بداية لا يشك عاقل بأن حركة المقاومة الإسلامية
حماس
حملت راية المقاومة لأكثر من ثلاثة عقود نيابة عن الأمة
كلها، في قضية ظلت محلّ إجماع العالمين العربي والإسلامي، ولا يشك عاقل
أيضاً بأن الحركة تواجه تحديات قاسية جداً في حرب الأقربين والأبعدين عليها، في ظل
حرص غالبية الدول على حصارها مالياً وعسكرياً وسياسياً، وحتى الدفع بإبعاد بعض
قادتها عن أراضيها للإقامة في لبنان تحت رحمة حزب الله وإيران، مما يُضيّق
خياراتها واختياراتها. لكن برأي الكثيرين من المعترضين على سياسات الحركة فإن عودة
علاقاتها مع إيران قد تكون مبررة، نظراً لتقديمها مساعدات ضرورية إليها، وذلك بغض
النظر عما تجنيه إيران من وراء هذا الدعم، ولكن في المحصلة فإن الحركة التي حُوربت
من أقرب المقربين إليها لم يدعوا أمامها من خيارات إلاّ ذاك.
بيْد أن التساؤل الذي يطرحه مؤيدو الحركة، وحتى بعض
قادتها التاريخيين همساً وبحسب التسريبات التي تتسلل إلينا، هو عن جدوى علاقة مع نظام
غدا منبوذاً داخلياً وخارجياً، وعاجزاً عن حماية نفسه، فضلاً عن حماية قادة حماس
الذين يدعون للعودة إليه، فهل سيأمْن هؤلاء اغتيالهم وقتلهم كما يحصل لضباط النظام
وضباط حلفائه الإيرانيين، بشكل شبه دوري على أيدي قصف أمريكي وإسرائيلي؟!
وحين يستدعي الداعون لاستئناف العلاقة مع النظام
السوري، مسألة إعادة العلاقة مع نظام السيسي، التي لم تلقَ معارضة أحد، يردُّ
عليها الطرف المعارض لاستئناف العلاقة بأن إعادة العلاقة مع مصر استندت لمصلحة
حقيقية واقعية، وهي كونها بوابة غزة وجارتها، أما سلطة
الأسد فلا حدود لها مع غزة،
فضلاً عن أن لا شيء يمكن أن تقدمه لوجستياً ولا مالياً لها. وهذا ليس الآن، وإنما
منذ بداية العلاقة، إذ يبقى جلّ ما قدمته وتقدمه الأرض، التي هي مفقودة اليوم في
ظل احتلالات متعددة لها..
التساؤل الذي يطرحه مؤيدو الحركة، وحتى بعض قادتها التاريخيين همساً وبحسب التسريبات التي تتسلل إلينا، هو عن جدوى علاقة مع نظام غدا منبوذاً داخلياً وخارجياً، وعاجزاً عن حماية نفسه، فضلاً عن حماية قادة حماس الذين يدعون للعودة إليه، فهل سيأمْن هؤلاء اغتيالهم وقتلهم كما يحصل لضباط النظام وضباط حلفائه الإيرانيين
سوريا التي استقبلت حركة المقاومة الإسلامية حماس
باعتراف قادتها يومذاك فإنها سوريا الشعب والقيادة، ومن مهّد لها الطريق شعبياً هي
شخصيات مشيخية وعُلمائية ونخبوية واجتماعية سورية معروفة، هذه الشخصيات غدت اليوم
في المنافي ومخيمات التشرد، ومن ثم فإن حماس الداعية للعودة إلى النظام، لن تجد
سوريا اليوم، هي سوريا الأمس، لا سيما وأنه يُعرف عن النظام السوري حِقْده على من
يخال أو يتوهم أنه خدعه، وهو الذي يعتقد أن شخصية مثل خالد مشعل خدعته حين خرجت من
دمشق. فالنظام يعتقد أن خروج زعيم حركة المقاومة الإسلامية حماس في 20 كانون
الثاني/ يناير 2012 من دمشق إلى القاهرة بحجة اجتماع الفصائل الفلسطينية كما
أُعلن، كان ضرباً من الخديعة والخذلان له، خصوصاً وقد سبق ذلك الخروج عملية إجلاء
وإخلاء صامتة لقادة وعائلات حماس من سوريا إلى خارجها، ولم تُفلح لاحقاً جهودٌ
إيرانية بذلها قائد لواء القدس قاسم سليماني ولا غيره في ثني مشعل عن قراره بعدم
زيارة طهران، وظل على قرار اتخذته قيادة الحركة بالإجماع في مغادرة سوريا، وعكسته
بيانات للحركة عام 2013 بدعم
الثورة السورية.
دون شك، فإن تنحي خالد مشعل عن القيادة بذريعة أُعلنت
يومها، وهي إكماله لدورتين في القيادة عام2017، ومن ثم لا يمكن التجديد له كدورة
ثالثة، قد مهّد الطريق لبروز الخط الداعم للتصالح مع إيران وحزب الله، والنظام
السوري، ومع مواصلة الضغط الذي بذله هذا الخط منذ تلك الفترة وحتى عام 2021 فقد
أُقرّ جماعياً ومن قيادة الحركة، بمن فيهم خالد مشعل وموسى أبو مرزوق ومحمد نزال
وآخرون، على إعادة العلاقة، لكن بشكل تدريجي بعيداً عن الضجيج، وأُرسل حينها رئيس
مؤسسة القدس الدولية إلى دمشق تمهيداً لهذه العودة، لكن القنبلة التي فجّرها أقطاب
الخط المتسرع في المصالحة مع النظام بالنقل عن مصدرين من الحركة، أحدهما في الخارج
وآخر في داخل غزة لوكالة رويترز، كان له تداعياته وشظاياه، بحيث تعذّر على قيادة
حماس الحالية احتواؤه.
القيادة الحالية ظلت طوال حياتها تعيش داخل فلسطين دون
علاقات عامة تمكنها من ممارسة عملية الإقناع، والإبحار مع نخب كل واحد فيها له
قضيته التي قد ترتطم مفاعيلها مع علاقات حماس مع إيران وحزب الله والحوثي، كحال
اليمني والسوري والعراقي، وهو ما قد يُفسر الموقف المتشدد من علماء الأمة ومشايخها
في لقائهم مع إسماعيل هنية في إسطنبول، حين رفضوا استئناف العلاقة مع النظام،
وربما كانت أول مرة تظهر معارضة العلماء والمشايخ لمواقف حركة المقاومة الإسلامية
حماس، وهم الذين كانوا يجلسون كتلاميذ أمام قادتها. ومما صعّد الموقف، تشدد أكثر
من الناطق باسم المجلس الإسلامي السوري مطيع البطين، حين قال إنهم ينتظرون رداً من
حماس بشأن استئناف العلاقة مع نظام بشار الأسد، وذهب البطين إلى القول بأن الثورة
السورية هي معيار في علاقة المجلس مع الآخر، مما عدّتْه شخصيات قيادية في حماس
وصايةً وتهديداً، يحق لحماس أن تستخدمه كما يستخدمه الآخرون.
يتساءل إن كان قرار حماس في عام 2012 بقطع العلاقة مع النظام السوري جماعياً ووفق معطيات؛ على رأسها رفضه الاستجابة لمطالب شعبه، ثم قتله لشعبه، فما الذي جدّ اليوم من جديد حتى تغير حماس موقفها؟ هل تغير النظام أم تغيرت حماس؟
وهنا يحق للبعض أن يتساءل إن كان قرار حماس في عام
2012 بقطع العلاقة مع النظام السوري جماعياً ووفق معطيات؛ على رأسها رفضه
الاستجابة لمطالب شعبه، ثم قتله لشعبه، فما الذي جدّ اليوم من جديد حتى تغير حماس
موقفها؟ هل تغير النظام أم تغيرت حماس؟ وهي أسئلة وتساؤلات لم تُجب عنها القيادة
المتحمسة لاستئناف العلاقة.
ومهما يكن الأمر، فإن عطباً وجرحاً أصاب علاقة حماس مع
علماء الأمة ومشايخها الذين كانوا على الدوام معها، ولم يسجل عنهم تلكؤ أو تلعثم
في دعمها، وزاد الأمر سوءاً تطاول بعض المحسوبين على حماس خلال كتاباتهم على هؤلاء
العلماء، وأنهم لا يعرفون الواقع، وهو واقع ستدفع ثمنه القضية برمتها راهناً
ومستقبلاً. لكن في المقابل فقد ظلت القيادة التاريخية الحمساوية بقيادة خالد مشعل
محلّ إجماع وسط النخب العُلمائية، وحتى على مستوى الدول الداعمة لحماس، مما يرشحها
للعب دور في إعادة العلاقة لسابق عهدها، نظراً لما تحمله في نفوس وقلوب الأمة
وعلمائها من احترام ووزن حقيقي.
حماس التي ظلت على مدى تاريخها محل إجماع، جعلت من
استئناف العلاقة محلاً للخلاف، وتقسيماً للرأي العام، لا سيما وقد طال الأمر كبار
علماء محسوبين تاريخياً عليها، وهو أمر ينبغي التنبه إليه والحذر منه، فإن النظر
إلى قضية كهذه على أنها قضية سياسية بمعزل عن عامل الدين الأساسي فيها، وحاضنه
الأمة، أمرُ له ارتدادات وتداعيات سلبية قد تكون خطيرة مستقبلاً، ولكن تبقى
القيادة التاريخية بما لها من ثقل ووزرن وسط الأمة وعلمائها صمام أمان لترميم
العلاقة، لا سيما بعد أن أُفيد عن توجه الثلث المعطل من قادة حماس وعلى رأسهم خالد
مشعل، وموسى أبو مرزوق، ومحمد نزال، وعزت الرشق وآخرون؛ برسالة تحذر من مخاطر
استئناف العلاقة مع النظام الذي لم يعد قادراً على حماية نفسه، وهو يتعرض إلى قصف
شبه يومي من دول عدة، حتى من حلفائه.
رغم كل ما قيل ويقال عن استئناف هذه العلاقة، يتساءل البعض هل بشار الأسد مستعدٌ في النهاية لهذه العلاقة؟! لا سيما وقد نقلت عنه بعض الأوساط التي التقته أنه لا يمانع من استئناف العلاقة، لكن المشكلة في الأجهزة الأمنية الرافضة لهذه العلاقة
يبقى القول أن أكثر المعنيين بإعادة العلاقة مع نظام
الأسد من الطرف الحمساوي هو الفلسطيني الذي كان في سوريا وانتقل إلى المناطق
المحررة، حيث تُعد هذه الشريحة الآن المتضرر الأول والمباشر، نظراً لوجود أكثر من
53 أسيراً حمساوياً في سجون الأسد، وعودة هذه العلاقة قد تخفف الضغوط عن فلسطينيين
غالبيتهم من أهل هذه الشريحة ومعارفها، ومع ذلك خرجت قيادة حماس في سوريا ببيان
قوي يرفض المصالحة ويندد باستئناف العلاقة، كما ظهر في مؤتمر صحافي بمدينة إدلب
الخاضعة لسيطرة الفصائل الثورية السورية.
ورغم كل ما قيل ويقال عن استئناف هذه العلاقة، يتساءل
البعض هل بشار الأسد مستعدٌ في النهاية لهذه العلاقة؟! لا سيما وقد نقلت عنه بعض
الأوساط التي التقته أنه لا يمانع من استئناف العلاقة، لكن المشكلة في الأجهزة
الأمنية الرافضة لهذه العلاقة، لقناعتها وخبرتها خلال فترة الثورة السورية بتورط
حماس في دعم الثورة، والمشاركة في القتال.. برز ذلك في مقطع مجزرة التضامن، حين
كان ضابط الأمن يشتم أحد المعتقلين على أنه من حماس. وقد فُسِّر حديث بشار هذا على
أنه رفض غير مباشر منه لعودة العلاقات، وإن كانت التسريبات الأخيرة بدت تشي بأن
للنظام اشتراطات على العودة منها الاعتذار، ووصم الثورة بالإرهاب!