ملف المهجرين الأفارقة في
تونس أضحى ملفا مؤرقا جدا
للتونسيين، بسبب ما ترتب عن تدفق أعداد كبيرة من لاجئي جنوب الصحراء إلى بلادنا من
آثار أمنية وبيئية ومن تداعيات أمنية وإنسانية، ومن استثمار سياسي وحقوقي لوضعية المهجرين المأساوية.
سبق أن تكلم رئيس الجمهورية
قيس سعيد عن كون ظاهرة
المهجرين مفتعلة وتقف وراءها عصابات إجرامية تتاجر في البشر وتريد أن تغير
التركيبة الديمغرافية لبلادنا، هذا الموقف ارتد عليه بانتقادات داخلية وخارجية
عنيفة حيث وُصف خطابه بالعنصري وبالتحريضي، وتبرّأت عدة أحزاب ومنظمات حقوقية
وشخصيات وطنية وإعلامية من خطاب قيس سعيد بخصوص المهجرين الأفارقة، وذكّرت بموقف
تونس الإنساني في مثل هذه الظروف؛ سواء باحتضان أشقائنا الجزائريين أثناء حرب
التحرير أو أشقائنا الفلسطينيين بداية الثمانينات بعد إخراجهم من لبنان أو أشقائنا
الليبيين أثناء النزاع المسلح بين نظام القذافي ومعارضيه.
الدول الأوروبية لا تزال
تمارس الضغط على قيس سعيد؛
تريده أن يُمضي اتفاقية استقبال المهجرين ومنع عبورهم نحو دول الاتحاد مقابل
مساعدات مالية. المبلغ المالي الموعود قسطه الأول بحوالي 109 ملايين دولار مخصص
لتوفير قوارب سريعة وأجهزة مراقبة متطورة لمراقبة الحدود ومنع تجاوز الحدود
التونسية نحو دول الاتحاد الأوروبي عبر الجارة إيطاليا.
قيس سعيد يجد نفسه تحت أكثر من ضغط داخليا وخارجيا، فهو محاصر بأزمة اجتماعية خانقة وفي ذات الوقت يتعرض لضغط خارجي في المسألة الحقوقية سواء المتعلقة بالسياسيين المعتقلين وبالتضييق على الحريات العامة، أو المتعلقة بالمهجّرين بعد تعرض بعضهم لمعاملة مسيئة للكرامة الإنسانية على أيدي أفراد متحمسين لا يمثلون لا السلطة ولا الأحزاب؛ وإنما قد يُحمّل سلوكهم على خطاب سعيد بخصوص هؤلاء المهجرين
وحسب بنود الاتفاق فإن تونس مطالبة باستقبال من يتم
إرجاعهم من
أوروبا بعد أن يتمكنوا من تجاوز الحدود التونسية، ولا نعلم إن كان من حق
تونس إجبار هؤلاء على العودة إلى بلدانهم الأصلية أم إنها مطالبة بإيوائهم كلاجئين
قد يتمتعون لاحقا بأوراق ثبوتية وبحقوق اللجوء، وقد تتولى المنظمات الإنسانية الإشراف
على إدارة ظروف إقامتهم.
القسط الثاني من المساعدة المالية التي يعد بها
الاتحاد الأوروبي والمقدّر بـ900 مليون دولار؛ سيتم تقسيطه على سنتين أو ثلاث
سنوات، ولكن بعد إمضاء تونس اتفاقا مع صندوق النقد الدولي.
قيس سعيد يجد نفسه تحت أكثر من ضغط داخليا وخارجيا،
فهو محاصر بأزمة اجتماعية خانقة وفي ذات الوقت يتعرض لضغط خارجي في المسألة
الحقوقية سواء المتعلقة
بالسياسيين المعتقلين وبالتضييق على الحريات العامة، أو
المتعلقة بالمهجّرين بعد تعرض بعضهم لمعاملة مسيئة للكرامة الإنسانية على أيدي أفراد
متحمسين لا يمثلون لا السلطة ولا الأحزاب؛ وإنما قد يُحمّل سلوكهم على خطاب سعيد
بخصوص هؤلاء المهجرين حين اعتبرهم أداة تنفيذ لمؤامرة توطين.
المعارضة السياسية والحقوقية تجد نفسها في تناقض، فهي
من ناحية تدين خطاب سعيد بحق الأفارقة وتعتبره عنصريا ولا إنسانيا، ومن ناحية
ثانية تنتقد ما يتسرب من بنود "اتفاق إعادة استقبال اللاجئين" وتتهم قيس
سعيد برهن السيادة الوطنية مقابل مساعدات مالية لن تذهب للشعب؛ بل ستكون لتغطية
كلفة حراسة الحدود حماية للدول الأوروبية.
هل تكون اتفاقية تونس لاستقبال المهجرين بدلا عن
اتفاقية دبلن للاجئين التي وُقعت في إيرلندا في حزيران/ يونيو 1990 وتم تفعيلها في
أيلول/ سبتمبر 1997، والتي تشمل دول الاتحاد الأوروبي لتنظيم ومعالجة ملفات طلب
اللجوء؟
الدول الأوروبية تحاول استغلال أزمة قيس سعيد في الحكم وما وصلت إليه سياساته من فشل اجتماعي واقتصادي وما يتعرض له من ضغط دولي ومن معارضة داخلية، وتريد ابتزازه وإغراءه بمساعدات مالية مشروطة
لقد أصبحت أوروبا تبحث عن حلّ لمشكلة
الهجرة السرية
نحو بلدانها، وأصبحت تضيق خاصة بالعرب والأفارقة -من غير أصحاب الكفاءات والمهارات-
وهي تبحث عن حل يريحها من صداع يقرع حدودها ويمثل لها عبئا أمنيا وحقوقيا، وهي إذ
تضغط على تونس للقبول باتفاق "استقبال العائدين" فإنما تبحث عن حل
لنفسها وليس لهؤلاء المهجّرين؛ ضحايا نظام اقتصادي عالمي ليس له عاطفة ولا ينظر
للذات البشرية باعتبارها ذاتا مكرمة إنما باعتبارها قوة عمل أو سوق استهلاك.
في العلاقات بين الدول لا وجود لعاطفة وإنما توجد
مصالح، والدول الأوروبية تحاول استغلال أزمة قيس سعيد في الحكم وما وصلت إليه
سياساته من فشل اجتماعي واقتصادي وما يتعرض له من ضغط دولي ومن معارضة داخلية، وتريد
ابتزازه وإغراءه بمساعدات مالية مشروطة.
وإذا كان قيس سعيد عازما فعلا على حماية السيادة
الوطنية وعلى مواجهة مؤامرة خارجية ضد بلادنا فليس أمامه إلا العمل على الجبهة
الداخلية؛ بتجنب خطاب التحريض والتخوين ضد مخالفيه وبالعمل على تجاوز حالة
الاحتباس السياسي.
twitter.com/bahriarfaoui1