"الكلام أو الموت"؛ هو عنوان كتاب مهم للمفكر المرموق "مصطفى
صفوان" (وهو أيضا المترجم الأديب صاحب ترجمة كتاب "العبودية المختارة").
والكتاب من ترجمة الدكتور "مصطفى حجازي" الذي أكد أن هذا التعبير ذو
دلالة بالغة على حرية التعبير والتفكير وبالنتيجة في امتلاك الإنسان لذاته، ذلك
أننا بدون التعبير والتفكير نكون بصدد الموت الكياني ولا يتبقى لنا سوى الحياة
البيولوجية، أوَ ليس حظر القول وقمع الفكر هما الآفة الكبرى التي تفرضها أنظمة
الاستبداد؟
ووفقا لرسالة الكتاب فإن قانون الكلام هو المؤسس للكلام والملزم للطرفين
والناظم للعلاقات بينهما، إنه قانون سابق على الوعي الفردي، والقوانين الوضعية
التي يسنّها البشر، وهو الذي يجعل المجتمع الإنساني ممكنا، إذ يحكم علاقة الإنسان
مع ذاته ومع الآخرين كما يحكم المجتمع، وإذ يكون الجميع متساويين. وهو تحديدا
قانون حصانة الآخر ومنع قتله أو الاعتداء عليه، وقانون منع الكذب وتثبيت مصداقية
الكلام والالتزام به، والتي من دونها ينهار الرباط الإنساني. أوَ ليست جل
الاختلالات الاجتماعية نابعة من الكذب والخداع والتضليل التي تشكل تنكرا لهذا
القانون العام ومعها كل حالات الاستبداد والاستغلال؟ إنه قانون يحل عند الإنسان
محل الغريزة وما تمارسه من ضوابط عند الحيوان في تصرفاته.
إن امتلاك حق الكلام جعله الكاتب دونه الموت، وهي المعركة الأساسية لثورة
يناير شاء من شاء وأبى من أبى، وهي الأساس في العقاب المتربص الذي يتعرض له أبناء
هذه الثورة من منظومة الاستبداد لنظام الثالث من تموز/ يوليو، الذي بحكم طغيانه
واغتصابه للخطاب من جملة ما استولى عليه يوزع قسرا الكلام والسكوت معا، وأدى بهم
ومن شارك في الثورة وفي أمل التغيير الذي حملته إلى مصائر متفاوتة؛ بين السجن أو
النفي أو الموت، ولا يزال الشعب تحت المطاردة (سواء بالقتل خلال التظاهرات
والاعتصامات والاعتقالات) أو الصمت.
أهمية معركة علاء عبد الفتاح؛ لأنها ببساطة هي معركة ثورة يناير ذاتها، فمعركة الحياة التي يخوضها علاء عبد الفتاح في محبسه، هي جولة من جولات يناير. وهنا لا نبالغ، لأن النظام نفسه ينظر إليها هكذا، وإذا أردنا النصر يجب على الأقل معرفة مستوى إدراك خصمنا للمعركة ولقوته وقوتنا وصلابة إرادتنا
ومن هنا تأتي أهمية
معركة علاء عبد الفتاح؛ لأنها ببساطة هي معركة ثورة
يناير ذاتها، فمعركة الحياة التي يخوضها
علاء عبد الفتاح في محبسه، هي جولة من
جولات يناير. وهنا لا نبالغ، لأن النظام نفسه ينظر إليها هكذا، وإذا أردنا النصر
يجب على الأقل معرفة مستوى إدراك خصمنا للمعركة ولقوته وقوتنا وصلابة إرادتنا.
ومن ثم فإن الدور الكبير الذي يمارسه إعلام نظام الثالث من تموز/ يوليو بترويج
الأكاذيب وإعادة إنتاج السرديات الزائفة والاتهامات الباطلة للمعارضين، هو بمثابة
رأس الحربة لهذا النظام في تلك المعركة، خصوصا بعدما وصل الأمر إلى ذروته في
التضييق على حرية التعبير، وباتت أخبار
توقيف واعتقال المصريين متلاحقة، وإذا ما
أفرجت سلطات الانقلاب على عدد من السجناء تحرص على اعتقال أضعافهم وكأنها حريصة
على أن تحتفظ بمركزها الأول في عدد السجناء على مستوى العالم، وباتت تتباهى بتشييدها
أكبر سجن جعلت من شعار الترويج له ببجاحة منقطعة النظير "فرصة للحياة"،
مع أغنية صاحبت هذا الإعلان، وسمّت أحد سجونها "سجن المستقبل".
ونحن نشرع في كتابة هذا المقال هجمت قوات الأمن على بيت أحد الصحفيين
واعتقلته، ومن قبله اعتقلت صحفية تجاوزت الستين من العمر من منزلها أيضا، وليس لها
أي توجهات سياسية، كما تم اعتقال محام. والتهم جاهزة وخطيرة، وهي "مساعدة
جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها"، هذه الاتهامات الجاهزة التي باتت تقيّم
الناس وتصنفهم وفق حالة مكارثية تفتش في الضمائر، وتحاول أن تسد كل أبواب التعبير
عن الرأي بأي شكل من الأشكال، حتى ولو كان الأمر مجرد كلمة أو كلمتين على مواقع
التواصل الاجتماعي توضح معنى عنوان ذلك الكتاب المهم "الكلام أو الموت".
التهم جاهزة وخطيرة، وهي "مساعدة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها"، هذه الاتهامات الجاهزة التي باتت تقيّم الناس وتصنفهم وفق حالة مكارثية تفتش في الضمائر، وتحاول أن تسد كل أبواب التعبير عن الرأي بأي شكل من الأشكال، حتى ولو كان الأمر مجرد كلمة أو كلمتين على مواقع التواصل الاجتماعي
الأخطر من ذلك أن يفتخر إعلاميو "السيسي" بما يملكون من أوعية
إعلامية وخطاب إعلامي دنيء؛ بأن لديهم شهادة دولية بتميزهم وخصوصا في حرية التعبير.
على سبيل المثال، قناة صدى البلد: "وسائل الإعلام الدولية تؤكد أن مصر تطبق
حرية الرأي والتعبير"، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن أي حرية تعبير يتحدثون،
في ظل ما نعيشه من حجب وقمع وقتل وتضييق طال كل شيء حتى بات من المستحيل أن نقول
"مصر المحروسة"، ولكن أصبح الممكن والمتاح أن نقول "مصر
المحبوسة" أو "مصر المخنوقة" وعليك أن تختار ما بينهما. ولا شك أن
الجو معبأ بتسميم إعلامي ممنهج؛ في ظل ما نعيشه من إعلام اللحظة القائم على أولئك
الذين يمثلون كلاب حراسة، أو حمَلة مباخر لمنظومة الفاشية التي سادت وعمت.
من ناحية أخرى، ينتقد قائد الانقلاب ويتهمه بالفشل في تسويق المشاريع
والإنجازات التي تحققت، ويصفه بعدم الفاعلية في مقارنته بالإعلام المعارض، ولكنه
يتجاهل تماما البحث في أسباب عدم الفاعلية لأنه يعلمها جيدا. فإعلامه يفتقد كل
عناصر المصداقية والنزاهة، فلا مهنية يعرفون، ولا حرفية يتبعون، ولا جدارة يملكون،
ولكنها كلمات أشبه بالسباب والهجاء والتهديد لكل من تسول له نفسه أن يقول كلمة..
منظومة إعلامية بات الفشل عنوانها، والفاشية عملها، والفساد ديدنها، فقط تنشغل بكل
أمر يتعلق بالإعلان عن هذا المستبد الذي يرهب قومه بكل أشكال الترويع، وبكل مداخل
التجويع في محاولة صناعة حالة القطيع.
ما علاء عبد الفتاح إلا نموذجا في هذا المقام، فهو يحاسب عن يوم أبدى فيه مواقفه وانتصر لثورة يناير وعبّر عنها
إن هذا الإشكال الذي يتعلق بالمستبد الغادر الذي تطارده غدرته لا يجد إلا
إعلاما كاذبا يحتمي خلفه، رغم أنه في البداية والنهاية لا يقدر أو يحترم هذا الإعلام
في قراره نفسه ولا يعتبره فاعلا، ويحرص دائما على نكزه والتأكيد على أن إعلام
المعارضة يقيم الدنيا ويقعدها ويهدر قيمة ما يفعله (المستبد) من إنجازات، بإمكانات
محدودة، ولكنه إعلام مؤثر وقوي. ويتجاهل المستبد أن إعلامه الذي اعتاد على الكذب
وصناعة الافتراء، لا ينشغل إلا بقتل الشرفاء في هذه الأمة معنويا وفكريا وجسديا
وماديا، وهو يعبّر بصورة فجة عن هذا الاستبداد الفاجر الذي يعتبر أن قضيته الأولى
هي قتل وإفقار المصريين، وكسر أي قلم يذود عن هذا الوطن والمواطن، فالمستبد لا
يتحمل الكلمة طالما قاومت استبداده، ولا يتحمل المواقف مهما كانت نادرة أو حتى
محدودة، وهو لا يرى إلا كرسي الحاكم وخادميه من زبانية السلطة وعبيد الاستبداد
الفرعوني الفاشي.
الذي لا يغيب عن أحد أن هذا الإعلام المأجور يلعب دورا محوريا في ترسيخ
استبداد السلطة التي احترفت توزيع الكلام والسكوت على عموم الناس استبدادا بهم،
وامتلاكا لحياتهم، وما أخطرها من سياسة أن تجعل السلطة أحد أهم مهماتها أن تكمم
الأفواه وتمارس القتل بأنواعه في كل جنبات المجتمع. وما علاء عبد الفتاح إلا
نموذجا في هذا المقام، فهو يحاسب عن يوم أبدى فيه مواقفه وانتصر لثورة يناير وعبّر
عنها. وكما أشار أحد أهم الناشطين (محمد كمال): "علاء مش بينتحر، علاء بيخوض
واحدة من أشرف المعارك في التاريخ، قرر يستخدم جسمه في المقاومة مش بس عشانه ولكن
عشان عشرات الآلاف من المظلومين وراء قضبان الظلم، دورنا نكون صوت علاء وكل اللي
معه.. شرف لأي حد يشارك في المعركة دي لأنه بيدافع وبيحاول يكون صوت كل المظلومين
في وسط العبث والجنون اللي شايفينه حوالينا"، بينما ينظر وزير خارجية النظام
الانقلابي باستخفاف وسخرية من فعل علاء الحر؛ ومنذ متى يمكن أن يتفهم هذا الموظف
العبد معاني الحرية والإرادة التي نتحدث عنها؟
حرية المناخ في مصر ومناخ الحرية هو الأولى بالتقديم والتقدير والاهتمام.. فمن ارتكب مجازر البشر لا يتوانى عن ارتكاب مجازر المناخ والشجر.. والاستبداد بالبشر هو استبداد بالمناخ والبيئة والشجر
نعم نحن نُحاسَب على مواقف يعتبرها المستبد خطيئة أصلية، نُحاسب على تمسكنا
بمبادئنا، بقيمنا، بحريتنا، نحاسب على انشغالنا بكل ما يؤدي إلى رفعة الوطن وتحقيق
كرامة المواطن، وهو يستبد بالمناخ والبيئة كما يستبد بالإنسان والمواطن؛ إنه فقط
لا يُحدث مجازر في البشر، ولكنه يحدث مجازر في الخضرة والشجر.. وفرّط في مياه
ومقدرات مصر بما لا يخطر على قلب بشر..
وبحسب ما تضمنه بيان الاشتراكيين الثوريين، فإن هذا النظام "يحاول تجميل
وجهه الاستبدادي القبيح بينما هو يقمع الشعب، فقط لينال ثقة الحكومات والمؤسسات
والمستثمرين على المستوى الدولي. وبالقدر نفسه، يتجمَّل النظام بحملات دعائية
وترويج إعلامي تحث على حماية البيئة والمناخ، بينما يعمل على قدم وساق على تدميره"؛
وأثبتوا في بيانهم انتهاكات النظام في حق البيئة والمناخ
حرية
المناخ في مصر
ومناخ الحرية هو الأولى بالتقديم والتقدير والاهتمام..
فمن ارتكب مجازر البشر لا يتوانى عن ارتكاب مجازر المناخ والشجر.. والاستبداد
بالبشر هو استبداد بالمناخ والبيئة والشجر.. فليس أقسى على بني البشر من مقاومة
المستبد بحياتهم حتى لو كان في ذلك موت محتمل أو منتظر.. إنها رسالة علاء عبد
الفتاح إلى بني البشر وإلى هؤلاء الذين تجردوا من الإنسانية.. وصاروا وحوشا آدمية
لا يحسبون بها على بني البشر.
twitter.com/Saif_abdelfatah