تعرف
العلاقات الجزائرية ـ
الإماراتية أزمة صامتة منذ عدة أشهر، من
دون ترجمة ذلك إلى فعل ديبلوماسي كتبادل طرد السفراء أو قطع العلاقات أو ما شابه
ذلك.
ومع أن القنوات الديبلوماسية الرسمية التزمت الصمت إزاء نشوب خلافات
جزائرية ـ إماراتية، فإن ذلك لم يمنع قيادات حزبية ووسائل إعلام جزائرية من
التعبير صراحة عن مخاوف من دور سلبي لدولة الإمارات في تهديد الأمن القومي للجزائر،
لا بل ذهب الأمر أبعد من ذلك حيث تحدث المرشح للرئاسيات السابق وزعيم حركة البناء
الوطني الجزائرية عبد القادر بن قرينة عن أدوار مشبوهة للإمارات في الجزائر خاصة
والمنطقة بشكل عام.
وذهب الأمر أبعد من ذلك حيث اتهمت صحيفة "الشروق"
الجزائرية قبل أيام الإمارات العربية المتحدة بتحريض المغرب على الجزائر، لجهة
دعمها بشراء طائرات فرنسية وأجهزة تجسس على الحدود الجزائرية ـ المغربية.
اللافت للانتباه أن الإمارات العربية المتحدة التزمت الصمت حيال الاتهامات الجزائرية المتواصلة لها بالضلوع في التآمر عليها، سواء من الداخل أو من الخارج، حيث لم يصدر لا عن الإمارات ولا عن الأصوات المقربة منها أي رد على هذه التقارير.
وفي لندن كشف الديبلوماسي الجزائري السابق محمد العربي زيتوت في
تصريحات خاصة لـ
"عربي21"، النقاب عن أن المخاوف الجزائرية من الإمارات
مخاوف جدية، بالنظر إلى تغلغل الإمارات في مختلف مناحي الحياة السياسية
والاقتصادية بالجزائر.
وقال زيتوت: "شخصيا أعتقد أن عصابات الحكم في الجزائر أخطأت
الطريق منذ اتهامها لجماعات جزائرية معارضة بالضلوع في الحرائق التي شهدتها
البلاد صائفة العام 2021، واتهام المغرب بدعم تلك الجماعات، ومن ثم اتخاذ قرار
بقطع العلاقات الديبلوماسية مع المغرب ثم في مرحلة لاحقة إغلاق حتى الأجواء مع
المغرب، وهو قرار مجنون لا يمت للديبلوماسية ولا حتى للعقل بأية صلة، فلا المعارضة
هي المسؤولة عن الحرائق ولا المغرب كذلك".
وأضاف: "لقد دفع ذلك القرار المتهور المغرب إلى توسيع علاقاته الدولية
سواء مع أمريكا أو إسرائيل أو الإمارات، وإن كنت أعتقد أن الأخطر في ذلك هو علاقات
المغرب مع الإمارات، بالنظر إلى حجم الاختراق الذي أقدمت عليه الإمارات في الجزائر
على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية".
ورأى زيتوت أن الإمارات بلغت مستويات متقدمة من السيطرة على القرار
الجزائري، وتحتاج إلى معالجة داخلية بعيدا عن توجيه الاتهامات لدول الجوار.
وقال: "إذا كانت السلطات الجزائرية جادة في معالجتها للاختراق
الذي نفذته الأجهزة الاستخباراتية الإماراتية في كل المؤسسات الجزائرية، فإن عليها
أن تبدأ بخطوات عملية لتقليم أظافر عملاء أبو ظبي في الجزائر، وذلك عبر تأميم ميناءي
الجزائر وجنجن، والشركة الوطنية للتبغ والكبريت، ومراجعة القوائم الحكومية
والمسؤولين الذين زاروا الإمارات أو تربطهم علاقات بحكامها من أجل قطع دابر
المخابرات الإماراتية في الدولة الجزائرية، وقبل ذلك إغلاق السفارة الإماراتية في
الجزائر التي تحولت إلى وكر للاستخبارات الدولية في الجزائر".
وأضاف: "من دون الإقدام على هذه الخطوات ستظل الإمارات تتحكم في
أهم مفاصل الدولة الجزائرية، وستسعى إلى تفكيكها خدمة لأجندات استعمارية قديمة
وحديثة في آن واحد".
وذكر أن "الخبراء والمهندسين الجزائريين منذ سبعينيات القرن
الماضي هم من وسعوا اكتشافات الإمارات البترولية ونظموها وأعادوها إلى الدولة
الإماراتية بعدما كانت تخضع لهيمنة شركات بريطانية، وللأسف ترد ذلك بتهديد أمن
واستقرار الجزائر والمنطقة، وهي الآن تحرض على الحرب بين الجزائر والمغرب"،
على حد تعبيره.
لكن أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في جامعة محمد الخامس
بالرباط الدكتور تاج الدين الحسيني، نأى في تصريحات خاصة لـ
"عربي21"
بالرباط عن الخلاف الدائر بين الجزائر والإمارات، وأكد أن الرباط ليست في وارد تهديد
الجزائر ولا التفكير في تصعيد التوتر معها إلى حد الحرب.
ورأى الحسيني أن الحديث عن وجود مخططات خارجية تسعى لتوتير العلاقات
بين الجزائر والمغرب وصولا إلى الصراع العسكري، ليست جديدة، فقد سبق أن تحدثت
تقارير أمريكية عن وجود مخططات فرنسية خلف الستار تسعى لتصعيد التوتر بين الرباط
والجزائر وصولا إلى الصدام العسكري حتى تأتي من بعد ذلك فرنسا المعنية بالإبقاء
على علاقات إيجابية مع البلدين الجارين لتتوسط وتنهي الخلاف.
واعتبر الحسيني أن إدخال المغرب في الخلافات التي تعصف بالعلاقات
الجزائرية ـ الإماراتية ليس له ما يبرره، وقال: "المغرب بلد ذو سيادة وديبلوماسيته
قديمة ومتمرسة، ولا توجد لديه أي سيناريوهات عدوانية على أي جهة.. حتى الأسلحة
التي يقتنيها المغرب في السنوات الأخيرة، هي بالأساس أسلحة ذات صبغة دفاعية.. والحديث
عن وجود تحريض إماراتي للمغرب ضد الجزائر لا أساس له من الصحة في شيء، ليس فقط لأن
المغرب دولة عريقة ولا يمكن لأية جهة أن توظفها خدمة لأهدافها، وإنما لأن سياسات
المغرب لا تقوم على العداء لأي دولة فضلا عن أن تكون هذه الدولة هي الجزائر
الجارة".
وأضاف: "ثم إن العلاقات بين المغرب والإمارات علاقات قديمة،
وسبق للقوات الملكية المغربية أن قامت بدور في الإمارات منذ عقود أيام الملك الحسن
الثاني، وعلاقات المغرب مع الإمارات علاقات تعاون وود واحترام متبادل.. وهي بعيدة
عن المنطقة فكيف لها أن تؤثر على علاقات المغرب بالجزائر؟".
وأكد الحسيني أن "حديث أوساط جزائرية عن تحريض إماراتي للمغرب
للحرب ضد الجزائر لا يعكس الحقيقة، وإنما يترجم توجهات الطبقة العسكرية الحاكمة في
الجزائر التي تواجه تحديات داخلية كبيرة، لذلك فهي تسعى لترسيخ هيمنتها الداخلية
على البلاد من خلال فتح نافذة حرب في الخارج اختارت لها المغرب".
وأضاف: "أعتقد أن إقحام المغرب في خلافات الجزائر مع الإمارات
ليس له من تفسير إلا كونه محاولة للإفلات من المأزق السياسي الذي يعيشه عسكر
الجزائر لا أكثر ولا أقل، وإلا فإن المغرب ليس في وارد التفكير في الحرب مع
الجزائر على الإطلاق"، على حد تعبيره.
من جانبه أكد الكاتب والإعلامي الجزائري نصر الدين بن حديد، أن
العلاقات بين الجزائر والإمارات اليوم يمكن وصفها بأنها مجمدة، معتبرا أن الإمارات
تحولت إلى دولة معادية للجزائر.
وأرجع بن حديد في حديث خاص لـ
"عربي21"، سبب عداء الإمارات للجزائر إلى ملفين اثنين، وقال: "الإمارات الآن في معاداة مفتوحة مع
الجزائر، وهذا بسبب أن الإمارات معادية لكل نفس إخواني ولا تتلون في ذلك.. وما
أقلقها أن إخوان الجزائر هم جزء من الوعاء السياسي والتركيبة السياسية في الجزائر،
ولا يمكن اعتبار إخوان الجزائر طعنة في ظهر الجزائر كما ترى ذلك الإمارات، كما أن
الإمارات تعمل على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.. وهذا أيضا لا تقبل به
الجزائر".
ورأى بن حديد أن "الجزائر في سياساتها الدولية لا تسعى للتضخيم لكن
بالنسبة لعلاقاتها مع الإمارات الآن فهي مجمدة، وهناك أنباء عن تجميد بعض المشاريع
الاقتصادية الإماراتية في الجزائر.. هذا فضلا عن الدور السلبي الذي تلعبه الإمارات
في دول الساحل، وتهديد الأمن والاستقرار ليس في الجزائر وحدها بل وفي جميع دول
الساحل".
وحول نقطة اختراق الإمارات لعدد من مؤسسات الدولة الجزائرية، قال بن
حديد: "القول باختراق الإمارات لمؤسسات الدولة الجزائرية أعتقد أنه مبالغ
فيه، فالدولة الجزائرية قوية وكبيرة، ولا أعتقد أنه بإمكان لا الإمارات ولا غيرها
أن تخترقها"، على حد تعبيره.
إقرأ أيضا: صحيفة جزائرية: الإمارات تدفع بالمغرب إلى الحرب معنا بهذه الطرق