بيّنت في مقالي السابق كيف أسهم الأزهريون في نشر فكرة الإخوان المسلمين على مستوى العالم، بداية من مصر، وانتهاء ببلاد أخرى خارجها، ولم يقف إسهام الأزهريين عند هذا الحد، سواء من انضم منهم للإخوان، أو من تعاطف معهم، أو من ربطته بهم علاقة اللقاء على العمل للإسلام، فقد بنى الإخوان مناهجهم على المنهج الأزهري في مجمله، نرى ذلك في كتابات الإخوان المعتمدة لديهم، أو المنهج المعتمد لديهم في الدعوة والفهم للإسلام.
فقد أنشأت الإخوان عدة مجلات إسلامية، بدءا من مجلة (جريدة الإخوان المسلمين) الأسبوعية الصادرة في يوم الخميس 22 من صفر سنة 1352هـ، سنة 1932م، وقد كان رئيس التحرير الشيخ طنطاوي جوهري، ومدير الجريدة الأستاذ محب الدين الخطيب، ومحرر القسم الديني الشيخ حسن البنا، وقد كتب البنا منهج كتابة القسم الديني في العقائد والتفسير والحديث والفقه والفتوى والخطابة والدعوة، والمتأمل في المنهج المكتوب سيجده منهجا أزهريا وسطيا معاصرا، يعد امتدادا لمنهج الإمام محمد عبده والإمام محمد مصطفى المراغي.
بدأ بالكتابة في معظم هذه الأقسام حسن البنا، وتولى كتابة التفسير أحد أبرز علماء الأزهر الكبار وهو أيضا من قيادات الإخوان المؤسسين، وهو الشيخ مصطفى الحديدي الطير، وكتب البنا أعدادا في قسم الفقه، كانت النواة الأولى لكتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق فيما بعد، وقد كانت على خطى عالم أزهري معاصر له، وهو الشيخ محمود خطاب السبكي، فقد استفاد البنا من كتابه: (الدين الخالص)، لكنه يسره بشكل أيسر للعامة من الناس، ثم ترك البنا هذا الباب الفقهي لأحد علماء الأزهر الشباب آنذاك، وهو الشيخ محمد الهادي عطية، وهو مسؤول الإخوان في السويس أيضا آنذاك.
حين أطلت فتنة التكفير برأسها من السجون المصرية، بسبب التعذيب في السجون، ثم إتيان الحكم العسكري بمشايخ أزهريين لغسل أدمغة المساجين بنقاشات مستفزة، تداعى الإخوان المسلمون في السجون لحماية أبنائهم وغيرهم من هذه الفتنة، فكتبوا وثيقتهم وكتابهم الأشهر: دعاة لا قضاة،
والمتأمل لرسالة العقائد، والتي يدرسها الإخوان في الأسر ومناهجهم، سيجدها على التقسيم الأزهري في دراسة العقيدة، وهو التقسيم الأشعري، وإن ابتعد البنا عن الخلاف المستعر بين الخلف والسلف، ومال إلى التقريب بين الآراء، ومحاولة إذابة الخلاف، والانتقال من الجدل حول العقيدة، إلى العمل على تثبيتها في نفوس الناس، وهو ما عده الشيخ محمد الغزالي من عبقرية البنا ونجاحه، أنه لم يقع فيما وقع فيه الشيخ محمد رشيد رضا من صدامه مع الأزهر في قضية العقيدة الأشعرية، وقد كتب البنا عدة رسائل في العقيدة، لم يجمع سوى رسالة واحدة هي: رسالة العقائد، وهناك ثلاث رسائل أخرى، غير مجموعة، وقد جمعتها ولم يتيسر لي نشرها جميعا.
وبعد رسالة العقائد للبنا، يدرس الإخوان كتبا أخرى في العقيدة، جلها لعلماء أزهريين، مثل: عقيدة المسلم للغزالي، والإيمان والحياة، وحقيقة التوحيد للقرضاوي، والعقائد الإسلامية للسيد سابق، والإيمان لمحمد نعيم ياسين، وغيرها من الكتب الأخرى والتي كتبها علماء أزهريون.
وقد وضع حسن البنا منهجا لدعاة الإخوان، أو من يحق له أن يطلق عليه أنه من دعاة الإخوان، وجعله عدة مستويات، سماه: لائحة المنهاج الثقافي، ونشره في مجلة التعارف الإسلامية، سنة 1939م، وضع كتبا في العقيدة، والتفسير، والحديث، والتفسير، والدعوة والخطابة، والجدل، وعلم النفس والاجتماع، والتربية، والسياسة، واضح في هذا المنهاج تأثره الشديد بالمدرسة الإصلاحية الأزهرية، وهي لائحة تحتاج لأن تفرد بدراسة، في كيفية اختيار موادها، لأنها تنبئ عن الداعية الذي يريده الإخوان لمن يدعو إلى الله.
أما عن مناهج الإخوان الفقهية، فمعلوم أن الإخوان تعمدوا ألا يعتمدوا لهم مذهبا فقهيا، واعتبروا الخلاف الفقهي أمر لا فكاك منه، المهم كيف ندير هذا الاختلاف إدارة صحية، وعهد البنا بالصفحة الفقهية إلى شاب أزهري نابه هو الشيخ سيد سابق، وقد كان طالبا بالفرقة الثالثة في كلية الشريعة، وقال له: يا شيخ سيد نريد كتابة معاصرة ميسرة، لا تكون بالإطالة المملة، ولا الاختصار المخل، وفعل سيد سابق، وقد كتب الله له التوفيق والقبول، وكان نتيجة هذ الصفحة كتابه: فقه السنة، وقد كانت طبعته الأولى للكتاب بمقدمة حسن البنا، واعتبر الكتاب: من رسائل الإخوان المسلمين، أي اعتبروه منهجا فقهيا معتمدا في الجماعة، وقليل جدا من الكتب ما اعتمده الإخوان أن يكون من رسائلها المعبرة عنها، بعد رسائل حسن البنا، كان أولها: فقه السنة.
ويدرس الإخوان أيضا كتبا أخرى في الفقه والأصول، لعلماء الأزهر، مثل: أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان، وعلم أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف، ويدرس النساء في الإخوان (الأخوات) بعض مواضع من كتاب: المفصل في أحكام الأسرة والبيت لعبد الكريم زيدان أيضا، وكتبا أخرى للقرضاوي وللشيخ مناع القطان رحمه الله، وغيرهم.
المتأمل في مناهج الإخوان في معظم تاريخها في الجانب الفقهي والعلمي، سيجدها منبثقة عن المنهج الوسطي الأزهري المعاصر، سواء من علماء الإخوان الأزهريين، أو من خارجهم، وبالطبع هناك مراحل لم تكن بهذا المستوى، وهي مرحلة سيأتي الحديث عنها، لكننا نتحدث عن الغالب والمجمل العام، فقد كانت الجماعة في جل تاريخها تتبنى منهج وكتابات علماء الأزهر.
وقبل ذلك وبعده، كان يسهم بالكتابة في مجلات الإخوان في الجانب الفقهي علماء كبار من الأزهر، مثل: الشيخ محمد أبو زهرة، وقد كان يجيب عن أسئلة القراء، في مجلة الإخوان التي أصدرها الأستاذ سيد قطب بعد يوليو سنة 1952م، وقد صدر منها عدة أعداد ثم صودرت، وقد كانت إحدى فتاوى أبي زهرة في المجلة سببا في كتابة الشيخ الألباني رحمه الله كتابه: (حكم آلات اللهو والطرب)، وكان من كتاب مجلة (المسلمون) الإخوانية بشكل ثابت: الدكتور محمد يوسف موسى، وقد كتب كتابه: فقه الكتاب والسنة (البيوع والمعاملات المالية المعاصرة) مقالات في المجلة، ثم نشره كتابا فيما بعد، وهناك علماء أزهريون كبار كانوا من الكتاب الدائمين والمستمرين في الكتابة الفقهية والعلمية في مجلات الإخوان.
أما في الحديث والتفسير، فقد كان يتولى الكتابة في مجلات الإخوان في بدايتها علماء الأزهر، على رأسهم: الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا والد البنا، والشخي محمد زهران، والشيخ مصطفى الحديدي الطير، وكان يحاضر أحيانا في المركز العام للإخوان المسلمين في التفسير الموضوعي العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز، وقد ذكر ذلك بتفصيل الأستاذ صالح عشماوي في مقدمته لكتاب: (وثيابك فطهر) لدراز.
بل إن أهم مفردات المنهج الإخواني: رسالة التعاليم، وأهم ما فيها: الأصول العشرون، وهي أصول وضعها حسن البنا، لتكون جذعا مشتركا بين الجماعات الإسلامية العاملة للإسلام، وهي تمثل أهم أدبيات الجماعة وثوابتها، ولأهميتها فقد قام بشرحها كثيرون، ولكن أهم شروحها هي الشروح التي قام بها علماء أزهريون، مثل: الشيخ عبد المنعم تعيلب، والشيخ محمد الغزالي في كتابه: دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، والشيخ يوسف القرضاوي في أكثر من كتاب تحت عنوان: نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام.
وحين أطلت فتنة التكفير برأسها من السجون المصرية، بسبب التعذيب في السجون، ثم إتيان الحكم العسكري بمشايخ أزهريين لغسل أدمغة المساجين بنقاشات مستفزة، تداعى الإخوان المسلمون في السجون لحماية أبنائهم وغيرهم من هذه الفتنة، فكتبوا وثيقتهم وكتابهم الأشهر: دعاة لا قضاة، قام بالكتابة الرئيسية في الكتاب والإشراف: المستشار حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان، وعاونه على ذلك علماء أزهريون، وواضح جدا النفس العلمي الأزهري في الكتاب.
أما عن الحديث على منابر الإخوان المعتمدة، مثل: حديث الثلاثاء، فقد كان المتحدث الرئيسي حسن البنا، ويتناوب معه علماء آخرون جلهم أزهريون، سواء من الجماعة أو من خارجها، مثل: الشيخ عبد المعز عبد الستار، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ أحمد حسن الباقوري، والشيخ محمد عبد الله دراز، وآخرون، وكان يحضره ويناقش ما يدور فيه من نقاشات علمية علماء أزهريون، مثل: الشيخ محمد الحامد الحموي عالم سوريا، وقد أرسل في أحد المرات (18) نقدا للبنا وعقب البنا على نقده، وهناك عالم أزهري آخر انتقد البنا في حديثه عن الملائكة، وهو الشيخ محمود عبد الوهاب فايد، ونشر التعقيب، وناقش البنا تعقيبه في موضع، واعترف له بصحة موضع آخر، وكان البنا يقول: إذا جاء الشيخ فايد، جاء بالفوائد.
المتأمل في مناهج الإخوان في معظم تاريخها في الجانب الفقهي والعلمي، سيجدها منبثقة عن المنهج الوسطي الأزهري المعاصر، سواء من علماء الإخوان الأزهريين، أو من خارجهم، وبالطبع هناك مراحل لم تكن بهذا المستوى، وهي مرحلة سيأتي الحديث عنها، لكننا نتحدث عن الغالب والمجمل العام، فقد كانت الجماعة في جل تاريخها تتبنى منهج وكتابات علماء الأزهر.
Essamt74@hotmail.com
دور الأزهريين في بناء جماعة الإخوان
الأزهر والإخوان.. وئام أم صدام؟!