مقابلات

"العدل والمساواة" السودانية لـ"عربي21": جهود جارية لتعديل "الاتفاق الإطاري"

ينص الاتفاق الإطاري على تدشين مرحلة انتقالية تستمر عامين على أن يتم تشكيل حكومة مدنية بالكامل - عربي21
كشف نائب الأمين السياسي لحركة "العدل والمساواة" السودانية والناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، محمد زكريا، عن جهود جارية الآن لتطوير "الاتفاق الإطاري"، حيث إن هناك "اتصالات غير مباشرة بين الأطراف المعارضة والمؤيدة لهذا الاتفاق، نأمل أن نُحدِث تلك الجهود اختراقا حقيقيا".

وأشار، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن تلك الجهود تهدف للوصول إلى "أرضية مشتركة وبرنامج يشتمل على الحد الأدنى من المطالب، سواء كان بالاستناد على (الاتفاق الإطاري) وتعديله بما يرضي جميع الأطراف، أو معالجة الشوائب والتعقيدات ذات الصلة ببعض القضايا الواردة فيه".

وأوضح أن تغيير موقفهم المعارض للاتفاق الإطاري أمر وارد ومحتمل "إذا ما تمت الاستجابة للدعوات التي أطلقتها قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، وحركة العدل والمساواة، بأن نكون جميعا في قوى الانتقال سواسية، وأن نجلس على مائدة مستديرة واحدة، ولا يكون لطرف فيها أفضلية على طرف آخر، وأن نستند لرؤانا ووثائقنا الخاصة كما يفعل الآخرون".

وشدّد زكريا على ضرورة "معالجة بعض القضايا بين كتلة قوى الحرية والتغيير ككل، حتى نخلق تحالفا واحدا يمثل حاضنة سياسية لحكومة الفترة الانتقالية"، مؤكدا أن "فرص نجاح الاتفاق الإطاري بصيغته الحالية ضئيلة جدا، وإن مضوا في تشكيل الحكومة فإن مصير هذه الحكومة سيكون الفشل الحتمي".

وفي 5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وقّع المكون العسكري في السلطة الانتقالية "اتفاقا إطاريا" مع قوى مدنية وحركات مسلحة بشأن مرحلة انتقالية تستمر عامين على أن يتم تشكيل حكومة مدنية بالكامل.

ووقع العسكريون الاتفاق مع قوى بقيادة إعلان الحرية والتغيير- المجلس المركزي، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وحزب المؤتمر الشعبي، ومنظمات مجتمع مدني، إضافة إلى حركات مسلحة تنضوي تحت لواء "الجبهة الثورية".

ويهدف الاتفاق إلى حل الأزمة السودانية الممتدة منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، حين فرض رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إجراءات استثنائية، منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين واعتقال وزراء وسياسيين وإعلان حالة الطوارئ وإقالة الولاة (المحافظين).

لكن هذا الاتفاق يشهد عاصفة من الانتقادات السياسية والشعبية، الأمر الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات مناوئة له، حيث يرى البعض أن هذا الاتفاق يُقصي العديد من القوى السودانية الأخرى، ولا يحقق العدالة الانتقالية المأمولة.



وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

ما الأسباب الحقيقية التي دفعتكم لرفض "الاتفاق الإطاري"؟


تؤمن قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، وحركة العدل والمساواة، بأن الحوار هو وسيلة الوصول لتوافق عريض بين مكونات الفترة الانتقالية، وبالتالي كنّا السبّاقين في الدعوة لانطلاق عملية حوار سوداني- سوداني شامل بتيسير من المجتمع الدولي.

وكانت الآلية الثلاثية المكوّنة من الاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيجاد، والأمم المتحدة، قد دعت إلى حوار خلال المرحلة الانتقالية، فاستجبنا للحوار برحابة صدر مع أطراف أخرى منها المكوّن العسكري، لكن كانت هناك مجموعة من المجلس المركزي للحرية والتغيير قد رفضت الانضمام لهذا الحوار، فيما مضت الآلية الثلاثية في إدارة حوار لم نعلم موقعه، ولا أجندته، ولا قضاياه، ولا منهجه.. ثم فوجئنا من خلال وسائل الإعلام أننا على أعتاب توقيع اتفاق سياسي إطاري، وأننا -كأطراف الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)- مدعوون لحضور هذه الاحتفالية، وبالطبع رفضنا الحضور لأننا لم نكن جزءا من هذا الحوار، ولا نعلم مضمون الوثيقة التي سيتم التوقيع عليها، وكذلك لا نعلم مَن هي الأطراف التي تمت دعوتها، ولم تصلنا دعوة واضحة للحضور، بالتالي هذا أمر معيب جدا.

ونؤكد على حرصنا على الحوار، وقبولنا بالجلوس مع كافة الأطراف، ونرفض التوقيع على الوثيقة التي تم التوقيع عليها مؤخرا حتى لو كانت تُعبّر عن قضايانا؛ لأن المنهج الذي اُتبع للوصول إليها منهج معيب بشكل جلي.

مَن هي الأطراف التي قامت بإبعاد حركة "العدل والمساواة" عن مفاوضات "الاتفاق الإطاري"؟


مشهد الفترة الانتقالية منذ سقوط نظام المؤتمر الوطني شهد اختطافا بواسطة قلة من مجموعة المجلس المركزي لا تتعدى ثلاثة أو أربعة أحزاب معلومة للجميع، وبالتالي دعوّنا لضرورة إصلاح وهيكلة الحرية والتغيير؛ في محاولة منا لبناء آلية مؤسسية لاتخاذ القرار داخل هذا التحالف العريض، ولكن قوى الاختطاف والإقصاء، والنخب التي تعيد ذات الثقافة والممارسة عبر التاريخ السياسي السوداني باختطاف فترات الانتقال لصالح مشاريع حزبية ضيقة، كرّرت نفس الممارسات المؤسفة ولم تتعظ من التاريخ الغابر، وبالتالي هذه الأطراف مسؤولة مسؤولية تاريخية عن هذا الاحتقان الذي شاب فترة الانتقال.

نحن ندعو جميع السودانيين (قوى الكفاح المسلح، والأحزاب السياسية، والقوى المدنية والمجتمعية، ولجان المقاومة) كشركاء في تشكيل مشهد الانتقال بألا تقوم جهة بعينها بفرض آرائها الحزبية الضيقة في سبيل تحقيق مآرب لا تحقق أهداف الثورة السودانية المجيدة؛ فهذا الأمر رفضته الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) مثلما رفضته حركة العدل والمساواة.

ما فرص إصلاح «الحرية والتغيير» على أرض الواقع؟

نحن دعوّنا لإصلاح "الحرية والتغيير"، ودعني أشير إلى أن قوى الكفاح المسلح مُمثلة في الجبهة الثورية السودانية ورفاقها من القوى المدنية كانوا هم السبّاقون لتأسيس "الحرية والتغيير"، وكذلك هم السبّاقون لكتابة إعلان قوى الحرية والتغيير الذي يُعتبر دستور الثورة السودانية، والذي تأسست بموجبه المكونات وهياكل فترة الانتقال.

ومنذ عام 2011 كانت قوى الكفاح المسلح هي السبّاقة لخلق مركز موحد للمعارضة السودانية عبر محطات تاريخية عديدة بدأت بإعلان كاودا، ثم ميثاق الجبهة الثورية، ثم ميثاق الفجر الجديد في عام 2013، ثم وثيقة إعادة هيكلة الدولة السودانية، ثم إعلان باريس 2014، ثم نداء السودان في عام 2016 حتى توافقنا على إعلان قوى الحرية والتغيير في عام 2018، وطوال هذه الفترة كانت محاولاتنا حثيثة لتشكيل تحالف عريض وسلس تكون فيه العلاقات الرأسية والأفقية واضحة، وتشارك فيه الأطراف وفقا للأوزان الحقيقية دون الإغراء بواجهات وهمية محسوبة على حزب بعينه؛ فهذا ليس من مصلحة العملية السياسية بشيء.

وتبقى الآمال والدعوات من قِبلنا حتى الآن مطروحة لإصلاح وهيكلة "الحرية والتغيير" التي نرى أنها تمثل واجهة لكل جماهير الشعب السوداني المتعطشة للتحول الديمقراطي وللانتقال المدني المستدام.

هل "العدل والمساواة" يمكن أن تغير موقفها من "الاتفاق الإطاري" يوما ما؟ وما هي شروطكم للانخراط ضمن هذا الاتفاق؟


تبقى فرص تغيير الموقف من "الاتفاق الإطاري" واردة الاحتمال إذا ما تمت الاستجابة للدعوات التي أطلقتها الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، وحركة العدل والمساواة ورفاقها بأن نكون جميعا في قوى الانتقال سواسية، وأن نجلس على مائدة مستديرة واحدة، ولا يكون لطرف فيها أفضلية على طرف آخر، وأن نستند إلى وثائقنا مثلما للمجلس المركزي رؤية ووثائق؛ فللكتلة الديمقراطية وللعدل والمساواة وثائق ورؤى للتدابير الدستورية، وللاتفاق السياسي.

ويبقى السؤال: لماذا تقبل بعض القوى الدولية برؤية مكونات وتحالف بعينه وترفض رؤية مكونات وتحالف آخر، بالرغم من أن كلا التحالفين لهما ذات الإسهام في الثورة السودانية المجيدة؟، وأقول بوضوح: نحن منفتحون لتطوير أي وثيقة حالما توافقنا على المنهج، وتجاوزنا التعقيدات ذات الصلة بالأطراف، وإذا تراضينا عدم وجود أفضلية لطرف على آخر.

هل هناك جهود جارية الآن لتطوير "الاتفاق الإطاري"؟ 

هناك اتصالات غير مباشرة بين الأطراف في الكتلة الديمقراطية، وبين بعض المكونات في المجلس المركزي، وهذه الاتصالات بدأت قبيل توقيع ما يسمى بالاتفاق الإطاري الذي لدينا عليه ملاحظات عديدة، ولكن نأمل من خلال "نافذة الحوار الضيقة" هذه أن نُحدِث اختراقا حقيقيا؛ لنصل إلى أرضية مشتركة وبرنامج يشتمل على الحد الأدنى من المطالب، سواء كان بالاستناد على "الاتفاق الإطاري" وتعديله بما يرضي جميع الأطراف، ومعالجة الشوائب والتعقيدات ذات الصلة ببعض القضايا الواردة فيه، أو ذات الصلة بالأطراف التي يجب أن توقع عليه، وكذلك معالجة بعض القضايا بين كتلة الحرية والتغيير ككل؛ باعتبار أن جزء من الأزمة السودانية هو أزمة مدنية - مدنية وإصلاحها يتطلب حوارا عميقا وشفافا وجادا بين المكونات المدنية - المدنية لإصلاح "الحرية والتغيير"، حتى نخلق تحالفا واحدا يمثل حاضنة سياسية لحكومة الفترة الانتقالية.

هل من المحتمل أن يتم الإعلان عن تعديل "الاتفاق الإطاري" خلال الأيام المقبلة؟

تعديل "الاتفاق الإطاري" يبقى في طور المقترحات القابلة للأخذ والرد، ولا أستطيع أن أجزم الآن بأن هذا الأمر سيصبح واقعا في الأيام القليلة القادمة، كما لا أستطيع أيضا أن أنفي بأن هذا الأمر قد يتحقق؛ فالمشهد مفتوح على كافة السيناريوهات، ولكن ما يدعو للتفاؤل أكثر هو أن جميع الأطراف الآن أصبحت موقنة بأنه لا خيار للمضي للانتقال إلا بشمولية جميع الأطراف، وبوحدة القوى المدنية وقوى الكفاح المسلح، بدليل ما واجهه "الاتفاق الإطاري" من رفض شعبي كبير بعد خروج جماهير الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) في شوارع وميادين العاصمة القومية وفي المدن المختلفة، رفضا لهذا الاتفاق الثنائي الإقصائي المعيب. 

وبالتالي فشلت القوى الموقعة على الاتفاق في تشكيل حكومة رغم مُضي نحو ثلاثة أسابيع، ومن ثم الرجوع للكتلة الديمقراطية يعني الاعتراف بأهمية وحدة القوة التي يمكن أن تدعم الاتفاق السياسي.

ولمصلحة استدامة الحل السياسي، لا بد من الوصول لوثيقة جديدة بحكم أن تلك الوثيقة الحالية تُمثل موقف كتلة بعينها، فبالتالي فلندفع جميعا للوصول لوثيقة جديدة تمثل مرجعية أساسية لشراكة حقيقية بين مكونات فترة الانتقال.

رئيس بعثة اليونيتامس، فولكر بيرتس، قال إن الشارع لا يثق في الموقعين على "الاتفاق الإطاري"، رغم أنه يُعدّ أحد عرابي ومهندسي هذا الاتفاق.. كيف استقبلتم تصريحاته؟


الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) تدعو دوما لحوار وطني سوداني- سوداني ويقتصر فيه دور القوى الدولية والإقليمية على التيسير والتسهيل بين الأطراف، لا أن تلعب دور الوسيط، لكن الممارسة السابقة أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن بعض مكونات الآلية الثلاثية أصبحت جزءا من الأزمة بدليل هذه التصريحات المُربكة.

من المعلوم أن مستر فولكر وبعض الأعضاء في الآلية الثلاثية هم مَن توسطوا وأنتجوا "الاتفاق الإطاري"، ولم يمضِ بضعة أيام إلا وانقلبوا عليه بهذا التصريح المُربك، وإن كان هذا التصريح يعكس الواقع الحقيقي للرفض الجماهيري والشعبي للاتفاق الإطاري، إلا أنه يعكس أيضا من زاوية أخرى الإرباك الذي تضفيه الآلية الثلاثية على المشهد السياسي.

لذا، ندعو الآلية الثلاثية أن تقف على مسافة واحدة من كل الفرقاء السودانيين، وأن يقتصر دورها فقط على التيسير دون "التدخل الفاضح" في الشأن السياسي السوداني.

ما فرص نجاح "الاتفاق الإطاري" بصيغته الحالية؟

فرص نجاحه ضئيلة جدا؛ فمن الشواهد التي أدت إلى فشل حكومة الدكتور عبدالله حمدوك التي أولى أسبابها هو الاحتقان الذي نشأ في شرق البلاد، وغربا بإغلاق أنبوب البترول الرئيسي، وشمالا بقطع طريق شريان الشمال الذي تمر عبره البضائع إلى مصر ودول شمال إفريقيا، مما أدى إلى التضييق الاقتصادي الذي كان أحد أسباب خروج الجماهير في الشوارع، ومنع الوزراء من الوصول لمكاتبهم وتعطل دولاب الدولة.

أي اتفاق إطاري ثنائي لن يغير في المشهد، وإنما يتغير المشهد بتناول قضايا أهلنا في كل أنحاء السودان. لذلك، ندعو إلى شمولية الحوار، ومشاركة جميع الأطراف؛ فالأطراف الحقيقية التي تمثل الثقل والوزن السياسي والمجتمعي في الفترة الانتقالية هي خارج هذا الاتفاق باستثناء قلة قليلة من الأحزاب لا تتعدى 3 أو 4 أحزاب، وبالتالي فرص تشكيل حكومة، وتحقيق استقرار على خلفية هذا الاتفاق أراها ضئيلة جدا، وإن مضوا في تشكيل حكومة فان مصير هذه الحكومة بالتأكيد إلى الفشل مثل سابقتها؛ لأن ذات الأسباب لا تزال قائمة حتى الآن.

ما مصير اتفاق جوبا للسلام بعد التسوية السياسية الأخيرة في السودان؟

اتفاق جوبا للسلام واحد من الوثائق التاريخية التي أنتجتها الدولة السودانية، وهو الأول نوعه؛ لأنه خاطب قضايا السودان ككل (في الشرق، والشمال، والوسط، وفي دارفور)، لأنه يناقش الأسباب الجذرية للأزمة السودانية، والتي تؤدي إلى الاحتراب، والتي تدفع الآخرين إلى حمل السلاح، وبالتالي كانت هناك قوى ترى أن هذا الاتفاق يُهدّد مصالحها، ويحرمها من الامتيازات التاريخية التي كانت تتمتع بها، وبالتالي ناهضته حتى لا يكون جميع السودانيين شركاء في إدارة شأن البلاد.

هذه القوى -التي تقوم الآن باختطاف الحرية والتغيير بمجلسها المركزي- هي ذات القوى التي وقعت "الاتفاق الإطاري"، وبالتالي نحن نؤكد أن المخرج الآمن لاستدامة الاستقرار والانتقال الديمقراطي في السودان بالالتزام بتنفيذ اتفاقية جوبا للسلام.

اتفاقية جوبا للسلام حقنت الدماء، وحققت ولو شيء يسير من الأمن والاستقرار، وقدّمت وصفة علاجية لكثير من الأزمات التي أقعدت الدولة السودانية. لذا، نرفض رفضا باتا وقاطعا المساس بهذه الاتفاقية؛ فالمساس بها يعني الدعوة للحرب وفتح أبواب اجتهدنا في إغلاقها، ونحن لا نُهدّد، بل نحن دعاة سلام، ولكن حينما تُنقض هذه الاتفاقية فإنها ستُقدّم مبررات لأطراف أخرى لحمل السلاح؛ لأن هذه الاتفاقية عالجت أسباب الظلم، والتهميش وعندما تلغيها فأنت تؤسس للظلم والتهميش، وبالتالي تفتح الباب لكل صاحب حق أن يتخذ ما يراه مناسبا من الوسائل لرد الأمور إلى مسارها الصحيح.

لماذا ترفضون أي تعديل لاتفاق جوبا؟


من سمات الدولة السودانية بتاريخها الطويل: نقض العهود والمواثيق، حدث ذلك في عام 1972 حين تم التوقيع على اتفاق بين المكونات في جنوب السودان -الذي استقل بعد ذلك وانفصل- وبين الدولة المركزية السودانية، كما حدث أيضا في عام 1983، كما حدث كذلك في اتفاقية أبوجا 2008 عندما نقضت الحكومة المركزية هذه الاتفاقية، وأدى ذلك لتجدّد الثورة في دارفور.

وبالتالي فنقض الاتفاقات أدى لاستقلال جنوب السودان كأحد أبرز الآثار على مثل تلك الممارسات، وانطلاقا من الأرضية الوطنية باعتبارنا مهمومون بوحدة السودان وسلامة أمنه وشعبه: نخشى أن يؤدي نقض هذه الاتفاقية إلى ذهاب جزء عزيز من وطننا الحبيب سواء كان في دارفور أو في المنطقتين أو في شرق السودان، وهذا يُهدّد ويضرب وحدة البلاد.

وندعو صادقين القوى المركزية إن كان هناك عيب في هذه الاتفاقية فلنصلحه بالملاحق؛ فنحن لم نقل أن هذا الاتفاق قرآنا منزلا، ولكن ندعو الآخرين لاستكمال أي نقص في هذا الاتفاق بالملاحق.

الذين يدعون الآن لإلغاء هذه الاتفاقية على استحياء هم الذين فاوضونا في جوبا ووقعوا معنا هذه الاتفاقية، فلماذا قبلوا بما تم التوافق عليه في جوبا 2020 ثم جاءوا بعد قرارات 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 ليغيروا مواقفهم؟، إذن هذا الأمر يأتي في إطار المزايدات والخصومة السياسية الرخيصة، ولا يضع اعتبارا للمصلحة الوطنية.

وموقفنا الرسمي والواضح أن هذا الاتفاق ملكا لكل السودانيين، ويجب ألا يكون رهينة قلة مختطفة إقصائية لا تهمها المصلحة الوطنية، وتفتح أبوابا للحرب، ولضرب وحدة السودان؛ إرضاءً للمشاريع الحزبية الضيقة، وهذا ليس موقفنا نحن في قوى الكفاح المسلح، وإنما هو موقف غالب الشعب السوداني، وموقف المجتمعات التي ذاقت وبال الحرب، وسحلتها طائرات نظام الإبادة الجماعية، وخلّفت مئات الآلاف من القتلى لا تزال المعسكرات، والمظاهر الإنسانية شاهدة على هذا الجرم الإنساني.

نحن لا نريد لهذه الأزمة أن تستمر لحساب تحقيق أهداف نخب مركزية هي جزء من أزمة السودان.

رئيس حزب المؤتمر، عمر الدقير، قال إن هناك بعض القضايا في اتفاق السلام بحاجة لمراجعة وإعادة نظر كمسألة الترتيبات الأمنية، وتغيير هيكل السلطة الانتقالية في مجلس السيادة.. ما تعقيبكم؟


موضوع تغيير هيكل السلطة الانتقالية يوضح لك أن القوى التي تدعو إلى تعديل وتغيير الاتفاق إنما تنطلق من المحاصصة السياسية، وما آلمهم فقط هو أن يكون جزء من أبناء السودان (في الغرب أو الشرق أو الشمال أو الوسط) من هياكل الانتقال، أو جزء من آلية اتخاذ القرار في البلاد، وهذا جزء يسير منحته الاتفاقية التاريخية لأبناء السودان ككل. وبالتالي هذا الأمر شكّل ضيقا للنخب المركزية التي كانت تستأثر بالقرار. لذا، لا تجد خجلا أو حرجا في أن تطالب بمراجعة مثل هذه الأشياء.

نحن الذين أنتجنا الاتفاق مع رفاقنا الآخرين، وبالتالي يجب أن نكون شهودا على تنفيذه من خلال تواجدنا اليسير والرمزي في هذه الهياكل الانتقالية.

قضية الإقليم واحدة من المطالب الأساسية التي طالبت بها قوى الكفاح المسلح، وهي سبب جذري لقيام السلطات باعتبار السودان يعاني من اختلال بيّن في توزيع الثروات، وتوزيع السلطات بين أقاليمه، واستئثار جهات بعينها -رغم قلة كثافتها السكانية- بالقرار، وبالموارد على حساب مجموعات أخرى ذات ثقل سكاني.

الذين يطالبون بتعديل هذا الاتفاق، وإلغاء هذه الأقاليم إنما يكشفون عن نيتهم في أن يكون السودان فقط في "المركز"، وأن يستأثروا بالامتيازات التاريخية، وهذا أمر سيُعقّد ويُهدّد الوحدة الوطنية.

أنتم متهمون بأنكم أداة في يد المجلس العسكري، فما هي طبيعة العلاقة بينكم وبين المؤسسة العسكرية؟


نحن قوة قاتلت وناضلت وقدّمت الشهداء مثل الدكتور خليل إبراهيم مؤسس ورئيس حركة العدل والمساواة السابق، والقائد عبدالله البكر، وقدّمت الشهداء في النيل الأزرق، وقدّمت الشهداء في شرقنا الحبيب، وفي الشمال من أجل الديمقراطية، ومن أجل كرامة الإنسان السوداني، وأن ينعم السودان بالوحدة وبالعدالة التي تجعل من كل السودانيين سواسية، وشركاء في المواطنة، وبالتالي لم ولن نحيد عن هذه القيم، ولن نخون دماء الشهداء من أجل الجلوس على كراسي السلطة.

فالدعوات بأننا نتماهى مع المكون العسكري دعوات باطلة، ويفنّدها تاريخنا الطويل في النضال ضد الديكتاتوريات، وضد الأنظمة الشمولية، ورغم ذلك نرى أن المكوّن العسكري والمؤسسة العسكرية لها دور وطني رائد؛ فهي التي تدفع ثمن الحرب، وجنودها الذين يموتون هم من أبناء الشعب السوداني إذا نشبت الحرب في الهامش السوداني العريض، وبالتالي هي الأكثر تقييما للسلام والأكثر حرصا عليه، على عكس القوى الحزبية التي تعيش في المركز ولا تهتم بأنّات الثكالى والأرامل في معسكرات النزوح والذل، التي يقطنها أكثر من اثنين مليون نازح يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

لا توجد أي وثيقة بيننا وبين المكون العسكري غير اتفاق السلام الذي وقعناه مع الحكومة السودانية، ونتحدى أي طرف أن يبرز مثل هذه الوثيقة؛ فنحن ندعو لانتقال مدني، وديمقراطي وأن تكون جميع مكونات الفترة الانتقالية بما فيها المؤسسة العسكرية والمكونات المدنية سواسية في إدارة الشأن السوداني.

الدعوات بأننا حلفاء للمؤسسة العسكرية تأتي من الخصوم السياسيين الذين همهم فقط ضرب وحدة واستقرار فترة الانتقال، وهم ذاتهم الذين ذهبوا وجلسوا إلى العسكر في 17 آب/ أغسطس 2019، رغم تنبيهاتنا وتحذيراتنا بألا يفعلوا ذلك، ولكنهم لم يرعووا، ولم يستمعوا إلى صوتنا الوطني، فمضوا وأنتجوا الوثيقة الدستورية التي أدت إلى هذا الفشل الذي نعيشه الآن، وهم ذاتهم الذين لم يستمعوا ولم يتعظوا كذلك من التاريخ ومضوا بالأمس القريب في 4 كانون الأول/ ديسمبر نحو التوقيع على ما يسمى بالاتفاق الإطاري السياسي مع المكوّن العسكري، بالمخالفة للقوى المدنية العريضة، فمَن الذي تحالف مع العسكر؟

ومن الذي يدعو ليكون الجميع شركاء في مشهد الانتقال؟، الأمر واضح، دعونا من المزايدات السياسية التي تسوّقها بعض القوى السياسية لتبرير أجندتها الحزبية الضيقة، وعلينا أن نرتقي كقوى سياسية سودانية فوق كل هذه المهاترات، وأن نلتقي حول برنامج لحد أدنى يجعل منا كعسكريين ومدنيين شركاء في إدارة العمل الوطني، ووصولا لانتخابات تؤسس لديمقراطية مستدامة.

أخيرا، ما الخطوات التي تعتزم العدل والمساواة اتخاذها خلال الفترة المقبلة؟


سنعمل مع رفاقنا وحلفائنا في الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية على إعلاء راية الحوار التي ما زلنا متمسكين بها، وكذلك التمسك بأهداف الثورة السودانية التراكمية المجيدة في تحقيق السلام وتنفيذه، وعدم المساس بمكتسبات السلام في الدعوة لتحقيق العدالة الانتقالية، وتحقيق الإنصاف في الدعوة التي تعني كذلك العدالة في المشاركة في السلطات، وأن نمد أيادينا بيضاء لقوى "الاختطاف" تلك القوى رفعت شعارات "لا شراكة، لا حوار، لا تفاوض" ثم ذهبت سرا وفاوضت المكوّن العسكري، وأنتجت اتفاقا معيبا، سنمد أيادينا بيضاء لكي ندرك ما يمكن إدراكه من أجل الوطن.