كتاب عربي 21

لماذا لم تفز المعارضة التركية بأغلبية البرلمان؟

حافظ التحالف الحاكم على الأغلبية في البرلمان- الأناضول
أسفرت نتائج الانتخابات التركية الأخيرة عن مفاجأة نسبية في شقها البرلماني تحديداً، حيث جدد تحالف الجمهور الحاكم سيطرته على أغلبية مقاعد البرلمان مجدَّداً، عكس معظم التوقعات بأن تحصل المعارضة عليها.

فقد حصل حزب العدالة والتنمية الحاكم على نسبة 35.4 في المئة من الأصوات حاصداً 266 مقعداً برلمانياً (بعضها لمرشحي حزبَيْ الدعوة الحرة واليسار الديمقراطي الذين ترشحوا على قوائمه)، وحلفاؤه حزب الحركة القومية على نسبة 10.0 في المئة و50 مقعداً، وحزب الرفاه من جديد على 2.8 في المئة من الأصوات و5 مقاعد برلمانية، فيما لم ينجح حزب الاتحاد الكبير في دخول البرلمان. وفي المحصلة، حقق تحالف الجمهور نسبة 49.3 في المئة من الأصوات وأغلبية بسيطة في مقاعد البرلمان تتكون من 323 نائباً.

في المقابل، حصل حزب الشعب الجمهوري على نسبة 25.3 في المئة من الأصوات و169 نائباً، والحزب الجيد على 9.7 في المئة و43 مقعداً، وكسب كل من حزب الديمقراطية والتقدم 14 مقعداً والمستقبل 11 مقعداً والسعادة 10 مقاعد والديمقراطي 3 مقاعد، من خلال مرشحيهم على قوائم الشعب الجمهوري. وفي المجمل حقق تحالف الأمة المعارض نسبة 35.1 و212 في المئة نائباً.

السبب الرئيس في هذه التوقعات تراجع شعبية العدالة والتنمية المستمر منذ سنوات، إضافة لتراجع حظوظ حليفه الأكبر، الحركة القومية، بعد انشقاق الحزب الجيد عنه ثم تأسيس حزب النصر اليميني برئاسة القيادي السابق فيه أوميت أوزداغ. وكان ساد اعتقاد بدا منطقياً لدى معظم المراقبين بأن خوض الانتخابات البرلمانية بقوائم مشتركة يعظّم من فرص الحصول على مقاعد برلمانية إضافية

ويضاف له تحقيق تحالف العمل والحرية نسبة 10.5 في المئة من الأصوات و65 نائباً، موزعة على حزبي الشعوب الديمقراطي (باسم اليسار الأخضر) بواقع 8.8 في المئة و61 نائباً، وحزب العمل التركي بنسبة 1.7 و4 في المئة نواب. بينما لم يفز التحالفان الأخيران، أتا واتحاد القوى الاشتراكية، والأحزاب الأخرى غير المنضوية تحت الأحزاب على أي مقعد.

وعليه، يملك تحالف الجمهور أغلبية نسبية في البرلمان لا تتجاوز 60 في المئة من مقاعده بواقع 323 نائباً، مقابل 277 نائباً لاجتماع المعارضة المتشكلة من تحالفي الأمة والعمل والحرية.

قبل يوم الاقتراع، كانت أغلب التوقعات تصب باتجاه حصول المعارضة بعموم أطيافها على أغلبية البرلمان، ليست أغلبية كبيرة قادرة على تعديل دستوري يعيد النظام البرلماني، ولكن أغلبية بسيطة يمكنها دعم الرئيس إن كان كليتشدار أوغلو أو تحاول إعاقة أردوغان وموازنته في حال كان هو الفائز.

والسبب الرئيس في هذه التوقعات تراجع شعبية العدالة والتنمية المستمر منذ سنوات، إضافة لتراجع حظوظ حليفه الأكبر، الحركة القومية، بعد انشقاق الحزب الجيد عنه ثم تأسيس حزب النصر اليميني برئاسة القيادي السابق فيه أوميت أوزداغ. وكان ساد اعتقاد بدا منطقياً لدى معظم المراقبين بأن خوض الانتخابات البرلمانية بقوائم مشتركة يعظّم من فرص الحصول على مقاعد برلمانية إضافية بفضل تجنب تشتت الأصوات، وهو ما فعله تحالفا الأمة والعمل والحرية.

بيد أن النتائج أتت مخالفة لذلك فيما يتعلق بتركيبة البرلمان، حيث حصل تحالف الحاكم على الأغلبية مع تراجع في عدد المقاعد البرلمانية التي حصل عليها، ومع تراجع واضح لحزب العدالة والتنمية تحديداً يقدر بزهاء 7 في المئة.

من بين أسباب التراجع ظروف الاقتصاد التركي في السنوات القليلة الأخيرة، وطول مكوث الحزب في الحكم منذ 21 عاماً بكل ما يتضمنه ذلك من سلبيات، والأحزاب حديثة التأسيس برئاسة قيادات سابقة وازنة في العدالة والتنمية وحكوماته، وكذلك خوض أحزاب التحالف الحاكم الانتخابات البرلمانية بقوائم منفصلة تسمح بالتنافس بين أحزاب التحالف نفسها.

ذلك أن نتائج الانتخابات التفصيلية تشير إلى أن العدالة والتنمية خسر بعض الأصوات/ المقاعد لصالح كل من الحركة القومية والرفاه من جديد، فالأخير كان من ضمن مفاجآت الانتخابات البرلمانية وشكّل بديلاً عن العدالة والتنمية والأحزاب المحافظة الأخرى في تحالف المعارضة لِطَيفٍ من الشريحة المحافظة. وأما حزب الحركة القومية فقد استفاد من تراجع شعبية الحزب الجيد بعد أزمة الخروج من الطاولة السداسية والعودة لها، وكذلك سحب من رصيد العدالة والتنمية في بعض المحافظات بسبب القوائم المنفصلة.

ورغم ما سبق، من تراجع لنسبة العدالة والتنمية والتحالف الحاكم وعدد مقاعدهما في البرلمان، إلا أن التحالف حافظ على الأغلبية البرلمانية على عكس التوقعات. فما أسباب ذلك؟

يعود السبب الأول لمنظومة التحالفات، إذ استفاد أردوغان من ضم أو الحصول على دعم أحزاب ذات رمزية للتحالف، مثل الرفاه من جديد كمنافس للسعادة، والدعوة الحرة كجاذب للصوت الكردي، واليسار الديمقراطي الخصم التقليدي للشعب الجمهوري.

وأما السبب الثاني فهو تعديل قانون الانتخاب العام الفائت والذي خفّض درجة الاستفادة من التحالفات في الانتخابات البرلمانية، بناءً على تقدير بأنه خسر في الانتخابات التي سبقتها 20-30 مقعداً برلمانياً بسبب ذلك.

كما أن خوض الأحزاب الأربعة "الصغيرة" في تحالف الأمة المعارض الانتخابات على قوائم الشعب الجمهوري وليس بأسمائها وشعاراتها الذاتية، وخصوصاً الأحزاب المحافظة، حرمها وحرم تحالفها من أصوات شرائح من المحافظين كانت ترى فيها بديلاً عن العدالة والتنمية لكنها لم تستطع تخطي الحاجز النفسي والأيديولوجي والسياسي مع الشعب الجمهوري، ولذلك عادت للتصويت للعدالة والتنمية و/أو الرفاه من جديد.

حافظ التحالف الحاكم على أغلبية مقاعد البرلمان رغم تراجع أصواته وعدد نوابه، بما يعني أن المشروع الأكبر الذي جمع تحالف الأمة المعارض وهو إعادة النظام البرلماني لم يعد مطروحاً على الطاولة لسنوات قادمة. لكن التراجع المستمر في شعبية وقوة العدالة والتنمية، وبنسبة أعلى من وتيرة تراجع التصويت لأردوغان، يشير من زاوية ما لتصويت احتجاجي على كثير من السياسات والتوجهات ولا سيما الأوضاع الاقتصادية

بيد أن أحد أهم أسباب هذه النتيجة هو أن دخول أحزاب تحالف الجمهور الحاكم بشكل منفرد، وإن سمح بالتنافس الداخلي، إلا أنه لم يشتت الأصوات لصالح التحالف الآخر ولم يتسبب بخسارة مقاعد برلمانية له بسبب قائمته المشتركة كما كان متوقعاً على نطاق واسع، وهو الأمر الذي كان يبدو منطقياً وبديهياً.

لقد كانت معظم التقديرات قبل الانتخابات تشير إلى أن التحالف المعارض سيستفيد كثيراً من القوائم المشتركة وسيكسب من التحالف الحاكم بعض المقاعد بسبب تشتت أصوات الأخير، بينما كانت قيادات وازنة في العدالة والتنمية والحركة القومية تؤكد دراستها لكل الاحتمالات وأن خوض الانتخابات بهذا الشكل لن يضرها، وقد اتضح وفق النتائج أنها كانت على حق، وهو ما شكل أحد أكبر مفاجآت الانتخابات الأخيرة.

وعليه، حافظ التحالف الحاكم على أغلبية مقاعد البرلمان رغم تراجع أصواته وعدد نوابه، بما يعني أن المشروع الأكبر الذي جمع تحالف الأمة المعارض وهو إعادة النظام البرلماني لم يعد مطروحاً على الطاولة لسنوات قادمة. لكن التراجع المستمر في شعبية وقوة العدالة والتنمية، وبنسبة أعلى من وتيرة تراجع التصويت لأردوغان، يشير من زاوية ما لتصويت احتجاجي على كثير من السياسات والتوجهات ولا سيما الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي يحتاج من الحزب مراجعة حقيقية وعميقة، وهو ما أشار له الناطق باسم الحزب عمر جيليك حين قال "يبدو أننا لم نحقق كل مطالب الشعب".

twitter.com/saidelhaj