تثار التساؤلات حول "المماطلة" الأمريكية في إتمام صفقة "أف16"مع أنقرة ، التي تأتي في ظل فتور بالعلاقات بين البلدين؛ بسبب الاختلافات في سوريا والموقف التركي من انضمام
السويد وفنلندا لحلف شمال الأطلسي "
الناتو".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، طلبت أنقرة شراء 40 طائرة جديدة من طراز "أف16" وتحديث 80 طائرة حربية حاليا، بعد إقصائها من برنامج "أف35" الأمريكي، بسبب حصولها على منظومة "أس400" الروسية.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخرا، أن الإدارة الأمريكية تعتزم تقديم طلب للحصول على موافقة الكونغرس على بيع مقاتلات "أف16" لتركيا، وطائرات "أف35" لليونان في عملية منفصلة.
ونقلت الصحيفة عن المسؤولين قولهم؛ إن موافقة الكونغرس مرهونة بمصادقة
تركيا على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو.
فيما شدد الرئيس الديمقراطي للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور بوب مينينديز، على رفضه منح تركيا المقاتلات "أف16"، زاعما بأن "أردوغان يتجاهل حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، وينخرط في سلوك مزعج ومزعزع للاستقرار في تركيا، ومناوئ لدول مجاورة من أعضاء الناتو، لن أوافق على الصفقة حتى يكف أردوغان عن تهديداته، ويبدأ في التصرف كحليف موثوق به"، على حد قوله.
والأربعاء، التقى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن بالعاصمة واشنطن، في إطار الاجتماع الوزاري الثاني للآلية الاستراتيجية بين البلدين.
وأكد تشاووش أوغلو من واشنطن، أنه لا علاقة بين طلب تركيا شراء مقاتلات "أف16" وملف عضوية السويد وفنلندا في الناتو، وينبغي للكونغرس الأمريكي عدم الربط بينهما.
وصرح أنه تحدث مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، بشكل مفصل عن طلب تركيا تحديث سرب من مقاتلاتها "إف 16"، وشراء أخرى جديدة من الطراز نفسه من
الولايات المتحدة.
وأكد أنه إذا وقفت الإدارة الأمريكية بحزم حيال عزمها بيع تركيا مقاتلات "إف 16"، فيمكن التغلب على معارضة الكونغرس بشأن ذلك.
والخميس، أصدر السفير الأمريكي لدى واشنطن جيفري فليك، أن صفقة "أف16" مع تركيا، غير مرتبطة بمسيرة انضمام السويد وفنلندا إلى "ناتو"، مؤكدا أن إدارة بايدن تدعمها.
وتابع: "الكونغرس مؤسسة مستقلة ويجب أن يصدّق على عملية البيع، ولا يمكن لإدارة الرئيس أن تتخذ مثل هذا القرار (البيع) بمفردها".
عضوية السويد وفنلندا للناتو ذريعة
المحلل السياسي التركي أومر توغاي يوجال، رأى أن عضوية السويد وفنلندا إلى الناتو ذريعة أمريكية بشأن صفقة "أف16"، والمشكلة الحقيقية بين البلدين بدأت بطائرات "أف35".
وأوضح لـ"عربي21"، أن عدم منح طائرات "أف35" التي دفعت تركيا ثمنها، أدى لظهور خيار "أف16"، ورغم ذلك أيضا هناك إشكالية.
وتابع بأن الأردن وقع عقد شراء "أف16" مع الولايات المتحدة، في حين أن تركيا الحليف منذ 70 عاما مع الولايات المتحدة وفي الناتو، تواجه وضعا لا تستحقه اليوم.
ورأى أن موقف الكونغرس الأمريكي، ووجود وحدات حماية الشعب الكردي، والتقارب بين أنقرة ودمشق مؤخرا، وعضوية السويد وفنلندا في الناتو، تعد أهم عقبات تحول دون إتمام عملية توريد مقاتلات "أف16" لتركيا، لاسيما قبل الانتخابات التركية.
وأضاف أن صفقة "أف16" ليست المشكلة الأساسية بين الولايات المتحدة وتركيا، وكل ما يجري بسبب تأثيرات محية وإقليمية وعالمية.
تركيا ابتعدت عن الولايات المتحدة.. وظهور نظام عالمي جديد
ونظرا لأن تركيا لا تعتمد على الولايات المتحدة كما في الثمانينيات، فقد وسعت مجال نفوذها وقدرتها إقليميا، وقد أدى ظهور لاعبين جدد على الساحة الدولية إلى ظهور العديد من البدائل والتنوع.
وأوضح أنه لذلك، فإن الرسم البياني للعلاقات التركية الأمريكية، له أيضا العديد من أوجه التشابه مع الرسم البياني، الذي تعاني منه دول مثل السعودية والإمارات وقطر.
وذكر أنه من أجل إنهاء هذا الاعتماد الأحادي الجانب في التفضيلات العسكرية والدفاعية، تفكر تركيا بتنويع خياراتها، وبينمي يبني العقل الاستراتيجي التركي صناعاته الدفاعية الخاصة به، فإنه بصدد تحويل أنظمة أسلحته بنماذج بديلة وبهياكل أقوى.
وحول البديل عن المقاتلات "أف16"، أوضح يوجال أن هناك العديد من البدائل سواء غربية مثل "رافال" الفرنسية، و"غربين" السويدية، و"يوروفايتر" البريطانية، إلى جانب تفضيلات من روسيا والصين في مقاتلات مثل "سو35"، و"جي 10"، إلى جانب مشروع الطائرات الخاص التركي.
ورأى الخبير التركي أن تغيير أنظمة الأسلحة الخاصة بتركيا في آن واحد عملية مكلفة وصعبة، وبالتأكيد سيكون لذلك ثمن. ومع ذلك في المجال العسكري، كلما زاد الإنتاج المحلي والوطني وكلما زاد تنوع الأسلحة، زادت استقلالية البلاد وقدراتها.
وأكد أن الولايات المتحدة غير راضية عن النظام الجديد الذي تبلور في العالم، وهو السبب الحقيقي غير المرئي للضغوط والعقوبات على تركيا.
وأوضح أن الكونغرس الأمريكي هو مرآة بالنسبة للمعضلة الأمريكية تجاه تركيا، مشيرا إلى أن أكثر ما يجعل صناع القرار الأمريكيين يفكرون به اليوم، هو أن حلفاءهم وخاصة تركيا، والدول التي تربطهم بها علاقات وثيقة، لا يأخذون في عين الاعتبار رغباتها والغرب في تفضيلاتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
ونوه إلى أن صناع القرار الأمريكي يقرؤون العالم بعقلية الحرب الباردة، ولكن الواقع الآن تغير في ظل مراكز قوة جديدة آخذة بالظهور، تتميز بأنها جهات فاعلة غير غربية، وأحواضها الثقافية مختلفة تماما عن الغرب.
وتابع بأن العقلية التركية لديها رغبة بتحسين العلاقات مع الجهات الفاعلة غير الغربية في المجالات كافة، وهذه العملية التي تمر بها مهمة للغاية في قراءة التوازنات العالمية المتغيرة بشكل صحيح، ولذلك ستواجه الولايات ودول الغرب في المستقبل مشاكل مختلفة مع اللاعبين الصاعدين غير الغربيين.
عملية البيع مرتبطة بقضايا عدة
الكاتبة التركية نيلغون غوموش، في مقال على صحيفة "حرييت"، ذكرت أن تركيا تريد من إدارة بايدن استخدام نفوذها على الكونغرس الذي يتطلب موافقته من أجل عملية البيع، ولكن إدارة البيت الأبيض أرسل رسالة مفادها، أن موافقة أنقرة على عضوية السويد وفنلندا في الناتو، ستعزز يدها أمام الكونغرس.
وتابعت بأنه في الوقت الذي تدخل فيه تركيا مسار الانتخابات، فإن إدارة بايدن ألقت الكرة على الكونغرس بشأن عملية بيع "أف16".
ورأت أن تسريع عملية بيع "أف35"، والموافقة عليها، مرتبطة بعوامل مختلفة، مثل مسألة انضمام السويد وفنلندا إلى "الناتو"، والتطبيع التركي مع دمشق، والتطورات في أوكرانيا، ومسألة الانتخابات في تركيا.
ولفتت إلى أن بعض الخبراء حتى في اليونان، يرون بضرورة إتمام صفقة "أف16" لتركيا، من أجل البقاء في التحالف الغربي، كما أن أعضاء في الكونغرس يأخذون ذلك في عين الاعتبار.