وصل وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا إلى العاصمة
العراقية بغداد، الاثنين، وعرض نظيره العراقي فؤاد حسين،
استعداد بلاده للتوسّط لإحلال السلام بين
روسيا وأوكرانيا، الأمر الذي أثار
تساؤلات عن مؤهلات العراق للتوسط بين الجانبين وفرص نجاحه في ذلك.
ويأتي العرض العراقي بعد أقل من أسبوع
من تلقي رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، اتصالا هاتفيا من الرئيس الأوكراني فلاديمير
زيلينسكي، أكد فيه الأول "أهمية الوصول إلى حل سلمي في أوكرانيا، واتخاذ
الحوار سبيلا لإنهاء هذه الأزمة التي تسببت في الكثير من المآسي".
أرضية ممهّدة
تعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي
العراقي، مخلد حاز، إن "العراق يحاول أن يكون بلدا مؤثرا على المستوى
الإقليمي والدولي، من خلال جمع الأضداد وإقامة طاولات حوار للصلح، لاسيما في ما
يخص الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا".
ولفت حازم في حديث
لـ"عربي21" إلى أن "موقف العراق منذ اليوم الأول للحرب بين روسيا
وأوكرانيا، كان مع السلم ووقف إطلاق النار ودخول الجانبين في حوارات، لكن لم يصل
به الأمر إلى لعب دور الوسيط".
ورأى أن "ما يؤهل العراق حاليا
للعب دور الوسيط، هو أنه يمتلك علاقات طيبة مع الجانب الروسي، كما تمتلكها
إيران
والسعودية، ويُنظر إليه على أنه طرف محايد".
وقال حازم إن عرض الوساطة "سيجعل
من العراق لاعبا مهما بالمنطقة، فهو بات يمثل حركة التوازنات الإقليمية كونه الأرض
الخصبة في مجال الطاقة التي تحتاجها الدول، وهذا يجعله لاعبا مهما في الشرق
الأوسط".
وأكد الخبير العراقي أن "العراق
سيحاول جمع الأضداد والمتخاصمين على مستوى وزير خارجية أو ما دون ذلك على أرضه".
واتفق مع ذلك، المحلل السياسي العراقي،
أثير الشرع، بقوله إن العراق كان محطة لتقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران،
وكذلك بين الأخيرة وبعض دول الخليج الأخرى، وتكللت هذه الوساطة بأن تعيد الرياض
وطهران علاقاتهما الدبلوماسية.
وأكد الشرع لـ"عربي21" أن العراق
يمتلك مؤهلات عديدة لتقريب وجهات النظر، وأهمها أنه يقف على الحياد ولا يميل إلى
جهة معينة، لذلك فإن زيارة وزير خارجية أوكرانيا إلى بغداد تؤكد أن لديه توقعا
بنجاح بغداد في إنهاء الحرب مع روسيا، وإرسال رسالة بأن هذا البلد قد يكون ساحة
لإنهاء كل الصراعات والأزمات.
وأشار إلى أن "العلاقة بين روسيا
وأوكرانيا ستشهد تحسنا خلال المرحلة المقبلة بعد جلسات عدة للمحادثات بينهما ستعقد
في العراق، للوصول إلى مجتمع دولي خالٍ من الحروب والأزمات".
ولفت الشرع إلى أن "العراق خسر
الكثير خلال فترات المعارك والحصار ومرحلة ما بعد 2003، لذلك فهو يسعى لاستعادة
دوره الإقليمي والدولي من خلال تقريب وجهات النظر وإنهاء الحروب".
ورأى الخبير العراقي أن العلاقات
الجيدة للعراق مع جميع الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي، تجعله مستعدا لأن يكون
طرفا محايدا يقرب وجهات النظر بين جميع المتخاصمين.
استثمار الأزمات
وعلى الصعيد ذاته، قال أستاذ العلوم
السياسية في العراق الدكتور معتز النجم إن العراق يحاول أن يذهب إلى البعد الإقليمي
لاستعادة دور الريادي في المنطقة، فقط أسست حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي
لذلك، واليوم حكومة محمد شياع السوداني ماضية بالاتجاه نفسه.
وأوضح النجم لـ"عربي21" أن محطة
العراق الأولى في استعادة دوره الريادي كانت ترميم العلاقة بين السعودية وإيران،
وأنه اليوم لديه إمكانيات جيو-استراتيجية وجيو-اقتصادية تمكنه من لعب دور الوسيط.
واستدرك النجم قائلا: "لكن في
حسابات السياسة ومن منطلق المنافع والتكاليف، فإن العملية العسكرية التي أطلقتها
روسيا على أوكرانيا، كلما استمرت كان مردودها الاقتصادي أفضل على العراق باعتبار أن اقتصاده ريعي ويعتمد على تصدير النفط الذي ارتفعت أسعاره بفعل
الحرب".
وتابع: "لكن الحكومة العراقية
تحاول استثمار الحرب الدائرة لاستعادة دور البلد الريادي في المنطقة، وأن الولايات
المتحدة توظف العراق كعامل مساعد في حل الملفات الساخنة بالمنطقة، لأنها تدرك
العلاقات الطويلة بين العراق والاتحاد السوفييتي سابقا، وروسيا حاليا".
وبيّن النجم أن "إمكانيات العراق
اليوم هي سياسية فقط من أجل فرض واقع حال بأنه انتعش في الدور الريادي والإقليمي
بالمنطقة، لكن لا يمكن مقارنته مع الصين التي عملت بصفتها ضامنا للتسوية بين
السعودية وإيران".
وبحسب الخبير العراقي، فإن
"المشكلة حاليا تكمن في روسيا، هل لديها استعداد لإنهاء الحرب؟ أم ؟إنها لا
تزال تريد أن تستمر في استعراض قوتها من خلال الحرب مع أوكرانيا وتستنزف أوروبا؟".
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين،
قال خلال مؤتمر صحفي مع كوليبا في بغداد، الاثنين، إنّ "هذه الزيارة مهمّة
لمستقبل العلاقة بين العراق وأوكرانيا، وأيضا للدور العراقي المستقبلي في مساعدة
أوكرانيا وروسيا على الوصول أولا إلى وقف إطلاق النار، وثانيا بدء
المباحثات".
لكنّ وزير الخارجية الأوكراني استبعد
نجاح أيّ مبادرة للوساطة في الوقت الحالي، بالقول: "لا يمكنك القول إنك تؤيد
السلام بينما تحاول غزو مزيد من الأراضي وارتكاب المزيد من الفظائع وتدمير القرى
والبلدات"، في إشارة إلى الهجوم الروسي المتواصل على بلاده منذ شباط/ فبراير
2022.
وأضاف: "أيّا كان ما يقوله
المسؤولون الروس، فإن روسيا اليوم تريد الحرب. الوصول إلى جهود السلام سيستغرق
وقتاً"، مضيفا أن "روسيا يجب أن تقبل شيئًا بسيطًا للغاية: أوقفوا
الحرب وانسحبوا من الأراضي الأوكرانية. وهذا سيخلق مساحة للدبلوماسية".
واستقبل القادة العراقيون وزير
الخارجية الروسي سيرغي لافروف في شباط/ فبراير الماضي، وحينها شدد فؤاد حسين على
موقف بلاده الداعم لـ"وقف إطلاق النار حتى تبدأ المفاوضات بين الطرفين".