يتصاعد التوتر بين أذربيجان وأرمينيا، وسط حشود عسكرية للجانبين، مع إصرار باكو على فتح "ممر زنغزور"، وتهديد
إيراني بالتدخل المباشر.
وفي الآونة الأخيرة، تتبادل باكو ويريفان الاتهامات، بشن هجمات عبر الحدود، وسط أنباء عن حشودات عسكرية من الطرفين على طول الحدود المشتركة وقرب ناغورني قره باغ.
ومنذ أشهر تتهم يريفان، باكو بإغلاق ممر لاتشين الرابط بين
أرمينيا وقره باغ، فيما تقول أذربيجان إن الآرمن يقومون بتهريب البضائع عبر مركبات الصليب الأحمر، في الوقت الذي يسمح فيه التنقل عبر الممر للأفراد فقط.
وقال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، إن أذربيجان حشدت قواتها على طول خط التماس مع إقليم ناغورني قره باغ والحدود مع أرمينيا، ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات لمنع وقوع ما سماه انفجارا جديدا في المنطقة.
واتهم رئيس الوزراء الأرميني أذربيجان بالاستمرار في سياسة المطالبة بالسيادة على الأراضي الأرمينية، وإظهار عزمها على ارتكاب ما وصفه باستفزاز عسكري جديد.
وردت وزارة الخارجية الأذربيجانية، على تصريحات باشينيان حول تمركز قوات بلادها على حدود البلدين وفي قره باغ، ووصفتها بأنها "تلاعب سياسي".
وقالت الخارجية الأذربيجانية في بيان، إن "الاتهامات التي وردت في كلمة باشينيان خلال اجتماع حكومي في 7 سبتمبر، بأن أذربيجان تعمل على تفاقم الوضع العسكري السياسي في المنطقة وتحشد قوات مزعومة على الأراضي، ليست إلا جزءا من تلاعب سياسي مزيف آخر من قبل الجانب الأرمني".
وشددت على أن "التهديد الحقيقي للأمن في المنطقة يكمن في استمرار الاستفزازات العسكرية والسياسية من جانب أرمينيا ومطالباتها الإقليمية ضد أذربيجان، في الوقت الذي لم تنسحب فيه القوات الأرمنية بعد من أراضي أذربيجان، بما يتعارض مع التزاماتها".
وفي ظل التوترات بين الجانبين، نشر الحرس الثوري الإيراني تحذيرا، هدد فيه باكو بنشر قوات على حدودهما المشتركة، وتوعد بضرب أي قواعد أذرية على الحدود بالصواريخ.
وأشار الفيديو إلى تمركز القوات الإيرانية على الحدود المشتركة مع أذربيجان وأرمينيا. ثم أعلن الحرس الثوري الإيراني استعداده لدعم يريفان.
ويأتي التوتر، قبل مناورات مشتركة لحفظ السلام بين القوات الأرمنية والقوات الأمريكية تستضيفها يريفان، رأت روسيا أنها ستضرّ بالاستقرار الهشّ في منطقة القوقاز التي تعدها امتدادا لنطاق أمنها القومي على المستوى الاستراتيجي.
وخلف ما يجري، قضية ممر زنغزور، الذي هددت أذربيجان بإعادة فتحه من جانب واحد، ما قد يتسبب في أزمة بين طهران وأنقرة.
وفي اتصال هاتفي مع باشينيان، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أن بلاده ضد أي توتر أو تغيير في الحدود التاريخية للمنطقة، مؤكدا أن طهران مستعدة للعب دور فعال في منع الصراعات والتغيرات الجديدة التي قد تحدث في الجغرافية السياسية للمنطقة.
ما أهمية الممر لتركيا وأذربيجان؟
وممر زنغزور، وهو طريق يربط بين أذربيجان وتركيا عبر جنوب أرمينيا، وتقوم
تركيا بالترويج لهذا الممر، فيما تعارضه كل من أرمينيا وإيران.
وترى إيران أن الربط المباشر بين تركيا وأذربيجان سيضعف نفوذها في آسيا الوسطى، ويعزز تطلعات تركيا الإقليمية.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن "الحل السريع لمسألة
ممر زنغزور سيكون وسيلة لتعزيز العلاقات التركية الأذربيجانية".
وأوضح أنه مع افتتاح الممر واتخاذ خطوات من خلال مشاريع الطرق البرية أو السكك الحديدية فإن الروابط التركية مع ناختشيفان (جمهورية ذاتية الحكم) ستصبح أقوى بكثير، مشيرا إلى أن إيران هي التي تعرقل استكمال المشروع.
وفي تصريحات سابقة، قال وزير الخارجية الأذربيجاني، جيحون بيراموف، إن بلاده قد تتجه لفتح ممر زنغزور إذا لزم الأمر، رغما عن أرمينيا.
وفي اتفاق وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا كان البند التاسع ينص على فتح ممر من ناختشيفان إلى أذربيجان، والذي يفتح المجال لتركيا للوصول إلى جنوب القوقاز.
وبحسب المادة التاسعة من الاتفاق، فستتم إزالة العوائق التي تعترض حركة النقل والروابط الاقتصادية في المنطقة، وسيتم بناء شبكات النقل والمواصلات بين جمهورية ناختشيفان ذات الحكم الذاتي (ضمن أذربيجان) مع المناطق الغربية لأذربيجان (البر الرئيسي).
ويسهم الممر في جعل أذربيجان مركزا لوجستيا في منطقة القوقاز، ويجعلها لاعبا رئيسا في التجارة العالمية التي تمرّ عبر الأراضي الأوروآسيوية، ونقطة التقاء مهمة على طول طريق الحرير الصيني المنطلق من وسط الصين باتجاه أوروبا.
ويسهم الممر في تقليص المسافة بين أذربيجان وتركيا، وسيكون الخط أقصر من خط سكة الحديد الممتد من مدينة قارص التركية مرورا بالعاصمة الجورجية تبليسي إلى باكو.
وزعم موقع "ريبار" الروسي العسكري، أن الجيش الأذربيجاني سيقاتل حتى يصل إلى حدود 1918، رغم إيران وأرمينيا، إذا لم يتم فتح ممر زنغزور.
وتابع الموقع بأنه إذا تدخلت إيران في أذربيجان، فقد تتدخل تركيا أيضا، مشيرة إلى أن أنقرة وجهت تحذيرا لطهران بهذا الشأن.
وأكد أن الممر قد يتسبب في حرب، محذرا في الوقت ذاته من صدام بين طهران وأنقرة، لصالح الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة.
الكاتبة سيفيل نوريفا إسماعيلوف، قالت في مقال على صحيفة "ستار" التركية، إنه بعد خسارة الحرب لم يلتزم باشينيان باتفاق السلام، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا تعتبر قضية أرمينيا وجنوب القوقاز "ورقة رابحة".
وأضافت أن أذربيجان، أنشأت "خط دفاع" حول خانكندي، حتى لا تسمح بزعزعة الاستقرار الإقليمي من أرمينيا بدعم أمريكي وفرنسي وإيراني.
وتابعت بأن أهداف الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين تحاولان زعزعة الاستقرار عبر أرمينيا، واضحة، فبينما كانت إحداهما تحاول البقاء في أفريقيا، والأخرى تحاول هزيمة روسيا عبر أوكرانيا، فقد اتخذت كلتاهما أرمينيا كورقة رابحة جديدة لفتح بوابة صراع.
وأشارت إلى أن باشينيان يعاني من أزمة "ثقة بالنفس" بسبب مجموعات الضغط في داخل البلاد التي تمارس الضغط عليه، وإذا لم يتمكن من إدارة هذه العملية بشكل صحيح، فمن الواضح أن المسار سيكون سلبيا ليس فقط بالنسبة للاستقرار الإقليمي، ولكن أيضا بالنسبة لمستقبل أرمينيا.