أثارت تحركات سفيرة واشنطن في بغداد ألينا رومانوسكي، ولقاؤها عددا من المسؤولين، غضبا واسعا لدى القوى الحليفة لإيران. ففيما وصفها البعض بأنها أصبحت "مندوبا ساميا"، و"حاكما مدنيا" جديدا للعراق، فقد طالب آخرون بطردها من البلاد.
وبحسب تصريحات شخصيات من قوى الإطار التنسيقي الحليف لإيران، فإن أكثر ما استفزهم وأحرجهم كثيرا من تحركات رومانوسكي، هو اللقاء الذي عقدته مع النائب الأول لرئيس البرلمان، السبت الماضي، حيث ناقشت معه إقرار الموازنة المالية للبلاد لعام 2023، والانتخابات المقبلة.
وكتبت السفيرة في حسابها على "تويتر" قائلة: "ناقشت مع النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي أجندة مجلس النواب للفصل التشريعي الحالي والتشريعات المهمة لدعم الشعب
العراقي، بما في ذلك الميزانية والانتخابات وحقوق الإنسان".
"تحركات مريبة"
وعلى ضوء تغريدة رومانوسكي هذه، قال حيدر اللامي عضو ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، إن "تحركات السفيرة الأمريكية تسبب حرجا كبيرا للإطار التنسيقي"... "نحن لم نسكت عن هذه التحركات فالعديد من أعضاء الإطار طالبوا بتفسيرات عنها، كونها تحركات مريبة".
وأضاف اللامي خلال مقابلة تلفزيونية، الخميس، أن "من الوطنية على الجميع أن يسأل لماذا هذه التحركات.. وما إذا كانت بإذن من الحكومة، فعلى الأخيرة أن تبيّن هذا الشيء، حتى يعلم الجميع ما مدى هذه التحركات، التي نحن نرفضها، خاصة من سيدة لديها عمق في الفكر الاستراتيجي في الأمور العسكرية والاستخباراتية".
وفي السياق ذاته، فإن النائب عن كتلة "الصادقون" الممثلة لحركة (عصائب أهل الحق) حسن سالم، هاجم رومانوسكي، في تغريدة على "تويتر" قائلا إن "السفيرة الأمريكية تتصرف بكل وقاحة وتتدخل بكل مفاصل الدولة العراقية وآخرها تدخلها بأجندة مجلس النواب والتشريعات وكأنها رئيسة حكومة العراق"، منتقدا "صمت الخارجية العراقية ازاء تلك التدخلات"، وختم تغريدته بوسم: "العراق ليس ولاية تابعة لأمريكا".
من جهته، استنكر رئيس منظمة "ألوان" للدراسات الاستراتيجية المنتمي إلى الإطار التنسيقي، حيدر البرزنجي، تحركات السفيرة الأمريكية، وكتب على "تويتر" الأحد، قائلا: "هل جميع السفراء يناقشون الموازنة؟ وما هي مستقبل استراتيجية القوانين؟ وماهي الصفة؟ وكيف تسمح بذلك؟".
وخاطب البرزنجي، المندلاوي، قائلا: "الأخ النائب الأول، معيب السكوت على هكذا تصريحات تعد انتهاكا واضحا للسيادة والمؤسسة التشريعية، ضروري أن تتعلم السفيرة مهمتها الأساسية".
وفي السياق ذاته، قال الكاتب المحسوب على الإطار التنسيقي، أحمد عبد السادة، إن "نبرة سفيرة أمريكا في بغداد ليست نبرة دبلوماسية، بل نبرة وصاية تريد إحياء دور المندوب السامي البريطاني في العراق بيرسي كوكس ومستشارته (المس بيل) في عشرينيات القرن الماضي".
وأضاف عبد السادة عبر تغريدة على "تويتر" الأحد، قائلا: "تمادت نبرتها (السفيرة) لأنها لم تجد أي مسؤول أو نائب عراقي يذكّرها بقرار البرلمان بطرد قوات بلادها المحتلة من العراق".
"ضعف الإطار"
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، غانم العابد لـ"عربي21" إنه "رغم كل تدخلات رومانوسكي، وربما حكومة
السوداني هي أكثر حكومة تدخلت في شؤونها السفيرة الأمريكية في بغداد، فهي التقت بالسوداني 10 مرات وكذلك مع العديد من وزراء حكومته".
وعلى المستوى الرسمي، رأى العابد أنه "لأول مرة هناك صمت كبير من أطراف الإطار التنسيقي، لأن من يمثل موقفها فعليا هي الشخصيات التي شكلته، سواء نوري المالكي (رئيس ائتلاف دولة القانون) أو قيس الخزعلي (زعيم مليشيا العصائب) أو هادي العامري (رئيس تحالف الفتح). أما قيادات الصف والمغردون المحسوبون على الإطار، فلا أعتقد أنهم يعبرون عن الموقف الرسمي لقوى الإطار".
وأوضح أن "الحكومة العراقية تسير وفقا للموقف الأمريكي، وأن تحركات سفيرتها خير دليل على ذلك، لذلك فإن صمت الإطار التنسيقي يعني أنه بدأ يندمج مع المعسكر الأمريكي، وأن كل الاتهامات والشعارات التي كان يسوقها للأطراف العراقية الأخرى هم يطبقونها اليوم".
وتابع: "الإطاريون اتهموا حكومة الكاظمي سابقا بأنها أمريكية، لكن حكومة السوداني وفق قياساتهم تعتبر أمريكية أكثر من ذلك، وهذا يؤكد حجم ضغط الولايات المتحدة على حكومة الإطار التنسيقي، وأن الأخير بين خيارين: إما أن ينصاع للرغبة الأمريكية أو أنه سيخسر الحكم بصورة مطلقة".
وأردف العابد قائلا: "لذلك، فالإطار ليس لديه أي موقف ضد الأمريكيين، بدليل أنهم لم يناقشوا موضوع إخراج القوات الأمريكية خلال زيارة وزير الخارجية إلى واشنطن الشهر الماضي، أو تطبيق قرار البرلمان العراقي في عام 2020 القاضي بإخراج القوات الأمريكية، وهذا يعني أن الإطار التنسيقي يمر في أضعف حالاته أمام رغبة واشنطن".
وبيّن الخبير العراقي أنه "إذا كان (الإطاريون) لم يناقشوا في واشنطن موضوع إخراج القوات الأمريكية، فهل سيناقشونها من بغداد أو من خلال ائتلاف إدارة الدولة الذي تبنى تشكيل الحكومة (يضم سنة وشيعة وأكرادا)".
ولفت إلى أن "الإطار التنسيقي يرى أن عدم مواجهة الولايات المتحدة، قد يطيل من بقائه في الحكم إلى حين إكمال سيطرته على انتخابات مجالس المحافظات (الإدارات المحلية)، وكذلك التمهيد للانتخابات البرلمانية، خاصة بعد انسحاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والفرصة الكبيرة التي منحهم إياها في إعادة تسويق نفسهم من جديد".
"جرّة أذن"
وعلى الصعيد ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية في العراق، معتز النجم، إن "الولايات المتحدة هي الراعي الرسمي للعملية السياسية في العراق بعد عام 2003، ثم يأتي دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بشكل داعم ورديف للدور الأمريكي".
وأوضح النجم في حديث لـ"عربي21" أن "الإطار التنسيقي يدرك بشكل واضح أن الولايات المتحدة الداعم الرئيس لحكومة المطاف الأخير في العراق، لذلك فإنه إذا لم يستطع السوداني ضبط إيقاع قوى الإطار فإن وضعهم يصبح ساعتها على كف عفريت".
وأشار إلى أن "التسريبات تفيد بأن السوداني أبلغ قوى الإطار التنسيقي بضرورة التنازل عن الشعارات التي أطلقت قبل تشكيل الحكومة الحالية، ومنها المتعلقة بمقاومة الاحتلال الأمريكي وغيرها، والتي أطلقت في السابق من أجل تشتيت القوى السياسية المناوئة لها".
ولفت إلى أن "الإطار التنسيقي اليوم داخل العملية السياسية ويقود الحكومة، فلا يمكن للسوداني أن يجد نفسه وسط صراع بين قوى تتعكز على الشعارات وبين قوى أخرى براغماتية تعتبر أن الولايات المتحدة تربطها بالعراق اتفاقيات استراتيجية، إضافة إلى أن واشنطن تعتبر العراق جزءا من تحالفها في مكافحة الإرهاب بالمنطقة".
وأكد النجم أن "الولايات المتحدة صرفت 400 مليار دولار في احتلال العراق، لذلك لن تجعله وحيدا في الساحة، إضافة إلى العامل المتغير الجديد الذي طرأ على الساحة، وهو التنافس على العراق كونه مغذيا أساسيا للطاقة في ظل أزمة داخل أوروبا في ظل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا".
ورأى الخبير العراقي أن "كل هذه الملفات تكبّل حكومة السوداني وتجعلها تتعامل وفق الطاعة العمياء مع تحركات رومانوسكي، وأن الأخيرة تريد إعطاء ثقل للولايات المتحدة، خصوصا بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وإعطاء ظهرها إلى منطقة الشرق الأوسط".
وأردف: "بعد التغيرات التي شهدها النظام الدولي، والحرب الروسية الأوكرانية، بدأت الولايات المتحدة بالبحث عن أسواق جديدة وحلفاء جدد في العراق، لا سيما أنها ترى تحركات الصين وروسيا نحو هذا البلد، إضافة إلى التمرد السعودي عليها، وهذه كلها معطيات تدفع باتجاه ضبط إيقاع العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والحكومة العراقية سواء كانت حكومة يقودها الإطار التنسيقي أو التيار الصدري".
وأشار إلى أن "كبار المتعاطين مع العملية السياسية العراقية يدركون تماما أن الولايات المتحدة هي الراعي الرسمي لهذه العملية، وأنها عندما حاصرت العراق بموضوع الدولار، فهي أرادت أن تعمل (جرة أذن) للحكومة العراقية، والتي تسفر على أننا لم نغادر العراق، وما زلنا نمتلك أدوات اللعبة السياسية بالبلد".
ووفقا للنجم، فإن "جوهر العملية السياسية في العراق، يعتمد على طبيعة التعامل بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة العراقية، وأن الخلاف أو الاتفاق بين العراق وإيران لا يعدو كونه قشورا للعملية السياسية".