نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا، فصلت فيه الجهود الأمريكية، لتفكيك علاقة شركة إماراتية عملاقة للذكاء الاصطناعي مع
الصين.
وفي تقرير أعده مارك مازيتي، وإدوارد وونغ، قالا فيه إن "مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، طرح أثناء زيارة مستشار الأمن القومي
الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، للبيت الأبيض، في حزيران/ يونيو موضوعا حساسا عن علاقة شركة ذكاء اصطناعي يملكها الشيخ، وهي "جي42" التي يعتقد الأمريكيون أنها تخفي عملها مع الصين".
وأشار التحقيق نفسه، إلى أن الشركة أعلنت عن نمو مذهل ونشريات ثابتة عن الاتفاقيات، التي وقعتها مع شركات صناعة أدوية أوروبية عملاقة، مثل "أسترازينكا" وعقد بقيمة مئة مليون دولار مع شركة في وادي السيلكون، والذي يقضي ببناء "أكبر سوبر كمبيوتر في العالم"؛ فيما أعلنت "جي42" خلال الشهر الماضي، عن شراكة مع "أوبن إي أي" التي أنتجت "تشات جي بي تي".
وتابع المصدر نفسه، أن "القنوات الاستخباراتية السرية الأمريكية أصدرت تقارير عن الشركة، وأصدرت سي آي إيه وغيرها من منظمات التجسس تحذيرات عن عمل "جي42" مع شركات صينية، يعتبرها المسؤولون خطرا على الأمن القومي الأمريكي، بما فيها شركة هواوي للاتصالات التي فرضت
الولايات المتحدة عقوبات عليها".
وأشار إلى أن المسؤولين الأمريكيين يخشون من كون "جي42" قناة لنقل التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة للشركات الصينية والحكومة أيضا. ويخشى الأمريكيون من كون "جي42" أنبوبا للحصول على بيانات جينية عن ملايين الأمريكيين، وغيرهم وتزويدها للحكومة الصينية، وبحسب مسؤولين أمريكيين على معرفة بالأمر.
وأردف: "أصدرت شبكة "سي آي إيه" تقريرا عن المدير التنفيذي لـ جي42 بينغ شياو، الذي تعلم في الولايات المتحدة، وتخلى عن جنسيته الأمريكية لصالح جنسية إماراتية، حسبما يقول المسؤولون الأمريكيون. ولكن النتائج بشأن شياو ليست قاطعة. وفي أثناء زيارة الشيخ طحنون لواشنطن في حزيران/ يونيو ومناقشات أخرى حثت إدارة بايدن "جي42" على قطع علاقاتها مع الشركات الصينية أو أي وكالة أخرى، حسب عشرات الأشخاص المطلعين على النقاشات".
وأكد أنه "فكر الأمريكيون بفرض عقوبات على الشركة الإماراتية". وتقول الصحيفة إن "مظاهر القلق الأمريكية بشأن حملة الضغط الأمريكية على جي42 تنشر للمرة الأولى. وأخبر المسؤولون الأمريكيون نظراءهم في الإمارات أن عليهم اختيار الأمريكيين على الصينيين فيما يتعلق بالتكنولوجيا الحساسة الصاعدة. وتحاول الولايات المتحدة ومنذ عدة سنوات الحد من التأثير الصيني في الشرق الأوسط".
وتابع: "أن محاولات الصين بناء قواعد عسكرية وبيع أسلحة لدول المنطقة يعتبر قضية أمنية مثيرة للقلق. وظهرت اليوم جبهة أخرى وهي محاولة منع الصين من التفوق في التكنولوجيا الحديثة بما فيها الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبرى، والحوسبة الكمية والحوسبة السحابية والبنى التحتية للرقابة. وتعتبر "جي42" مركزا لمظاهر القلق".
ويراقب المسؤولون الأمريكيون، إشارات عن التقدم لكنهم رفضوا مناقشة تفاصيل المحادثات والتي شارك فيها البيت الأبيض، وبقية الوكالات. وتمت على مدى عدة أشهر في واشنطن وأبو ظبي، حيث ناقش مدير "سي آي إيه"، ويليام بيرنز، وجينا رياموندو، وزيرة التجارة، الموضوع مع الإماراتيين، خلال عدة زيارات على مدار العام.
وأثار المسؤول البارز في مجلس الأمن القومي ومدير التكنولوجيا فيه، تارون تشابرا، القضية كذلك مع المسؤولين الإماراتيين. وبنت الصحيفة تقريرها على لقاءات مع مسؤولي الحكومة ومحللي التكنولوجيا ومدراء شركات أمريكية وأجنبية، وافق بعضهم للحديث بدون الكشف عن هويتهم. وتعتبر "جي42" جوهرة الصناعة الإماراتية، التي تحاول بناء صناعة ذكاء اصطناعي كبديل عن موارد النفط.
ووثقت الدولة التي تعتبر صغيرة، علاقاتها مع الصين وروسيا، من أجل تخفيف الاعتماد، على الولايات المتحدة المصدر الرئيسي الذي تستورد منه سلاحها. ولا يعرف إن كان المسؤولون الأمريكيون قد تشاركوا بمظاهر قلقهم بشأن "جي42" مع الشركات الأمريكية التي لها علاقة شراكة معها. وتقول الصحيفة إن جهود المسؤولين الأمريكيين للتدقيق والحد من نشاطات جي42 هي صورة عن العالم الغامض التي تعمل فيه وكالات التجسس الأمريكية وحرب الظل التجسسية مع الصين.
وتعتمد الولايات المتحدة في ظل الحرب الدائرة الآن على التأثير أكثر وأكثر على جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها لمنع الصين من الحصول على التفوق التكنولوجي بطريقة تحرم أمريكا من تفوقها النوعي. ولأن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فمعظم شركات العالم لديها علاقات مع بيجين، ومن هنا فوضع جي42 تحت الميكروسكوب يعطي صورة عن الصعوبة التي تواجه وكالات الإستخبارات، للكشف عن علاقة تجارية لشركة أجنبية مفترضة بالمؤسسة العسكرية الصينية أو الوكالات الأمنية والإستخباراتية.
وفي بعض الأحيان، يدق ناقوس الخطر عندما تقام علاقة مع شركات مفضلة للحزب الشيوعي الصيني، مثل هواوي. ولكن العلاقة تظل غامضة عندما يتعلق الأمر بالشراكة مع شركات تعمل في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتي تستخدم في أغراض مزدوجة، مدنية وعسكرية.
وفي حالة جي42 حققت السي آي إيه، ودوائر أخرى في الحكومة الأمريكية في الروابط بينها وشركات ومسؤولين صينيين، وركزوا على مناطق تثير القلق، مثل البنية التكنولوجية التي أنشئت بمساعدة من الصين، بمن فيها شركة هواوي.
وقامت الوكالات الإستخباراتية الأمريكية بفحص شركة تابعة لجي42 اسمها "بريستيج إي آي"، تبيع تكنولوجيا رقابة لقوى الشرطة حول العالم، بما في ذلك برمجية تشبه المنتج للشرطة الصينية. ورفضت كاثلين ووترز، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي التعليق ووصفت الإمارات بالشريك المهم ولم تعلق على أي موضوعات تتعلق بـ جي42، وقالت إن البيت الأبيض، عبر عن قلقه للإماراتيين وغيرهم بشأن "القلق الكبير حول محاولة الصين الحصول على تميز من خلال الحصول على تكنولوجيا أمريكية حساسة وبيانات والتي تحرص إدارة بايدن على حمايتها".
و"سيظل هذا التركيز في التواصل المكثف مع الإمارات ودول أخرى كثيرة ونرحب بالتقدم حتى الآن"، كما قالت ووترز. ولم يعلق يوسف العتيبة، سفير الإمارات بواشنطن، على تقرير الصحيفة. فيما رفضت "جي42" مقابلة مع مدير الشركة، شياو ولا، الرد على أسئلة حول علاقتها مع شركات صينية أخرى.
وفي بيان، قال طلال القيسي، وهو مدير بارز في الشركة إنها "عملت مع عدة من شركات تكنولوجيا لاعبة على المستوى الدولي". وقال إنها بدأت بالتفاوض مع مايكروسوفت لاستبدال بنيتها التحتية. وقال "إنها بدأت هذا العام بالبحث عن تعاون مع شركات أمريكية مثل سيربراس ونافيديا لتحديث أجهزة الكمبيوتر الخارقة". وأضاف أن "الشركة تحاول التأكد من استخدام تكنولوجيا مرخصة ومتطابقة مع التنظيمات الصادرة عن الحكومة الأمريكية".
وجاء اسم الشركة من رواية خيال علمي كتبها دوغلاس أدامز "دليل المسافر إلى المجرة" حيث يمثل رقم 42 الجواب عن السؤال النهائي للحياة والكون وكل شيء أما جي فهي غروب أو مجموعة. وقال شياو "42 هو مهمتنا"و "في ذلك الكتاب الرائع كان 42 هو الجواب عن معنى الحياة". وضمن هذا الإختصاص الواسع تضم "جي42" صندوقا استثماريا للتكنولوجيا بـ10 مليارات دولار ونموذجا للذكاء الاصطناعي باللغة العربية ومنصة مواهب وشركة عناية صحية وبرنامج تسلسل الجينوم وغير ذلك.
وضمن استثمارات الشركة في الخارج، اشترت حصصا بـ 100 مليون دولار في شركة بايت دانس، الشركة الصينية الأم المالكة لتطبيق تيك توك، حسب تقرير لبلومبيرغ.
وفي فيديو ترويجي قال شياو، إن "الذكاء الاصطناعي سيترك أثرا عميقا على الإنسانية أكثر مما تركته النار والكهرباء وحتى الإنترنت".
وإلى جانب التعاون مع شركات صينية وقعت "جي42" عقودا مع مايكروسوفت وديل تيكنولوجيز. وترك شياو انطباعا على بعض شركائه، وقال أندرو فيلدمان، المدير التنفيذي لسيربراس "هو رؤوي". ويعتبر الشيخ طحنون من أكثر الرموز المؤثرة في الإمارات، فإلى جانب مهامه الأمنية فهو مدير "الشركة الدولية القابضة" ونائب حاكم أبو ظبي ومدير الصندوق السيادي بقيمة 880 مليار دولار.
وكان شياو جزءا من مشاريع طحنون ولبعض الوقت، مما أثار مخاوف وكالات التجسس الأمريكية. ولا توجد معلومات حول شياو، وهو أمر نادر عن رئيس شركة تنفيذي، غير أنه حصل في التسعينات على شهادته الجامعية الأولى من جامعة هاواي باسيفيك، وماجستير من جامعة جورج واشنطن، ولا شيء متوفر عن أيامه قبل الجامعة.
وعمل في الفترة ما بين 1999- 2014 كمسؤول تكنولوجي بارز في مايكروستراتيجي بفرجينيا، ومن النادر ما أعطى مقابلات صحافية، ولكنه ألقى خطابات عامة. وقبل أربعة أعوام، كان لشركة يديرها شياو دور في عملية على منصات التواصل من خلال تطبيق توتوك، التي قالت المخابرات الأمريكية إنها وسيلة تجسس استخدمتها الحكومة الإماراتية للتنصت على مستخدميها، وساعد مهندسون صينيون على إنشائه. وتم تخزين البيانات التي تم حصدها في شركة اسمها باكس إي آي، التي أدارها شياو، حسب التقييم الأمني الأمريكي عام 2019.