تعود مقاربة "خطوة مقابل خطوة" التي أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، في وقت سابق عن تلقيه دعما دوليا للمضي فيها إلى واجهة النقاش، على خلفية إطلاق النظام السوري سراح عشرات المعتقلين في سجونه، بعد إصدار بشار الأسد مرسوم "العفو عن الجرائم الإرهابية".
ومما لا شك فيه وفقاً لمصادر من المعارضة السورية، أن عمليات الإفراج عن أعداد محدودة من المعتقلين من جانب النظام، تأتي في صلب المقاربة (خطوة مقابل خطوة) التي تقوم على اتخاذ النظام السوري خطوات "حسن نية" منها إطلاق سراح المعتقلين، والانخراط في المسار الدستوري في جنيف، مقابل تخفيف وطأة العقوبات الغربية والأمريكية المفروضة عليه.
وعلى وجه الدقة، لا يُعرف العدد الحقيقي للمعتقلين الذين أطلق النظام سراحهم، غير أن مصادر حقوقية ترجح أن لا يتجاوز العدد حاجز 200 معتقل، في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن دفعات قادمة من المعتقلين.
وفي هذا الإطار يقول المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض السورية، يحيى العريضي، إن النظام يتعامل مع ملف المعتقلين على أنه أحد أهم الملفات لابتزاز المعارضة والمجتمع الدولي، وهو لن يفرط بهذا الملف ما لم يحصل على وعود إقليمية ودولية، تتعلق بإعادة تعويمه وتأهيله.
ويضيف لـ"عربي21"، أن المطلوب من النظام الابتعاد عن إيران، مقابل اقتراب وتطبيع الدول العربية، وتخفيف وطأة العقوبات، مستدركاً: "لا يستطيع النظام الابتعاد عن إيران ويستحيل عليه القيام بأي خطوة فصل مع طهران، لأنه يعرف مخاطر ذلك".
أما عن إعادة الدول العربية علاقاتها مع النظام، يؤكد العريضي أن هذه الخطوة تحتاج إلى إيعاز أمريكي، والأخيرة الآن تركز على قطع أذرع روسيا في الخارج، بعد الغزو لأوكرانيا، وهو ما يعني أن تحقيق ذلك ليس بالأمر الوارد على المدى القريب.
اقرأ أيضا: ما حقيقة صور السجناء المفرج عنهم من سجن صيدنايا بسوريا؟
ولم يبق أمام النظام إلا المشاركة في العملية السياسية المتمثلة حاليا بـ"اللجنة الدستورية"، حسب العريضي الذي دعا إلى تفويت الفرصة على النظام، أي وقف مشاركة المعارضة في محادثات جنيف.
وإلى جانب المسار الدستوري، إطلاق سراح المعتقلين، وهنا يقول العريضي: فجأة انفجرت فضيحة مجزرة التضامن في وجه النظام، بعد نشر صحيفة "الغارديان" الفيديوهات المسربة، لتفتح الباب واسعا على جرائم النظام، وهو ما دفع الأخير إلى إطلاق سراح المعتقلين، لصرف النظر عن المجزرة التي تدين النظام بالدليل الدامغ.
من جانبه، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي، أن إطلاق النظام سراح عشرات المعتقلين، جاء بطلب من أطراف عربية، أي تقديم تنازلات من جانب نظام الأسد، مقابل إعادته إلى "الجامعة العربية"، مرجحاً أن يكون الأسد قد تسلم الطلب من الإمارات، خلال زيارته أبو ظبي في نيسان/أبريل الماضي.
ويضيف لـ"عربي21"، من هنا جاءت الخطوة من جانب النظام المتمثلة بإطلاق سراح عشرات المعتقلين، لإرضاء الدول العربية الرافضة لإعادته إلى الجامعة العربية، وكذلك لإعطاء بيدرسون ورقة ضغط على المعارضة السورية وداعميها، حيث يدعي النظام أنه قدم خطوة، وعلى المعارضة الرد بالمثل (خطوة مقابل خطوة).
في المقابل، يرفض القاضي والخبير الدستوري خالد شهاب الدين، إدراج عمليات الإفراج عن عشرات المعتقلين في إطار مقاربة "خطوة مقابل خطوة"، ويقول لـ"عربي21": النظام يهدف أولاً إلى التغطية على مجزرة التضامن، وثانيا إلى التناغم مع الأصوات الرافضة لوجود اللاجئين السوريين، في البلدان المستضيفة.
وحسب شهاب الدين، يريد النظام تصوير سوريا على أنها بلد تتوفر فيه البيئة الآمنة لإعادة اللاجئين، مستدركاً بقوله: "لكن الإفراج عن المعتقلين بأعداد محدودة، كشف ألاعيب النظام، وعدم جديته في فتح ملف المعتقلين".
وكان المبعوث الأممي بيدرسون، قد أكد في مطلع العام 2022 أنه ماض في مقاربته "خطوة مقابل خطوة" للتقريب بين أطراف الأزمة السورية، مؤكدا استعداد ممثلي واشنطن وموسكو للانخراط فيها.
لكن الغزو الروسي لأوكرانيا، والتوتر بين موسكو وواشنطن الذي بلغ أوجه، يجعل من الصعب على بيدرسون المضي في هذه المقاربة.
"مجزرة التضامن".. هل يتحرك الغرب لمحاسبة النظام السوري؟
عبر الغاز والنفط.."قسد" تضيّق الخناق على النظام السوري