سياسة تركية

ما تأثير أزمة النيجر على مصالح تركيا الاقتصادية والأمنية في أفريقيا؟

الرئيس التركي قال إن بلاده لا ترى قرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري في النيجر صائبا- الأناضول
تبدي الأوساط التركية خشيتها، من تأثير انقلاب النيجر الذي يمس ديناميات القارة الأفريقية، على مصالحها الاقتصادية والأمنية التي تنامت في السنوات الأخيرة بشكل كبير لا سيما في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.

وعقب الانقلاب الذي وقع في نهاية تموز/ يوليو الماضي، قالت وزارة الخارجية التركية إنها تتابع بقلق بالغ إقالة الرئيس محمد بازوم الذي تولى السلطة بانتخابات ديمقراطية، وتعليق جميع المؤسسات الديمقراطية، إثر محاولة انقلابية قامت بها مجموعة داخل القوات المسلحة في النيجر.

وأضافت الخارجية التركية، أنها تأمل "ألا يتدهور النظام الدستوري والسلام الاجتماعي والاستقرار في النيجر الصديق والشقيق"، مشيرة إلى أنها ستواصل الوقوف إلى جانب النيجر في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها.

وفي تعليقه على انقلاب النيجر، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده لا ترى قرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري في النيجر، صائبا.

وأضاف أردوغان: "ندرس كيفية لعب دورنا المحوري في النيجر"، مشيرا إلى أن التدخل العسكري في النيجر قد يساهم في نشر حالة عدم الاستقرار في العديد من البلدان الأفريقية.

وأضاف: "آمل أن تتم استعادة السلام والاستقرار في النيجر في أقرب وقت ممكن، وأعتقد أن شعب النيجر سيهتم بالديمقراطية وسيتوجه إلى الانتخابات في أقرب وقت ممكن، وتركيا ستواصل الوقوف إلى جانب شعب النيجر الصديق والشقيق".

وارتفع حجم التجارة بين تركيا وأفريقيا من 4.3 مليار دولار في أوائل العقد الأول من القرن الحالي إلى أكثر من 35 مليار دولار، تذهب 12.5مليار دولار منها إلى دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، بنسبة 36.8 بالمئة.‌



كما أنه وفقا لبيانات هيئة الإحصاء التركية في العام 2022، تبلغ قيمة تجارة تركيا مع دول غرب أفريقيا نحو 6.5 مليار دولار، وأما مع دول الساحل التي تشمل العديد من الدول من ضمنها موريتانيا والسنغال ومالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا وتشاد والسودان وأريتريا، فتبلغ نحو 4.1 مليار دولار.

وفي عام 2013، بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية لتركيا مع أفريقيا 21.5 مليار دولار. وكانت حصة دول جنوب الصحراء الكبرى، تبلغ حوالي 32 بالمئة من إجمالي حجم التجارة التركية في القارة.

ووفقا للأرقام، فإن الحجم التجاري مع جنوب الصحراء بلغ 2.4 مليار دولار مع حصة غرب أفريقيا التي وصلت إلى 34.7 بالمئة، ومنطقة الساحل التي بلغت 18.8 بالمئة بمبلغ قدره 1.3 مليار دولار.



وتظهر هذه البيانات، الحضور الاقتصادي المتزايد لتركيا في منطقة الساحل وغرب أفريقيا خلال العقد الماضي، إلى جانب النفوذ السياسي والعسكري.

الكاتب تونجي دميرتاش في تقرير على مجلة "كريتر" الشهرية، رأى أن الانقلاب، الذي وقع في النيجر قد يخلق مشاكل كبيرة من حيث الأمن الإقليمي.

وتشترك النيجر في حدود طولها 1500 كيلومتر مع نيجيريا، كما أنها جارة لدولة بنين، وعلى تقاطع البلدان الثلاثة يوجد تنظيم الدولة (ولاية غرب أفريقيا) الذي قد ينشط في ظل عدم الاستقرار وفراغ السلطة لملء الفراغ.

وتابع الخبير التركي، بأن ذلك من شأنه أن يؤثر على شمال أفريقيا وغربها، وقد يشكل هذا الوضع تهديدا لمصالح تركيا في المنطقة وخاصة في ليبيا، ما قد يؤثر أيضا على تجارة تركيا مع أفريقيا والتي تطورت في السنوات الأخيرة واكتسبت زخما.


المخاطر والتحديات الأمنية الإقليمية لتركيا

ورأى الكاتب أن انقلاب النيجر الواقعة في موقع استراتيجي يمكن أن يؤثر على كافة ديناميات المنطقة، وسيكون على جدول الأعمال لفترة طويلة، ليس فقط في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، بل أيضا في ليبيا والجزائر حيث تتمتع تركيا بمصالح استراتيجية في شمال أفريقيا، ومن المحتمل في الأزمة الحالية.

ومن منظور أوسع، فإن وجود تنظيمات مرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة في المنطقة هو حقيقة واقعة، وإذا تمت تهيئة بيئة مناسبة لها لزيادة وجودها الحالي من خلال الاستفادة من الأزمة، فإن نفوذها قد يزداد أيضا في شرق الساحل.

وفي ظل هذا السيناريو، فإن التعاون مع منظمة الشباب (امتداد القاعدة الذي يحافظ على وجوده في الصومال في شرق أفريقيا)، والمنظمات الأخرى، قد يخلق حالة من عدم الاستقرار خارج منطقة الساحل.

وأشار دميرتاش إلى أنه يمكن لتركيا التي لديها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، أن تتخذ مبادرات تتركز على الدبلوماسية والتعاون من أجل الحد من الأزمة في النيجر، ودعم الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، على أساس احترام "الحلول الأفريقية لمشاكها الخاصة".

وبالإضافة إلى الدعم الذي قدمته لبعض البلدان الأفريقية في مجال مكافحة الإرهاب، فإنه يمكن لتركيا تقديم مساهمات في ذلك في منطقة الساحل ومحيطها، من خلال تبادل التجارب والتعاون الأمني، وتحسين قدرات دول تلك المنطقة، وهذه القضية مهمة للغاية لحماية المصالح الاستراتيجية في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، وعلى وجه الخصوص ليبيا، لأن لديها استثمارات كثيرة في دول تلك المنطقة.

وعلى سبيل المثال، تبرز شركة "Karpowership" التي تنفذ أنشطة الطاقة في دول غرب أفريقيا مثل السنغال وغامبيا وسيراليون وساحل العاج وغينيا بيساو وغانا وغامبيا، أو شركات أخرى مثل "SUMMA" التي تنفذ مشاريع بنية تحتية وفوقية واسعة النطاق في دول غرب أفريقيا مثل النيجر والسنغال وسيراليون، في الأنشطة التجارية لتركيا في غرب أفريقيا والساحل.

ورأى دميرتاش، أن استمرار وجود تركيا في المنطقة مهم للغاية، من وجهة نظر تجارية في المقام الأول، كما أنها تضطلع بدور هام في دعم الجهود الإنمائية لبلدان المنطقة، وعليه فإن عدم الاستقرار والتهديد الإرهابي الذي سيحدث في المنطقة يمكن أن يؤثر سلبا على كافة هذه الأنشطة الاستثمارية والتجارية.


تعاون تركيا الدفاعي والأمني مع المنطقة

بالإضافة إلى الأنشطة الاقتصادية في السنوات الأخيرة، زادت تركيا أيضا من وجودها في المنطقة بمنتجات الصناعات الدفاعية.

وإلى جانب تبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب، فإن نقل أدوات الصناعات الدفاعية الفعالة والرادعة يساعد في زيادة القدرات الأمنية والعسكرية لدول المنطقة.

وبدأت منتجات الصناعات الدفاعية التركية، تحظى بالتفضيل من دول المنطقة خاصة ما بعد العام 2018، ووفقا للمصادر تتعاون تركيا مع 11 دولة في المنطقة في مجال الصناعات الدفاعية.

وفي هذا السياق، تبرز مساهمات منتجات الصناعات الدفاعية التركية لبلدان المنطقة، بالتكنولوجيا العالية والقدرات الحديثة. كما أن لديها القدرة على توفير القدرة القتالية الدفاعية لبلدان المنطقة بشكل فعال، لا سيما في مكافحة الإرهاب.

ورأى الكاتب التركي أن التطورات الأخيرة في منطقة الساحل تحمل خطر التأثير على المصالح الاستراتيجية لتركيا، ولذلك يمكنها تقييم الفرص الجديدة كبديل في البيئة التنافسية الحالية، مع ميزة أن التعاون والشراكات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية-الأمنية القائمة ستوفر ذلك.

وتبرز الشراكات التي تم تطويرها مع دول المنطقة بشأن المعدات الأمنية كخطوات مهمة من شأنها أن تعزز ليس فقط العلاقات العسكرية، بل وأيضا العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية.

وأثناء تقييم هذه الفرص المحتملة، فإنه يمكن لتركيا أن تشارك كفاعل أكثر قيمة في المنطقة من خلال تقديم الدعم بالحلول الدبلوماسية، ودورها الفاعل في البلدان التي تنشط فيها بالفعل، لكنها بحاجة إلى مراقبة المخاطر الحالية على ليبيا بعناية.