابي موجها كلامه للرئيس التونسي قيس سعيد؛ "إن الخبرة
التاريخية من فتح مكة تؤكد الفرق الواضح بين العفو والمصالحة من جهة، وبين العدالة
الحاسمة وفتح الملفات السابقة كافة وملاحقة كل الجزئيات، مما يشغل الوطن بأسره
لسنوات أو لعقود"..
وتساءل: "إلى متى ستواصل تطبيق تلك العدالة من دون أن تحول تجاه
الانتقام والتوسع في القصاص مما يعود بنا من جديد إلى البداية، فيصبح الظالم مظلوما
يطالب بتطبيق العدالة الحاكمة على من كان مظلوما وضحية بالأمس القريب، فكان العفو
في فتح مكة انطلاقة جديدة للإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء".
ودعا الصلابي الرئيس قيس سعيّد إلى مراعاة الجانب الإنساني لواحد من
الرجال المشهود لهم بالوطنية والإخلاص في خدمة الوطن والإنسان والدين، وقال: "يا
سيادة الرئيس.. أخاطب فيك إنسانيتك ووطنيتك ودينك وموقعك الذي ابتلاك الله به، أن
تراعي تقدم السن التي وصل إليها الأستاذ راشد الغنوشي، فهو الآن في الثلاثة
والثمانين من عمره، وأن تنظر إلى صفحات تاريخه الوطني والفكري والإنساني وانحيازه
إلى القضايا العادلة".
وتابع: "يا سيادة الرئيس؛ إن الكثير من أبناء شعبك وأمتك العربية
والإسلامية وأحرار العالم يتمنون ويرجون من الله الرحيم الودود الرؤوف أن يسود السلام
والأمن والأمان والمصالحة الناجحة التي ترضي ربك وأبناء شعبك".
وأنهى رسالته قائلا؛ "إننا ندعوك لفتح الحوار وترسيخ السلام
ودعم المصالحة مع الشيخ راشد الغنوشي وإخوانه وكل السجناء السياسيين.. والله من
وراء القصد"، وفق تعبيره.
وقضت محكمة تونسية، أمس الخميس، بالسجن ثلاث سنوات مع "النفاذ
العاجل" بحق رئيس حركة النهضة المعارضة راشد الغنوشي، وصهره القيادي بالحزب
رفيق عبد السلام، في قضية تتعلق بـ"قبول حزب سياسي (النهضة) تبرعات مالية من
جهة أجنبية".
جاء ذلك إثر صدور قرار الدائرة الجناحية المختصة بالنظر في قضايا
الفساد بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، وفق محمد زيتونة الناطق باسم المحكمة،
في تصريح نقلته وكالة الأنباء التونسية (رسمية).
وأفاد زيتونة، بأن المحكمة قضت "بالسجن 3 سنوات مع النفاذ
العاجل بحق الغنوشي وعبد السلام (وزير الشؤون الخارجية الأسبق)، في قضية تتعلق
بقبول حزب سياسي تبرعات مالية من جهة أجنبية".
كما قضت المحكمة، بفرض غرامة مالية على الحزب، قدرها نحو 3 ملايين
و642 ألفا و361 دينارا تونسيا (نحو مليون و170 ألفا و470 دولارا)، وفق المصدر ذاته.
وقضية ملاحقة الأحزاب السياسية بسبب التمويل الأجنبي (اللوبينغ)
تتعلق بوجود شبهات في تلقي جهات في البلاد تمويلا خارجيا لدعم حملاتها الدعائية في
انتخابات 2019، وبدأ القضاء التحقيق فيها في تموز/ يوليو 2021، ضد جهات شملت حزبي
"النهضة" و"قلب تونس" وجمعية "عيش تونسي" (غير
حكومية).
وفي 14 نيسان/ أبريل 2022، قال القيادي في حركة النهضة سامي الطريق،
للأناضول؛ إن "محكمة المحاسبات بالبلاد قضت بتبرئة أعضاء قائمة الحركة في
الانتخابات البرلمانية 2019، من تهمة تلقي تمويل خارجي، بعد أن قضت المحكمة بعدم
سماع الدعوى (تبرئة المتهمين)" .
وفي 17 نيسان/أبريل 2023، أوقف الأمن، الغنوشي، بعد مداهمة منزله، قبل أن
تأمر المحكمة الابتدائية في العاصمة تونس بإيداعه السجن في قضية "التصريحات
المنسوبة له بالتحريض على أمن الدولة".
والغنوشي، أحد أبرز قادة "جبهة الخلاص" المعارضة الرافضة
لإجراءات استثنائية بدأ
الرئيس قيس سعيد، فرضها في 25 تموز/يوليو 2021، ومن
أبرزها: حل مجلس القضاء والبرلمان (كان يرأسه الغنوشي)، وإصدار تشريعات بأوامر
رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة قاطعتها
المعارضة.
ومنذ 11 شباط/فبراير الماضي، نفذت السلطات حملة توقيفات شملت قادة وناشطين
في المعارضة، التي تعد الإجراءات الاستثنائية "انقلابا على دستور الثورة
(دستور 2014)، وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما يراها فريق آخر "تصحيحا
لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).
وعادة ما تنفي "النهضة" وبقية قوى المعارضة صحة الاتهامات
الموجهة إلى قادتها، وتعدها ملاحقات سياسية، بينما اتهم سعيّد، موقوفين
بـ"التآمر على أمن الدولة".