تناولت صحف غربية الفشل الاستخباراتي والسياسي
الإسرائيلي
قبل عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها الفصائل الفلسطينية السبت الماضي، وشبهت ما جرى في إسرائيل بأحداث أيلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة، محذرة من حروب
مدمرة قد تمتد لسنوات على طريقة الحروب الأمريكية في مناطق عدة في العالم.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "واشنطن بوست"
مقالا لديفيد إغناطيوس، قال فيه إن هجوم
حماس هو فشل استخباراتي قد تحتاج إسرائيل
لسنوات كي تفك لغزه. وقال إن الهجوم الذي شنته حماس يوم السبت كان في الحقيقة "9/11
إسرائيل"، ليس بسبب المطالب المؤلمة للانتقام والتي تبعت الهجوم، ولكن بسبب
العمى الغريب الذي سبقه.
وقال إن "الفشل الاستخباراتي الحقيقي لا ينتج
ببساطة عن غياب المعلومات، ولكن للعجز عن فهمها، فما لم يكن يقدره الإسرائيليون "إبداعية وقدرة أعدائهم"، كما لم يقدّروا قدرة حماس وحلفائها على
الكتمان والحفاظ على أسرارها.
وتساءل الكاتب: هل سنعرف، كما علمنا بعد هجمات 11
أيلول/ سبتمبر 2001، أن المعلومات الضرورية لمنع الهجمات كانت موجودة في النظام؟ فقد
كانت الأضواء الحمراء المحذرة تومض في مكان ما، ولكن الإسرائيليين مثل الأمريكيين، لم يكونوا قادرين "على ربط النقاط" ولا رؤية ما كان يحدق في
وجوههم.
وأوضح أن عالم الاستخبارات فيه تنافسات مهنية وحسد، وما
يزيد هذا، عندما تكون القيادة السياسية تعيش الفوضى ولا يمكنها فرض النظام.
فإسرائيل في 2023 وفي الأشهر التي سبقت كارثة
غزة، كانت تعيش كابوسا سياسيا
داخليا، وكان البلد منقسما، وكان الموساد (الاستخبارات الخارجية) وشين بيت، (الاستخبارات
الداخلية) يعارضان الائتلاف الحكومي الهش الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو.
وخلص إغناطيوس إلى أنه "عندما نقول إن غضب غزة هو
نسخة عن 9 أيلول/ سبتمبر، علينا أن نتذكر الدرس الأكبر من الكوارث، وأكثر من رؤية
فشلنا، فقد كان رد الولايات المتحدة مفرطا، فهي لم تنتقم وتدمر أعداءها، فقد حاولت
إعادة تشكيل الشرق الأوسط، في محاولة عبثية في العراق وأفغانستان. والقوة
الإسرائيلية في أحسن حالاتها هي قسوة محسوبة، وآمل ألا تخلق إسرائيل في انتقامها
مشاكل أسوأ لها في المستقبل".
من جهتها، نشرت
صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحفيين جوليان بارنز وديفيد سانغر وإريك
شميت، قالوا فيه إن الهجوم المفاجئ المدمر الذي شنته حماس يوم السبت يمثل فشلا استخباراتيا
مذهلا بالنسبة لإسرائيل، شمل تحذيرات لم يتم اكتشافها، ودفاعات صاروخية مربكة،
وردا بطيئا من قبل قوات عسكرية غير مستعدة على ما يبدو، بحسب ما قال مسؤولون
أمريكيون سابقون وحاليون.
ولم يكن لدى أي من أجهزة المخابرات الإسرائيلية تحذير
محدد من أن حماس تستعد لهجوم متطور تضمن ضربات برية وجوية وبحرية منسقة، وفقا
لمسؤول دفاعي إسرائيلي ومسؤولين أمريكيين. ورغم أن الهجوم فاجأ أيضا العديد من
وكالات الاستخبارات الغربية، فإنها لا تتتبع أنشطة حماس عن كثب كما تفعل
إسرائيل أو مصر.
وأذهل هذا النجاح المسؤولين الأمريكيين من ذوي الخبرة
في المنطقة. فعلى مر السنين، أنشأت إسرائيل شبكة من أجهزة الاعتراض الإلكترونية
وأجهزة الاستشعار والمخبرين البشريين في جميع أنحاء غزة. لقد استثمرت إسرائيل
وجيرانها في الماضي بكثافة في محاولة تعقب وحظر شبكات حماس، وغالبا ما كانت تعترض
شحنات مكونات الصواريخ، وهذا جعل سلسلة من الأسئلة أكثر إلحاحا حول إخفاقات يوم
السبت.
وتساءل المقال: لماذا يبدو أن نظام القبة الحديدية
للدفاع الصاروخي الإسرائيلي، الذي يبلغ من العمر الآن اثنتي عشرة سنة، قد طغى عليه
وابل من الصواريخ غير المكلفة ولكن القاتلة عند بداية الهجوم؟ كيف تمكنت حماس من
بناء مثل هذه الترسانة الكبيرة من الصواريخ والقذائف دون أن تكتشف المخابرات
الإسرائيلية المخزون المتزايد؟
فهل ركزت إسرائيل أكثر مما ينبغي على التهديدات التي
يشكلها حزب الله والضفة الغربية، بدلا من تركيز مواردها العسكرية والاستخباراتية
على غزة؟ ولماذا كان هذا العدد الكبير من القوات الإسرائيلية في إجازة أو بعيدا عن
الحدود الجنوبية، مما سمح لحماس باجتياح القواعد العسكرية الإسرائيلية بالقرب من
غزة؟
ومن الواضح أن الإجابات يمكن أن تؤثر على سمعة الجيش
الإسرائيلي ووكالات الاستخبارات، وعلى المستقبل السياسي لنتنياهو.
ولكن بينما تنتقم حكومة نتنياهو، وتتعامل مع حقيقة
احتجاز حماس للعشرات من الرهائن الإسرائيليين، فإن السؤال حول الخطأ الذي حدث سوف
يسجله التاريخ إلى جانب إخفاقات أخرى من هذا القبيل، مثل حرب أكتوبر 1973 أو حتى
هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
وقال أحد المسؤولين السابقين في الإدارة الأمريكية إن
حماس قد درست على ما يبدو نقاط الضعف في النظام.
وتحاول كل من إسرائيل ومصر مراقبة الجهود المبذولة لتهريب
مكونات الصواريخ، والعديد منها في الأصل من إيران، عبر شبه جزيرة سيناء وإلى غزة
عبر الأنفاق تحت الأرض، وفقا لمسؤولين سابقين في المخابرات الأمريكية. وفي عام
2021، أعلنت إسرائيل عن تدمير 62 ميلا من الأنفاق تحت الأرض، وبنت حواجز تحت الأرض
بعمق 65 ياردة. وعملت مصر أيضا على إغلاق الأنفاق بين غزة وشبه الجزيرة.
ولكن لا يوجد حاجز مثالي، وقال المسؤولون السابقون إنه
بالإضافة إلى الطرق تحت الأرض والبحر، يتم تهريب مكونات الصواريخ والصواريخ عبر
المعابر القانونية.
وتشير حقيقة أن المخابرات الإسرائيلية تفاجأت بالضربات
إلى أنه قبل هجمات يوم السبت، تجنب مقاتلو حماس مناقشة الخطط عبر الهواتف المحمولة
أو وسائل الاتصال الأخرى التي يمكن اعتراضها.
ووفق المقال، فمن المرجح أن حماس استخدمت التخطيط
التقليدي وجها لوجه لتجنب الكشف الإسرائيلي، لكن لا بد أن مئات الأشخاص كانوا
متورطين، مما يدل على أن جهود حماس لكسر شبكة المخبرين الإسرائيلية كانت ناجحة.
وكان معظم التركيز في الآونة الأخيرة منصبا على الضفة
الغربية المحتلة، حيث أثارت العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة معارك مسلحة
متكررة مع المسلحين الفلسطينيين. كما خاضت إسرائيل والمسلحون الفلسطينيون في قطاع
غزة اشتباكات متبادلة أصغر حجما.
وفي ربيع هذا العام، حذر مدير وكالة الاستخبارات
المركزية ويليام بيرنز، من أن التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين تهدد
بالتفاقم من جديد، على الرغم من التقدم الدبلوماسي الذي تحقق في المنطقة.
وكان السؤال الرئيس هو عن تورط إيران في تزويد حماس
بالإمدادات وتشجيع الهجوم أو حتى التخطيط له. وقال مسؤولون أمريكيون إنه من
المعقول أن تلعب إيران دورا، لكن هذا الدور الدقيق ليس واضحا بعد.
وبالنسبة لإيران، يشكل تحالفها مع حماس نقطة ضغط
رئيسية. تريد طهران، بحسب مسؤولين حاليين وسابقين، عرقلة التطبيع الناشئ بين
السعودية وإسرائيل، فأي حرب بين إسرائيل وحماس تؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا
بين المدنيين على الجانبين؛ من شأنها أن تجعل أي سلام عام من هذا القبيل أمرا بالغ
الصعوبة.
أما صحيفة
"فايننشال تايمز" البريطانية فقد نشرت مقالا كتبه المعلق جدعون رخمان؛
قال فيه إن لعبة تلاوم مُرّة قد تتبع الوحدة التي تُظهرها إسرائيل وقت الحرب،
وربما تقوم إلى طريق خطير.
وفي القريب العاجل، ستنزلق
إسرائيل في جدال سياسي انقسامي حول المسؤول عن الخطأ. ويجب معالجة فشلين، الأول
أمني واستخباراتي والثاني استراتيجي.
فلطالما تباهت إسرائيل بقدراتها
الاستخباراتية، وافترضت ألا شيء يحدث في غزة بدون معرفة إسرائيل به. ولكن حماس
كانت قادرة على التخطيط وتنفيذ هجوم معقد ومتشعب، واجتياح الحدود التي اعتقد
الإسرائيليون أنها آمنة. وتبادل الوسط واليمين الاتهامات وحمّلوا بعضهما مسؤولية
الفشل، وكان اليسار غائبا في اللعبة لأنه لم يعد موجودا.
وأكد جدعون أنه كرئيس
للوزراء، فبنيامين نتنياهو هو الشخص الذي يتحمل المسؤولية، فقد عمل رئيس الوزراء
على فرضية أن حماس قد تم احتواؤها، مما جعله يبدو واهما ومتواطئا في الوقت نفسه.
ففي الوقت الذي كان يحاول فيه تجنب الإدانة بتهم الفساد، بات أكثر اعتمادا على
الأحزاب القومية المتطرفة. ودعمت هذه الأحزاب عدوانية المستوطنين في الضفة
الغربية، مما أدى لتحويل الجيش من أجل احتواء العنف الناجم عن هذا، بشكل أضعف
دفاعات البلد على حدود غزة.
لكن اليمين المتطرف لديه جدال
مضاد وجاهز، فهم مستعدون لتحميل المعارضة والاستخبارات المسؤولية.
وشهدت إسرائيل في الفترة
الماضية تظاهرات حاشدة ضد التعديلات القضائية التي دفع بها نتنياهو وقالت المعارضة
إنها تهدد الديمقراطية في البلد. ودعم مسؤولون في الاستخبارات هذه الاحتجاجات،
ورفض جنود الاحتياط الاستجابة لنداء الواجب. وعندما حذر رئيس شين بيت بداية العام؛
نتنياهو من أن هجمات المستوطنين على الفلسطينيين ستزيد من مخاطر التهديد على
إسرائيل، تعرض للشجب من أعضاء حزب الليكود. وقال عضو في الليكود: "وصلت
أيديولوجية اليسار إلى رأس القيادة في شين بيت، واخترقت الدولة العميقة قيادة شين
بيت والجيش".
وأوضح رخمان أن استراتيجية نتنياهو تجاه
الفلسطينيين تبدو فاشلة الآن، فقد ناقش أن عقد علاقات طبيعية مع جيران إسرائيل
العرب سيعزز السلام الداخلي ويقطع الدعم الخارجي عن الفلسطينيين. وكانت خطته تحقق
زخما بالمحادثات المتزايدة عن اقتراب إسرائيل والسعودية من فتح علاقات دبلوماسية،
إلا أن التطبيع سيكون معلقا في الوقت الحالي.
وفي الوقت الذي تلاقى فيه
الغرب وركز على أفعال حماس، إلا أن التركيز في الشرق الأوسط سيكون على معاناة
الفلسطينيين الذين سيقعون تحت غارات إسرائيل.
وقال إنه من المحتمل تبني الحكومة
الإسرائيلية ردا عسكريا قويا، إلا أن إسرائيل ليست لديها رؤية أبعد من قتل قادة
حماس. وعلى المدى البعيد، فمن الصعب الاعتقاد بأن إسرائيل ستقبل بسيطرة حماس على
غزة، لكن الحديث عن إرسال الجنود إلى القطاع هو مثل الوقوع في مصيدة. وكما ناقش
الأكاديمي لورنس فريدمان، فإن الجيش "ليست لديه القدرة ولا القوة للبقاء في
غزة والسيطرة عليها. فهذه منطقة من مليوني نسمة، ولا مكان لهم للذهاب إليه، وسيبقون
وسيظلون غاضبين".
وقال الكاتب إن الصدمة والغضب
في إسرائيل ذكّرا بمشاعر ما بعد هجمات 9/11، وقادت إلى وحدة أمريكية وقوة، ولكنها
قادت أيضا إلى عقد من الحرب على الإرهاب، والتي كانت تدميرية، ولم يتم التفكير بها،
وربما تسير إسرائيل نحو هذا الطريق الخطير، وفق الكاتب.