صحافة دولية

هل تستفيد مصر من مرحلة ما بعد الحرب في غزة؟.. كاتب يجيب

يريد السيسي تجنب انطباع أنه متواطئ في تهجير أهل غزة- جيتي


نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لديفيد شينكر الزميل البارز في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قال فيه إن مصر تستطيع عمل الكثير لغزة، ذلك أن القاهرة تقول إنها مع الفلسطينيين لكنها لم تفعل بعد الكثير لجيرانها.

 وأضاف أنه وبعد ثلاثة أشهر من الحرب ضد "حماس"، فقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن رغبتها في السيطرة على محور فيلادلفيا، وهو منطقة ضيقة طولها 8.7 ميل تمتد على طول الحدود بين غزة ومصر.

وتمنح السيطرة على محور فلادلفيا "إسرائيل" القدرة على منع إعادة تسليح "حماس" في مرحلة ما بعد الحرب والتي هربت معظم أسلحتها، على ما يبدو، من خلال سيناء. إلا أن احتلالا إسرائيليا طويل الأمد للمحور سيثير انزعاج مصر  ورئيسها عبد الفتاح السيسي.


ففي الوقت الذي حافظ فيه الرئيس السيسي على علاقات جيدة مع الاحتلال، بما فيها علاقات عميقة وتكتيكية في مكافحة الإرهاب بسيناء، فإن السيسي أظهر في المرحلة الأخيرة اهتماما بموقف الرأي العام المصري من غزة. فالقضية الفلسطينية تتردد وبعمق في مصر.

ومنح الخطاب الداعم لفلسطين، السيسي الفرصة للتقدم على الشارع والتحكم بالغضب الشعبي وتعزيز شعبيته المتراجعة بسبب الأزمة الاقتصادية العميقة التي يحمّله الكثير من المصريين المسؤولية عنها، وأثرت عرقلة حركة الملاحة بالبحر الأحمر والمرتبطة بحرب غزة أثرها على وارادت قناة السويس، بشكل فاقم آلام مصر المالية.


ومهما كانت الأسباب، فقد تحدث السيسي عن غزة كثيرا، وخلال الأشهر الماضية دعم مسيرات وحتى تظاهرات ضخمة دعما لفلسطين، مع أن السيسي لا يحمل ودا لحركة حماس التي يرى أنها فرع لجماعة الإخوان المسلمين وتحكم غزة.

ومع ذلك، فهو مثل غيره من قادة المنطقة يواصل التعبير عن دعم قوي لغزة. وفي واحدة من المسيرات التي نظمت بدعم من الحكومة للتعبير عن التضامن مع القضية الفلسطينية في القاهرة في تشرين الثاني/ نوفمبر، تعهد السيسي بولاء "قراري حاسم" وهو أن "نكون في طليعة المناصرين  لإخواننا في فلسطين ورأس الحربة في العمل من أجلهم. وبحكم تاريخها وجغرافيتها، فمصر هي العمود الفقري لدعم النضال" الفلسطيني.


 وبتقديم هذا الدعم الواضح، فقد كانت القاهرة واضحة فيما لن تفعله من أجل الفلسطينيين. أولا وأخيرا، لن تكون مصر منفى لهم.

واعتبر السيسي أي محاولة إسرائيلية لطرد الفلسطينيين من غزة  "خطا أحمر"، معلنا أيضا أن الحدود المصرية لن تفتح لكي يستطيع الهاربون من العنف الدخول إلى مصر.

وكانت مصر واضحة بشأن ما يمكن أن تعمله للفلسطينيين. فهي منطقة انطلاق لمئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى غزة. وألمحت القاهرة إلى أنها قد تشارك بالخطة الأمريكية التي لم تتضح معالمها بعد، وتقضي بإنشاء قوة عربية لتحقيق الاستقرار في غزة.


وستكون المشاركة المصرية في قوة حفظ سلام مهمة ومساعدة أثناء ما ستكون عملية انتقال صعبة. ويظل هذا جزءا مما يمكن أن تقدمه مصر للفلسطينيين من دعم بعد نهاية الحرب. فهجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر كان جزءا من عملية الطلاق المستمرة بين غزة والاحتلال. ورغم فك ارتباطها بغزة في 2005، إلا أن دولة الاحتلال ظلت توفر المياه والكهرباء والعمالة للقطاع.

وكان عدد الغزيين العاملين في "إسرائيل" قبل يوم من الهجوم هو 18,500 شخص، وحتى لو توصل الاحتلال إلى تسوية مع الفلسطينيين فإنه لم يسمح لسكان غزة أبدا بالحصول على تصاريح عمل في دولة الاحتلال. وبخاصة أن بعض العمال من غزة اتهموا بتقديم معلومات عن مناطق الجنوب في الأراضي المحتلة،  بحسب زعم تقارير.


وفي تشرين الثاني/ نوفمبر نشرت تقارير أن قطاع الإنشاءات تقدم بعطاء لحكومة الاحتلال الإسرائيلية لإحضار أكثر من 100,000 عامل هندي ليحلوا محل الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية. وبعد الهجوم علقت "إسرائيل" إمدادات الماء والكهرباء، حيث استؤنفت لاحقا، لكن لا يعرف إلى متى.

وبعد الحرب، فربما قطع الاحتلال كل علاقاته مع القطاع. وهنا يقترح الكاتب دورا مصريا في توفير كل هذه الأمور التي سيتوقف الاحتلال عنها. ولكنه يعترف بأن الاقتصاد المصري الهزيل لن يعطي مصر القدرة على القيام بهذا الدور، إلا في حال تعهدت دول الخليج، حيث سيكون السيسي قادرا على دعم غزة في مرحلة ما بعد "حماس" وحصول مصر على أرباح من خلال هذا.

ويقول إن هناك مساحات واسعة في سيناء لبناء محطة لتوليد الطاقة وتحلية المياه لخدمة غزة، ومثل "إسرائيل"، يمكن لمصر أن تبيع المياه والكهرباء للفلسطينيين. وربما منحت مصر تصاريح عمل يومية للفلسطينيين في غزة، وبداية للعمل في هذه المنشآت.

وربما حصلوا على عمل في المحور الاقتصادي الجديد الواقع بين رفح وسيناء، وقد تكون واشنطن قد ساعدت في هذه المبادرة من خلال إنشاء منطقة صناعية مؤهلة، مثل المناطق التي انشئت بعد اتفاقيات السلام المصرية والأردنية مع الاحتلال.


وسيتم إنتاج سلع بمواد مصرية وبأيد فلسطينية تباع في الأسواق الحرة في الولايات المتحدة وأوروبا. وربما ساعدت مصر في تدريب قوات أمن السلطة الوطنية التي تأمل الولايات المتحدة في ملئها الفراغ في غزة بعد "حماس".

وربما منحت غزة بعد الحرب فرصة مربحة لشركات الإعمار المصرية كي تكون في الطليعة بمشاريع إعمار غزة.

ويقول إن أزمة "حماس" تعطي مصر فرصة لكي تقتل عصفورين بحجر واحد، فمنذ نهاية الدور المصري بعد احتلال القطاع في 1967، اقتصر دور القاهرة على الوساطة السياسية والعمليات الأمنية. فمصر لن تلعب دورا قياديا في مساعدة الفلسطينيين، بل إنها بلعبها الدور الفعال في مرحلة ما بعد الحرب، فهي ستخفف عنها النقد داخل الكونغرس، بما فيها الانتخابات الرئاسية في كانون الأول/ديسمبر التي لم تكن حرة ولا نزيهة.


وفي الوقت الذي يريد فيه السيسي تجنب انطباع أنه متواطئ في تهجير أهل غزة، إلا أن مصر هي الدولة العربية الوحيدة المجاورة للقطاع، ولن تكون في حل من المسؤولية عن من تزعم أنهم إخوانها. 

يتحدث السيسي كثيرا عن دعم الفلسطينيين، ومع دخول الحرب مرحلة أقل كثافة، فقد حان الوقت لكي تتحرك مصر، يقول شينكر.