عدة عقود من
الزمن وأنتم تبحثون عن هيكلكم المزعوم في القدس وحول المسجد الأقصى بالتحديد، وبعد
أن أعياكم البحث توجّهتم شمالا وجنوبا غير حاسبين حسابا لنسبة الخطأ التي قد تحويها
أساطيركم، أخيرا جئتم بجرافاتكم العملاقة وبتغطية جويّة رهيبة، جئتم بقضّ جيشكم
وقضيضه، رصدتم وحلّلتم معلوماتهم الاستخباريّة وإشارات حاخاماتكم التلمودية، بنيتم
عليها خطة الهجوم والتنقيب وقلب سافل الأرض عاليها..
المعلومات
الدقيقة تقول بأن الهيكل قد تمّ تهريبه من القدس إلى مخيم
جنين، وأنه موجود هناك
بجلالة قدره وعظيم هيبته، هكذا حدّدت لكم عقولكم السوداء فغيّرت وجهة البحث
والتنقيب إلى هذه البقعة الصغيرة المكتظّة السكان من الحشرات والأفاعي والصراصير!
هناك حيث ما سمّي مخيم جنين الذي يعيش متطفّلا على دولتكم العملاقة العظيمة صاحبة
السطوة والقوّة والهيلمان.
بدأت جرافاتكم
العملاقة بجرف شوارع المخيّم وأرخت آذان حاخاماتكم تتلمّس صوتا يخرج ناشزا عن هدير
جرّافاتكم، لعلّه صوت التاريخ القديم يعلن عن اكتشاف الهيكل، كلّت آذانكم دون أن
تسمع شيئا لكن أصواتا كثيرة خرجت دون أن تتمكّن آذانكم من التقاطها لأنها آذان
صمّاء لا تعانق الحقائق.
- لم
يجدوا هيكلهم بل وجدوا ذاكرة المخيم التي قالت لهم بلسان فصيح: نحن الذاكرة
الخالدة على هذه الأرض، وأنتم مارقون عابرون ظالمون سارقون، أجرمتم كثيرا وارتوت
بطونكم من دمائنا حتى الثمالة.. ذاكرة المخيم أنتم صنعتموها بإجرامكم المرّ
اللئيم، ذاكرة المخيم قامت على أكباد أناس هُجّروا من مدنهم وقراهم وطردوا شرّ
طردة باستخدام أقسى أنواع الإجرام من مجازر وحرائق وتدمير، جاءونا بروح عدوانية
مدرّبة ومجهّزة ومعبأة تعبئة سوداء لممارسة التطهير العرقي ولطرد أهل
فلسطين
السالمين الوادعين الآمنين من وطنهم الجميل، ذاكرة المخيم لم تنس طينتكم الإجرامية
والروح الحاقدة التي تلبّستكم تلك الأيام وما زالت.. حفرتم شوارع المخيم فلم تجدوا
الهيكل المزعوم بل وجدتم ذاكرة مخيم لتصفعكم وتعيد الصورة السوداء إلى بداياتها
المرعبة وصورتها الإجرامية على ما هي عليه دون أيّ تغيير أو تحريف.
-
لم يجدوا هيكلهم بل وجدوا فتية يرفعون راية القضية الفلسطينية على أصولها، يعشقون
الموت العزيز ويفضلونه ألف مرّة على حياة يشوبها ذلّ
الاحتلال، خرجوا لهم من تحت
الرماد كالعنقاء، أوقفوا تمدّدهم وقارعوهم بما لديهم من قوّة لا تذكر بالنسبة
لقوّة جيشهم، ومع هذا أخرجوهم من المخيّم مذمومين مدحورين، عرّوهم أمام العالم
وأثبتوا أن فتية من هذا القبيل لا بدّ وأن يكونوا أصحاب قضية عادلة، هؤلاء الفتية
بصمودهم الأسطوري أعادوا القضيّة إلى مربّعها الأوّل، أصحاب وطن سُلب منهم لا بدّ
من العودة إليه مع كامل الحقوق، وكلّ ما سوى ذلك من محاولات تسوية على حساب القضية
الأساس واعتبارا لاختلال القوى بين الظالم والمظلوم ما هو إلا هراء ومضيعة للوقت.
-
لم يجدوا هيكلهم بل وجدوا فشلهم وضياع شرعيتهم على هذه الأرض، وجدوا بما رأوا من
صلابة وبأس أن لا مستقبل لهم على هذه الأرض، عاجلا أم آجلا هم إلى زوال، فإذا
أعجزهم مخيم نصف كيلومتر مربّع فأين يذهبون إن تعمّم هذا النموذج الفذّ على ربوع
الوطن كافّة؟ ستبقى حروبهم في هذا المخيم وصمة عار تلاحقهم وتقضّ مضاجع قلوبهم
السوداء.
- لم
يجدوا هيكلهم بل وجدوا أطفالا في حالة من الهلع والرعب، تلفّهم نيران أسلحتهم
الحديثة وتصخّ آذانهم وقلوبهم أصوات أسلحة الدمار المرعبة، وجدوا هناك بدل الهيكل
المزعوم فاشيتهم، وجدوا آلتهم العسكرية المدمّرة أرضا وسماء.. الأطفال والنساء
والبائسون من حياة المخيم القاسية وجدوا أنفسهم أمام آلة
قتل صهيونيّة جاءوا بها إلى هذا المخيّم مرّتين، مرة سنة 2002 والمرّة الثانية سنة
2023.
أيها الباحثون عن
هيكل سليمان، لم يكن سليمان مجرما بل كان نبيّا، لم يكن ليقيم هيكله على جماجم
الأطفال والنساء، لم يكن إلا حامل رسالة السماء حيث العدل والحريّة وكرامة الإنسان،
سليمان عليه السلام بريء منكم ومن أفعالكم، مخيم جنين أظهركم على حقيقتكم.. أنتم
مشروع استعماريّ حاقد لا يعرف إلا لغة الإجرام والقتل والقهر والعدوان.
سليمان عليه
السلام بريء منكم ومما تجرمون.