تعتبر بلدة سبسطية الواقعة شمال الضفة الغربية المحتلة، واحدة من أهم المواقع التاريخية التي لعبت دورا مهما في مركز الحكم على مدى الحقب التاريخية المتتالية منذ أكثر من 6 آلاف سنة، وهي الآن تعاني من الاعتداءات الإسرائيلية التي باتت تهددها.
وتقع البلدة بحسب الدكتور مفيد صلاح، مدير دائرة آثار نابلس في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية على مسافة 10 كم شمال غربي مدينة نابلس باتجاه مدينة جنين، وهي تحتضن المدينة الأثرية التي يطلق عليها إضافة الى سبسطية "السامرة"؛ حيث تقع على التلة المشرفة على البلدة من جهة الغرب والتي ترتفع حوالي 430م عن سطح البحر.
وقال صلاح لـ "عربي21": "لبلدة سبسطية تاريخ طويل بداء مع الكنعانيين مرورا بالعصر الحديدي والأشوريين واليونانيين والرومانيين والبيزنطيين والعرب والصليبيين وانتهت مع الفلسطينيين في العصر الحالي".
وأضاف: "تعود أقدم آثار سبسطية كما دلت الحفريات الأثرية إلى العصر الحجري النحاسي (4000 ق.م) ومنذأHوائل العصر البرونزي (3000-2000 ق.م) حيث سكن الكنعانيون القمة الصخرية من سبسطية".
مفيد صلاح مدير مديرية آثار نابلس
وأوضح أن الموقع لم يكتسب اهمية سياسية إلا بعد سنة 876 ق.م عندما بنى الملك عمري مدينة سماها سماريا نسبة إلى الشخص الذي باع له التل المعروف باسم (شومر أو شيمر) وهو سادس ملوك الدولة الإسرائيلية الذي اشترى التلة من شامر بقنطارين من الفضة وأنشأ عليها مدينة السامرة عام 876 ق.م وجعلها عاصمة بدل ترسة (تل الفارعة الشمالي) وذلك للسيطرة على طرق التجارة التي كانت تعبر فلسطين إلى الممر الساحلي للبحر المتوسط.
وقال: "بعد توطيد الملك عمري الحكم فيها أقام حلفا تجاريا مع أقوى مجاوريه فينيقيا متخذا إيزابيل زوجة ابنه (احاب) وهي أميرة فينيقية وهي ابنة ملك صيدا".
وأضاف: "خلال تلك الفترة لم تتأثر السامرة بالتجارة والثقافة والفن المعماري فحسب وإنما أيضا بالديانة الفينيقية وما أن بنيت السامرة حتى قام نزاع بين (بنهدد) ملك آرام وعمري، فقد أقام ملك آرام أسواق في السامرة، وفي فترة (يربعام الثاني 784-748 ق.م) وصلت السامرة إلى أقصى اتساع لها".
وتابع: "في عام 722 ق.م احتل سرجون الثاني السامرة وسبى الكثير من أهلها وأهل المنطقة ونفاهم إلى مناطق نائية وقد عرف هؤلاء في التقاليد اليهودية باسم القبائل العشر الضائعة وقد أصبحت المدينة بعد فتحها وإخضاعها مركزا لمقاطعة السامرة الآشورية".
وأوضح صلاح أن البلدة تعرضت للتدمير سنة 331 ق.م بعد احتلال الإسكندر لها وأعيد بناؤها كمدينة على النمط الهلنستي وأسكن الإسكندر جنوده المقدونيين فيها في حين نفى سكانها السامريين إلى شكيم.
وأشار إلى أن المدينة دمرت مرة أخرى على يد يوحنا هيراكانوس الحزموني سنة 108 ق.م.
وقال: "في سنة 63 ق.م زمن بومبي أصبحت السامرة مدينة رومانية جزءا من مقاطعة سوريا أهداها الإمبراطور أغسطس سنة 30 ق.م لـ هيرود والذي بدوره أعاد بناءها وسماها سبسطية إكراما لأغسطس وأسكن فيها أتباعه الوثنيين".
وأضاف صلاح: "دمرت المدينة مرة ثالثة خلال ثورة اليهود ضد روما 66 ـ 70 م، وفي القرن الثاني الميلادي قام سبتيموس سيفيروس الحاكم الروماني لفلسطين بترميم المدينة الهيرودية وأضاف إليها الكثير من الأبنية الجديدة في محاولة للتقليل من دور نابلس التي كان أهلها معادين لروما ومنحه سبسطية سنة 200م مكانة مدينة رومانية وسمح لها بموجب ذلك بإصدار عملة خاصة بها ".
وأشار إلى أنه بعد انتشار المسيحية سنة 324م في فلسطين والامبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي بدأت مدينة سبسطية بالضمور.
وأوضح صلاح أنه في أوائل القرن الرابع الميلادي تم الاعتراف بالمسيحية كديانة قانونية في الإمبراطورية الرومانية وانقسم سكان سبسطية بين المسيحية والوثنية وأصبح مسيحيها طائفة ذات شأن وأضحت سبسطية مركز لأسقفية، وقد كان أول أساقفتها ماكر ينوس.
وأشار إلى أن الفرس الذين اجتاحوا فلسطين عام 614م دمروا سبسطية، وأنه بحلول عام 636م دخل المسلمون سبسطية بقيادة عمرو بن العاص وذلك دونما قتال وقد أعطى أهلها الأمان على أن يدفعوا الجزية والخراج أسوة بباقي أرجاء فلسطين وبقيت على حالها حتى الاحتلال الصليبي لها عام 1099 م.
وقال: "ظلت سبسطية مهجورة حتى زمن الاحتلال الصليبي، وفي القرن الثاني عشر الميلادي أضفت السيطرة الأوروبية الصلبية حياة جديدة عليها وتم إعادة ما دمر فيها".
وأضاف: "في عام 1087م دخل الناصر صلاح الدين الأيوبي سبسطية بعد معركة حطين وتحرير المسجد الأقصى من الصليبيين لتحظي في الفترة العثمانية بالاهتمام من قبل السلاطين العثمانيين.
وأوضح أن سبسطية يقع فيها عشرات المواقع الأثرية والتاريخية، مشيرا إلى أن أهم المواقع فيها هي: الدير: (كنيسة يوحنا المعمدان او مسجد مشهد زكريا)، الساحة العامة الرومانية forum ، البازيليكا (المحكمة) basilica، ( الملعب، الميدان) stadium، المدرج الروماني، معبد أغسطس، البرج اليوناني الشمالي، معبد كور kore، القصر الملكي من العصر الحديدي الثاني، البوابة الرومانية الغربية والسور، شارع الأعمدة الروماني، الكنيسة الغربية، المقابر الأثرية، والمقبرة الرومانية الأخرى.
وتطرق صلاح إلى دور وزارة السياحة والآثار في الحفاظ على المواقع الأثرية من الضياع والاندثار، مشيرا إلى أن وزارته وضعت العديد من الأهداف لتحقيقها من خلال خطط عملها التي تقوم بها والتي تتمثل في زيادة حصة فلسطين من السياحة الوافدة إلى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وإلى الديار المقدسة بشكل خاص، واستغلال المردود في تنمية القطاع السياحي الفلسطيني لتشكل مصدر رئيسي للدخل القومي الفلسطيني وزيادة تشغيل للأيدي العاملة وخلق فرص عمل جديدة.
وشدد على أنهم يعملون على تثبيت وجود فلسطين على الخارطة السياحية الدولية كمقصد سياحي آمن ومستقل يمتاز بغناه وجماله الثقافي والحضاري والطبيعي.
وقال: "نعمل على توضيح الصورة الحقيقية عن فلسطين والفلسطينيين على المستوى العالمي بعد أن تعرضت هذه الصورة في السنوات الماضية إلى التشويه من قبل الاحتلال الإسرائيلي كذلك زيادة الوعي العالمي للمنتوج السياحي الفلسطيني وللثقافة والحضارة الفلسطينية واستخدام السياحة كمنبر إعلامي مهما لإيصال رسالة فلسطين الى معظم القطاعات السياحية العالمية".
وأضاف: "كما نعمل على تطوير المواقع السياحية الثقافية والأثرية والدينية وتنفيذ مشاريع الكشف والترميم والصيانة والتهيئة لجعلها أماكن جذب سياحي، وخاصة أن معظم المدن والقرى الفلسطينية غنية بالمواقع الأثرية والدينية والثقافية، حيث هدفت الوزارة إلى تحقيق شمولية العمل في جميع محافظات فلسطين من الشمال الى الجنوب وذلك لتهيئة أكبر عدد من المواقع في المحافظات لتكون قادرة على استقبال السياح لضمان توزيع الفائدة على أكبر عدد من قطاعات المجتمع المحلي وتعزيز المنتوج السياحي الفلسطيني".
وأوضح أنهم يعملون على استقطاب أكبر عدد من المؤسسات السياسية والسياحية العربية والعالمية لفضح الممارسات الإسرائيلية التي تسعى الى ضرب السياحة الفلسطينية كأحد أهم عناصر الاقتصاد الفلسطيني، وللضغط على الاحتلال لاحترام الاتفاقيات والمعاهدات السياحية والاقتصادية المبرمة وخاصة المادة العاشرة من بروتوكول باريس .
وشدد على أنهم يعملون من أجل الوصول إلى فئات مستهدفة جديدة في الأسواق العالمية وذلك من خلال سعي الوزارة للوصول إلى المجموعات المحفزة سياسياَ والمتعاطفة مع الشعب الفلسطيني، وبعض المجموعات المحفزة دينياَ ومجموعات المراقبة وحقوق الإنسان وغيرها.
وأكد على أنهم يعملون على فتح أسواق جديدة يمكن الوصول إليها وإقناعها بزيارة فلسطين حتى في هذه الظروف وهي بالتحديد دول شرق أوروبا وعرض المنتج السياحي الفلسطيني بأنماط جديدة إلى جانب المنتج التقليدي الديني.
واستعرض المسؤول الفلسطيني اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على بلدة سبسطية مؤخرا والتي كانت تتمثل في الاقتحامات والاعتداءات من قبل الجيش الإسرائيلي وعصابات المستوطنين، مشيرا إلى أنه سجل منذ مطلع العام الجاري 80 اعتداء.
وقال: "شهدت سبسطية الكثير من المعاناة والتي تمثلت في اقتحامات للموقع الأثري، واعتداء على المواطنين وإطلاق النار عليهم، وإغلاق حاجز شفي شمرون، وتوقيف أعمال تأهيل مدخل البلدة، وكذلك إيقاف عمال النظافة ومنعهم من تنظيف المواقع الأثرية، وهدم منزل عائلة في سبسطية، وإغلاق الطريق بين برقة وسبسطية".
وأضاف: "إن أحدث هذه الاعتداءات هو إخطار من قبل ما يمسى (الإدارة المدنية) وجيش الاحتلال ومجلس عصابات المستوطنين لإزالة شبكة الكهرباء من شارع الأعمدة وإعطاء مهلة لمدة 4 أيام".
وأوضح أن سبب ازدياد الاعتداءات يرجع إلى منع المواطنين في سبسطية من مساعدة إخوانهم في برقة بعد الأحداث التي حصلت في مستعمرة حومش، وكذلك لمنع السياحة إلى سبسطية كون أن سبسطية يزورها مئات السياح يومياً.
ومن جهته أكد محمد عازم، رئيس بلدية سبسطية أن بلدته تميزت بموقعها الجغرافي الذي يربط ثلاث محافظات في شمال الضفة وهي نابلس طولكرم جنين.
وقال عازم لـ "عربي 21 ": "تقع سبسطية على تلة ارتفاعها عن سطح البحر ٤٦٠ م، وتتميز بتاريخها وعراقتها وموروثها الثقافي الذي يزيد عن 6٠٠٠ عام".
وأضاف: "يوجد في بلدة سبسطية العديد من المواقع الأثرية والتاريخية وكذلك المواقع الدينية، والتي تم اكتشافها حتى عام ١٩٦٧م وهو العام التي وقعت فيه تحت الاحتلال الإسرائيلي".
محمد عازم.. رئيس بلدية سبسطية
وأوضح ان أهمية البلدة تكمن في كونها تقع على طريق الحج المسيحي من القدس وبيت لحم وبئر يعقوب والناصرة، مشيرا إلى أن هذا يمثل جزءا من تاريخ البلدة التاريخي والديني.
وقال رئيس بلدية سبسطية: "سميت بلدة سبسطية بهذا الإسم نسبة إلى الإمبراطور الروماني الذي حكم بلدة سبسطية ويعني المبجل والموقر ويعرف باسم أغسطس وهو رجل روماني ورجل عسكري وتولى حكم سبسطية في ٢٧ ق. م ".
وأضاف: "تبعد سبسطية عن مدينة القدس ٨٠ كم، وهي عاشرت كل العصور منذ العصر الحجري ( ١٠٠٠٠ ق. م) في عهد الكنعانيين، والعصر البرونزي (٣٠٠٠ ق. م)، والعصر الحديدي (٨٠٥ ق. م)، والعصر اليوناني( ٣٣١ ق م)، والروماني (٦٣ ق. م )، والبيزنطي (٣٦٠ م)، والاحتلال الصليبي (١٠٩٩م)، الفترة الأيوبية (١١٨٧م)، والحكم الإسلامي انتهاء بـ (العهد العثماني ١٥١٦م)، ومن ثم الاحتلال البريطاني (١٩١٧م)، فالاحتلال الإسرائيلي ١٩٦٧م.
وتابع: "تقع سبسطية تقع تحت الاحتلال الاسرائيلي منذ عام ١٩٦٧م وحتى اللحظة، وبعد اتفاقية أوسلو عام 1993م بقين المواقع الاثرية في سبسطية ومساحتها نصف مساحة سبسطية والبالغة ٥٠٠٠ دونم تحت ما يسمى مناطق (ج) ويفرض عليها الاحتلال والعصابات الاستيطانية قيود كبيرة".
واعتبر رئيس بلدية سبسطية ان الاحتلال والمستوطنين سبب المشاكل التي تواجه سبسطية والذين لديهم اطماع كبيرة بالسيطرة عليها ونسب موروثها الثقافي والحضاري لهم كذا وزورا.
وشدد أن كل يوم تتعرض بلدة سبسطية لعمليات اقتحام من جيش الاحتلال وعصابات الإجرام الاستيطانية، وتحدث مواجهات شبه يومية وينتج عنها اصابات واعتقالات في صفوف سكانها، كما يقوم الاحتلال بهدم المنازل التي تقع في ما يسمى مناطق (ج) والتي تخضع للسيادة الأمنية الإسرائيلية، وهدم المرافق السياحية كذلك.
وقال: "يضع الاحتلال سبسطية في سلم أولوياته لتهويدها ووضعت حكومة الاحتلال كل إمكانياتها المادية والعسكرية لفرض الهيمنة على البلدة والتي كان اخرها رصد خمسة مليون شيكل (مليون و470 الف دولار) لتهويد الموقع وكذلك اعلان اعضاء الكنيست الاسرائيلي ووزير الامن الداخلي ومدير عام شرطة الاحتلال عن نيتهم إقامة مركز شرطة في البلدة للسيطرة على الموقع الاثري بالكامل".
وشدد عازم أنهم يتجاوزون هذه الاعتداءات اليومية بالصمود والتحدي من اهالي سبسطية، مؤكدا أن بلدية سبسطية ترفض الأمر الواقع الذي أعلنه الاحتلال واعلنت أنها لا تعترف في مناطق (ج).
وقال رئيس بلدية سبسطية: "رغم كل ما نتعرض له نقوم بإيصال الخدمات لكل مواطن في مناطق (ج)، وذلك على الرغم من التهديدات اليومية التي تصلني شخصيا من قبل مخابرات الاحتلال".
وأضاف: "كما أننا نتواصل مع المؤسسات الرسمية والدولية ونضعهم في كل التطورات والانتهاكات، ولكن الاحتلال لا يأبه لكل هذه التحركات ويمارس العربدة والعدوان".
وتابع المسئول الفلسطيني: "اليوم سبسطية في تحدي كبير وتصارع الزمن للبقاء والحفاظ على موروثها قبل فوات الأوان، وستبقى سبسطية صامدة رغما عن الاحتلال".
ومن جهتها حذرت الإعلامية مدلين خِلة من أن استمرار الانتهاكات بحق المواقع الأثرية في سبسطية يهددها بشكل كبير لا سيما في ظل تزايدها.
مدلين خلة.. إعلامية فلسطينية
واعتبرت خِلة في حديثها لـ "عربي21" وجود منطقة سبسطية في المناطق ج يشكل خطرا كبيرا على مواقعها الأثرية والتي باتت مهددة بالتهويد.
وقالت: "اعتداءات قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين على هذه المنطقة وتسجيل قرابة 80 انتهاكا منذ بدابة العام الجاري امرا ليس عشوائيا انما مخطط له للسيطرة على هذه المواقع وضمها للموقع الإسرائيلية".
وأضافت: "من سرق الاكلات الفلسطينية والتراث والهوية ومن قبلها الأرض ليس صعبا عليه ان يسرق هذه المواقع".
ودعت خِلة الى ضرورة التصدي الرسمي والشعبي والمؤسساتي لاعتداءات قوات الاحتلال على سبسطية وفع ذلك باستمرار من خلال تقارير موثقة بالدلائل للمنظمات الاممية والدولية من أجل وضع حد لهذه الاعتداءات.
وطالبت المواطنين بضرورة تكثيف الزيارات لهذه المواقع والتواجد فيها من اجل وضع حد لهذه الانتهاكات.
وحثت الإعلامية الفلسطينية وسائل الإعلام الفلسطينية تسليط الضوء على هذه المنطقة وعمل تقرير عنها وعن مواقعها الأثرية وابقائها حية في وسائل الإعلام العالمية والمحلية.
باقة الغربية.. تاريخ من المقاومة ضد الانتداب
"برية القدس".. كنز للموروث البشري وملجأ للديانة المسيحية
فن الكاريكاتير الفلسطيني.. تثبيت للهوية عبر الصورة