قبل
8 سنوات، افتتح رئيس النظام
المصري عبد الفتاح السيسي رسميا
قناة السويس الجديدة، بحضور
قادة عرب وأجانب، ودخل بملابس عسكرية مجرى القناة على ظهر يخت "المحروسة"،
المملوك للعائلة المالكة سابقا، وتبعته قطع بحرية عسكرية.
وبلغت كلفة المشروع نحو 8.5 مليارات دولار، ووصل طول التفريعة الموازية للقناة 35 كم بعرض 317 مترا
وبعمق 24 مترا؛ بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية وتحسين حركة الملاحة وتقليل زمن عبور
السفن بها، فضلاً عن زيادة مسطح القطاع المائي وتقليل التيارات الملاحية بالقناة.
وطرحت
الحكومة شهادات استثمارية بقيمة 64 مليار جنيه لأجل 5 سنوات لتمويل المشروع، كلفت الميزانية
العامة للدولة 7.6 مليارات جنيه سنويا كعوائد طوال تلك الفترة، كما اقترضت هيئة القناة
نحو 850 مليون دولار لتمويل باقي أعمال البنية التحتية.
وشق تفريعة
قناة السويس الجديدة بمصر، كان باكورة مشروعات السيسي، واستغرق المشروع الذي
بدأ في آب/ أغسطس 2014 عاما واحدا، ويرى خبراء ومراقبون أنه كان المعول الأول في ضرب
واهتزاز
الاقتصاد المصري.
إيرادات
قناة السويس من 100 مليار دولار إلى 9.4 مليارات
اقتربت
تكلفة المشروع من نصف الاحتياطي من العملة الصعبة لدى البنك المركزي البالغ حينها
16.7 مليار دولار، ما أدى إلى استنزاف احتياطي الدولة بدلا من إعادة بنائه، وسط وعود
بزيادة إيرادات القناة من نحو 5.5 مليارات دولار إلى 100 مليار دولار سنويا.
في وقت
لاحق عدلت الحكومة المصرية من توقعاتها المفرطة، وقالت إنها تستهدف زيادة إيرادات القناة
إلى 13.5 مليار دولار بحلول العام 2023، لكن بعد 8 سنوات، تخبرنا الأرقام أن إيرادات
قناة السويس حققت 9.4 مليارات دولار في العام المالي 2022-2023 المنتهي في حزيران/ يونيو
الماضي، في حين تحقق موانئ دبي 15 مليار دولار سنويا فقط من الخدمات المقدمة للسفن
والناقلات، بينما تحقق موانئ سنغافورة 35 مليار دولار سنويا.
جوانب
خفية في نمو إيرادات قناة السويس
ورغم
ارتفاع الإيرادات بشكل مطرد، لكن خبراء يرجعون السبب إلى أنها تأتي في إطار الزيادة
السنوية الطبيعية سواء في زيادة رسوم العبور، أو زيادة حجم التبادل التجاري حول العالم،
وأنه لا توجد قفزة مثيرة للدهشة في الإيرادات السنوية.
الجانب
الخفي في ارتفاع إيرادات قناة السويس خلال السنوات المالية الأخيرة هو زيادة المصروفات
(الأجور، النفقات، الضرائب) بالتالي فإن نسبة المصروفات إلى الإيرادات في تزايد، إذ
ارتفعت نسبة المصروفات إلى الإيرادات إلى 52.2 في المئة في العام المالي 2021/2020
مقارنة بنحو 16.3في المئة فقط في 2001/2002، بحسب مركز حلول للسياسات البديلة التابع
للجامعة الأمريكية بالقاهرة.
وأضاف المركز في ورقة بحثية حديثة أن تلك النسبة تحدد مدى ربحية مشروع معين وكفاءة إدارته:
فكلما انخفضت النسبة، كان المشروع أكثر ربحية، والعكس صحيح، ويشير ارتفاع النسبة إلى
أن مصاريف المشروع ترتفع بمعدل أعلى من دخله، وهو ما عكسته موازنات قناة السويس على
مدار الـ20 سنة الأخيرة.
بداية
أزمة الدولار
ورأى أستاذ الاقتصاد بالجامعات الأمريكية، مصطفى شاهين، أن "مصر لم تكن بحاجة إلى مشروع
تفريعة قناة السويس مطلقا، وكان أول معول في ضرب الاقتصاد، وكشف لنا المشروع كيف يدير
السيسي اقتصاد الدولة بالأمر المباشر والرغبات دون دراسة جدوى حقيقية، وهو ما حذرنا
منه مرارا وتكرارا قبل وأثناء العمل في التفريعة الجديدة، ومن عواقب الإنفاق عليه".
وأضاف لـ"عربي21": "تكلف المشروع قرابة 8.6 مليارات دولار تم ضخها في مشروع
التفريعة، وهي التي أدت إلى
أزمة نقص الدولار الأمريكي، واضطرت الحكومة بعدها إلى تعويم
العملة المحلية في 2016 وقفز الدولار من مستوى 8 جنيهات إلى 19 جنيها قبل أن يتدخل
البنك المركزي ويخفضه عند مستويات 15.6 جنيها و16.50 جنيها ثم ينفرط عقد الجنيه إلى
المستويات الحالية قرب الـ 40 جنيها".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "إيرادات القناة الحالية متواضعة، والتي تعد من أهم ممرات
الملاحة العالمية ويمر بها أكثر من 12% من تجارة العالم، ولا تعبر تلك الإيرادات عن
قيمتها الاقتصادية، التي يجب أن تتجاوز جهود الحكومة المنصبة على توسعة القناة ونقل
ملكية أصولها إلى شركات وصناديق خاصة"، مشيرا إلى أنه "يجب إنشاء مناطق صناعية
ولوجستية لتحقيق إيرادات مستدامة وإضافة قيمة اقتصادية أكبر إلى الدخل القومي، وتوطين
صناعات مختلفة وخلق فرص عمل واعدة".
ممر
ملاحي أم منطقة لوجستية
وقلل
الباحث الاقتصادي حافظ الصاوي من أهمية زيادة الإيرادات الناتجة عن استغلال القناة
كممر ملاحي، قائلا: "قناة السويس هي الفرصة التي لم تستغل بعد وحتى فكرة تطوير
القناة من خلال إنشاء مجموعة من المدن الصناعية ومناطق حرة ولوجستية تعتمد بشكل كبير
على الشركات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وهي غير موجودة".
وأكد في حديثه لـ"عربي21" أنه حتى هذه اللحظة "لا يزيد وضع قناة السويس عن
كونها ممرا مائيا وما حدث من ارتفاع في عوائد قناة السويس خلال الشهور الـ 9 من العام
الجاري، هو بسبب ما يحدث في البحر الأسود من تعطيل للملاحة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية
ومرتبطة بحدث عارض، فضلا عن أن العوائد المعلن عنها لا تعبر عن الآمال والطموحات المرتبطة
بممر إستراتيجي يمر منه نحو 12% من حجم التجارة العالمية".
ورأى
حافظ أن "هناك فرصا يجب أن تستثمر والحديث عن قناة السويس وتطويرها ظل لسنوات طويلة
ولم تتوفر الإرادة السياسية الخاصة بهذا المرفق الحيوي فضلا عن غياب الشفافية بقناة
السويس وشركاتها وإيراداتها، وأيضا قصة الصناديق الخاصة بدخل الهيئة من المفترض أن
فوائضها تؤول إلى الخزانة العامة التي تعاني من مشاكل كبيرة، ولا يجب التعامل مع إيرادات
القناة من خلال تفتيت مواردها وإخراجها عن الموازنة في مسارات أخرى تعطل صانع السياسة
الاقتصادية بشكل عام والسياسة المالية بشكل خاص في أن يحسن أداء الإنفاق العام في الموازنة
العامة للدولة".