أثار الاتفاق السعودي
الإيراني على إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، العديد من التساؤلات بخصوص مدى إمكانية انعكاس ذلك على
العراق، الذي كان له قصب السبق في جهود التسوية بينهما، وذلك باستضافته خمس جولات للمحادثات بين الرياض وطهران.
واستضافت بغداد منذ نيسان/أبريل 2021، محادثات مباشرة على مستوى منخفض التمثيل بين إيران والسعودية، ضمّت مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين لكلا البلدين، حيث رعى رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي 5 جولات منها، كان آخرها في نيسان/ أبريل الماضي.
وطيلة مدة الخلاف بين البلدين التي انتهت باتفاق، الجمعة، صدرت عن مليشيات موالية لإيران تصريحات هاجمت
السعودية ورفضت وجودها بالعراق، ولاسيما في موضوع الاستثمارات، التي اتفقت عليها الرياض وبغداد، منها: الربط الكهربائي مع الخليج، والاستصلاح في بادية السماوة.
تقوية العراق
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، جبار المشهداني؛ إنه "إذا ضعف النفوذ الإيراني في العراق، فعندها يمكن القول؛ إن حكومة بغداد بيدها الموافقة على الاستثمارات في البلد من عدمه، لذلك فإن تنفيذ الاتفاق سيكون من أقوى نتائجه تقوية هذه الحكومة".
وأضاف المشهداني لـ"عربي21"، أن "حكومة العراق تصبح قوية عندما تمتلك قرارها السياسي والاقتصادي، وعندها يمكن أن تختار شركاءها أو المستثمرين، فالبلد ساحة استثمار جيدة لا تتوقف على المال السعودي والإيراني، فهناك أوروبا وأمريكا والصين ودول كثيرة تريد الاستثمار".
وتابع: "حتى تتحقق الاستثمارات، فإننا بحاجة إلى بيئة آمنة في العراق، لذلك ربما تكون واحدة من نتائج هذا الاتفاق السعودي الإيراني، تحقيق هذه البيئة من أجل جذب استثمارات من دول كثيرة".
ولفت المشهداني إلى أن "سياقات كثيرة في الاتفاق بين البلدين تتحدث عن سيادة الدول، وحدد فيها دولا مثل، العراق وسوريا ولبنان واليمن، وذلك يعني أن تكف إيران دعمها عن الفصائل المسلحة".
واستبعد الخبير أن "يكون للسعودية مساحة في الواقع السياسي، سواء عن طريق رعاية قوى عراقية أو غير ذلك؛ بغية تحقق التوازن داخل المشهد العراقي، فهي لو كانت تريد ذلك لعملت به منذ سنوات، لكنها لم يكن لديها نهج من هذا القبيل لأسباب تخصها".
وأشار إلى أن "الاتفاق يؤكد ضرورة توقف إيران على دعم الفصائل المسلحة، وإذا حصل ذلك فهذا سيجعل السعودية غير محتاجة لدعم أطراف في العراق، وإنما ستذهب للاتفاق مع الحكومة؛ لأنها تريد شريكا عراقيا قويا، وصاحب سلطة وسيادة وقدرة على تنفيذ وعوده".
وأعرب عن اعتقاده بأن "مدة الشهرين التي حددها الطرفان لإعادة افتتاح السفارات وتنفيذ باقي خطى الاتفاقية، ستكون هي الكفيل الحقيقي لرؤية ما يتحقق من الاتفاق، سواء المعلن منه أو غير المعلن".
ورأى المشهداني أنه "إذا حصل تفاهم سعودي حوثي حول اليمن، فمن المؤكد سنشهد تفاهما في لبنان والعراق وسوريا، وأن أطراف الاتفاق -ومنهم الصين- تريد إنجاحه واستبدال الهيمنة المسلحة أو العقائدية بنفوذ اقتصادي، ينطلق من طريق الحرير الصيني ويتقاسم النفوذ بالمنطقة بين إيران والسعودية".
خفض التوتر
وفي السياق ذاته، قال عائد الهلالي العضو السابق في "الإطار التنسيقي" الشيعي؛ إن "الاتفاق الذي أعد له منذ سنوات طويلة للتقارب بين السعودية وإيران، وحصلت محادثاته الأولى في بغداد ومسقط، ستكون له بالتأكيد إسقاطاته الإيجابية في العراق".
ورأى الهلالي لـ"عربي21" أن "أولى تلك الإسقاطات هي الحد من حالة التوتر الموجودة في المنطقة، لأن هناك قطبين فيها، هما إيران التي لها علاقة قوية ووثيقة بـ(محور المقاومة) في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وكذلك قطب آخر يتبع المملكة العربية السعودية، يضم في جنباته العديد من الدول التي تتقارب مع الرياض".
ولفت إلى أن "عملية خفض التوتر في المنطقة تحتاج إلى أن يكون هناك اتفاق، لذلك فإنه رغم حدوث التفاهمات بين الجانبين في العراق، لكن الضامن الصيني كان هو المتحكم في التوصل إلى التسوية بين الرياض وطهران".
وأكد الهلالي أن "الانعكاسات ستكون إيجابية كبيرة جدا في العراق على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، فهناك أحاديث صدرت من أطراف سعودية للاستثمار في إيران، والأخيرة أيضا لديها إمكانيات للاستثمار، وأن هذا التقارب سيخفف من حدة التوتر بالمنطقة".
وأشار السياسي العراقي إلى أن "التسوية السعودية الإيرانية ستفضي إلى الاستقرار الذي من شأنه أن ينعكس إيجابا ليس على العراق فحسب، وإنما على بلدان كثيرة بالازدهار وزيادة التنمية، خصوصا أن منطقة الشرق الأوسط غنية بالطاقة وبالكثير من الثروات".
لكن بعد يوم واحد من إعلان الاتفاق بين أكثر عدوين لدودين في المنطقة، شنّ المسؤول الأمني لمليشيات "كتائب حزب الله" في العراق المدعو "أبو علي العسكري"، هجوما لاذعا على السعودية، ووصفها بـ"الكيان الوحشي".
وقال "العسكري" في تغريدة على "تويتر"، السبت؛ إن "علينا أن نكون أكثر يقظة واستعدادا من أي وقت مضى حيال وحشية الكيان السعودي بالمنطقة، ولا تأخذنا السياسة والدنيا ومصالح أساطين المال مآخذ قد تطيل بنا الوقوف، يوم لا ينفع مال ولا بنون، والعاقبة للمتقين".
وعلى الوتيرة ذاتها، غرّد الكاتب العراقي المحسوب على "الإطار التنسيقي" قائلا: "بعد عودة العلاقات الإيرانية السعودية لن ينبس مرتزقة السعودية بكلمة ضد إيران، لكننا بالمقابل سنستمر (نحن شركاء وحلفاء إيران) بإدانة السعودية ونهجها الإجرامي وعدوانها ضد اليمن؛ لأننا لسنا عبيدا ومرتزقة، بل نحن سادة ومحترمون لدى إيران".