تعيش
مصر والمنطقة العربية حالة من الجرأة غير المسبوقة في الهجوم على
الدين والقيم، ومن أخطر أشكال هذه الحرب هي الحرب على
العقيدة، خاصة عندما تأتي على لسان كبار المسئولين والرموز السياسية والإعلامية، بما يجعلها بمثابة توجه عام، وإشارة بالعمل في هذا الاتجاه، عندئذ يصبح الصمت جريمة في حق الدين والوطن والإنسان كل الإنسان.
1- أهداف المقال
1- بيان وتأكيد بعض المفاهيم الأساسية ذات العلاقة بالعقيدة.
2- بيان مركزية وأهمية العقيدة في هوية وحياة المجتمعات والدول.
3- التحذير من تفكيك الهوية والمجتمع، ومخالفة الدستور.
4- كشف المحاولات التاريخية للتشكيك في العقيدة.
5- بيان دور المؤسسات الدينية والعلماء والنخب المتخصصة وعموم الشعب.
2- تعريفات هامة:
العقيدة: هي التصديق الكامل من دون شك، أي الإيمان، وفي التعريف الدينى الشرعى هي الإيمان الكامل بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والتي تجيب للمسلم على أسئلة الله تعالى والكون، والوجود والحياة والموت وما بعد الموت واليوم الآخر والعلاقة بينهما.
اليقين: هو الاعتقاد الكامل الذي ينفي أي شك ويى جهل.
الشك: انتفاء التصديق واليقين والريبة والتردد، نتيجة لعدة أسباب فردية أو مجتمعة، منها التكبر والعناد ورفض الحقيقة، أو لغياب المعرفة بالحقيقة، أو لعدم الوعي والبرهان والدليل.
مصادر العقيدة: للعقيدة الإسلامية مصدران أساسيان: القرآن الكريم وما صح من السنة المطهرة.
- قال تعالى: "جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (المائدة: 15، 16).
- وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ" (النساء: 136).
- "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (الحشر: 7).
حفظ العقيدة: تكفّل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم والسنة المطهرة؛، المصدرين الأساسيين لعقيدة الإسلام، في قوله تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحشر: 9).
مصادر نقل العقيدة من جيل الى جيل:
1- حفظها في عقول وقلوب ومعتقدات وثقافة وهوية وسلوك الأجيال التي تورثها للأجيال التالية، جيلا تلو جيل.
2- حفظها في الكتب العلمية الموثقة وفق:
أ- نظام علمي محكم يحفظ الصحيح وينفي الدخن، ابتدعه وانفرد به المسلمون عن غيرهم من كافة الثقافات العلمية، مما يعرف بعلوم الحديث والرواية والجرح والتعديل.
ب ـ النظام الأكاديمي العلمي المحكم في حفظ وتطوير وتعليم العلوم الدينية وفي مقدمتها علوم التوحيد والعقيدة، والذي يلتزم بالمعايير الأكاديمة العالمية الرصينة لحفظ وتطوير وإنتاج المعرفة. ويقوم عليه في مصر الأزهر الشريف بجامعاته التي تعد آلاف الدراسات العلمية سنويا، وتشكل لها لجان علمية مخصصة من أعلم علماء الأرض بالإسلام.
3- حفظها على ألسنة وأحاديث ودروس ومحاضرات العلماء المسجلة صوت وصورة، تحت رقابة الأزهر الشريف.
4- تواتر وتوافق وتماهي المصادر الثلاثة السابقة مع بعضها البعض بما يؤكد صحتها.
3- أهمية العقيدة في حياة المجتمع
العقيدة هي الفكرة المركزية، والأساس والمنبع الذي ينطلق منه تصور الإنسان للغيبيات الست؛ الله تعالى والملائكة والأنبياء، والقدر واليوم الآخر والبعث والحساب، وعلى أساسه ينظم الإنسان علاقته بالله تعالى وبكل ما حوله من مخلوقات، والتي يمكن تحديدها في التالي:
1- العقيدة تمثل الركن الأول من أركان الهوية الوطنية للمجتمع، كما أنها الركن الثابت الأكبر الذي تنطلق منه بقية أركان الهوية، وهي
القيم واللغة والتراث.
2- العقيدة هي أساس الهوية الوطنية، والهوية الوطنية هي مركز وأساس الدستور الوطني المنظم لعلاقات وشئون الدولة.
3- العقيدة هي أساس الهوية الوطنية، والهوية الوطنية تمثل خمسون بالمائة من نظرية الأمن القومي، والتي تقوم على أن مهمة أي نظام حاكم هو حماية الأمن القومي للبلاد، والمكون من المحافظة على هوية الدولة ووحدتها واحتشادها، واستقلال ترابها الوطني وإرادتها السياسية، وتأمين مستقبل التنمية للأجيال التالية.
4- العقيدة التي يتبناها المجتمع هي أساس قيمه وسلوكه وشعائره التعبدية وسلوكه الشخصي والمهني، ومن ثم تعد العقيدة الأساس والمحرك لاتجاه وقوة وكفاءة وكفاية القوة البشرية للمجتمع، وممكناته على الفعل والإنجاز الحضاري.
4- الأشكال المتنوعة للتشكيك في عقائد المجتمعات والدول
جرت سنة الخلق على مدار محطات التاريخ الإنساني المختلفة رفض ومواجهة وحصار وصد الرسالات السماوية والإصلاحية الداعية لتحرير الناس مع عبادة الطغاة والمستبدين، وإعلان مبادئ الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة والمواطنة الكاملة لجميع المواطنين، حيث يتقاطع ذلك مع مصالح ومنافع المستبدين والطغاة، وقد اتخذت محاولات التشكيك في العقائد السماوية أشكالا متعددة منها:
أ- التشكيك في صاحب الرسالة واتهامه بالكذب والسحر والجنون.. الخ، بهدف صرف الناس عنه وعن رسالته وعقيدة التوحيد والتحرير التي جاء بها.
- "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ" (الفرقان: 4).
- "وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً" (الفرقان: 5).
- "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ" (النحل: 103).
ب- التشكيك في جبريل حامل الوحى ورد القرآن عليهم
- "قُلْ مَن كَانَ عَدُواً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ" (البقرة).
- "مَن كَانَ عَدُواً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ" (البقرة).
- "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" (الشعراء).
- "وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ* وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ" (الشعراء).
- "عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى" (النجم).
ج- التشكيك في مصدر وآلية تلقى وتعلم العقيد الإسلامية
بالتشكيك في مصادر العقيدة، ووسائل نقلها وتعليمها عبرالأجيال، وهذا ما ذهب إليه
السيسي في حواره إلى الشعب المصري كما جاء على لسانه للتلفزيون المصري: "المصريون ورثوا الدين وليس لديهم رغبة للتأكد من حقيقية المعتقد، ويجب إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذي نؤمن به". وبذلك يشكك السيسي في مصداقية المنهج والطريقة التي يتلقى بها المصريون معتقداتهم على مدار القرون الماضية، بما يمثل اتهاما غير مباشر، وانتهاكا مباشرا لكثير من المؤسسات والكيانات الكبرى:
أولا: لمؤسسة الأزهر الشريف التي تعلم الشعب والعالم الإسلامي عقيدة مشكوكا فيها، ولا تقوم بدورها الصحيح في تعليم المعتقدات والدين الصحيح للشعب.
ثانيا: لوزارة التربية والتعليم وما تقدمه من مناهج دينية مشكوك في صحتها.
ثالثا: لمؤسسة الأسرة المصرية التي تورث أبناءها معتقدات مشكوكا في صحتها.
رابعا: النظم السياسية المتعاقبة على مصر من عمرو بن العاص وحتى الآن، والتي تورث الشعب المصري معتقدات مشكوكا فيها.
خامسا: للشعب المصري الذي ألغى عقله ويحمل أسفارا مشكوكا في صحتها.
سادسا: انتهاك صارخ للدستور المصري الدائم والمعدل في 2019م، والذي يقر في مادتيه الثانية والثالثة بالإسلام مصدرا، فحينما يكون المصدر مشكوكا فيه من الأساس فإن الدستور سيكون مشكوكا في صحته بالتبعية.
المادة 2: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع.
المادة 3: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيس للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية.
المادة 4: السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين في الدستور.
والخطير في الأمر أن اتهامه للمصريين بالتلقي الأعمى لمعتقداتهم جاء في سياق حديثه عن الوعي وتجديد وتطوير الخطاب الديني، ودور الفن في بناء الوعي، بما يمثل تكليفا ودعوة غير مباشرة لأهل الثقافة والفن بعمل اللازم وتقديم أعمال تهاجم العقيدة.
5- مخاطر التشكيك في العقيدة الدينية للشعب المصري
محاولة غير مسئولة لتفكيك وتدمير البنية الأساسية للمجتمع المصري، والحالة الإسلامية في العالم كله من خلال:
1- التشكيك في العقيدة الدينية، من ثم كامل الدين وما يتضمنه من قيم وعبادات وتشريعات وأحكام.
2- تفكيك الهوية والوحدة الوطنية للشعب المصري من خلال فك العروة الأساسية لوحدته واتحاده واحتشاده، وتحويل المجتمع المصري لفرق متنازعة يحمل كل منها تفسيرا خاصا للدين.
3- تهوين وإرباك قيمة الدين في نفوس الناس والدعوة الصريحة لنشر الإلحاد.
4- تفكيك قيمة ومرجعية الدستور كعقد اجتماعي جامع للمصريين ومنظم لحياتهم.
5- ضربة خلفية للأزهر ومكانته في العالم كله، وأن ما يصدره الأزهر الشريف من علوم ومن يخرجهم من علماء إنما يحملون عقائد وعلوما مشكوكا في صحتها.
6- دور وواجب المؤسسات الدينية والعلماء والنخب
الأمر جد خطير وجلل ولا يتعلق بصراع ما بين مكونات سياسية مختلفة ولا بمصر فقط، إنما يتعلق بعقيدة ودين الشعب المصري، بلد الأزهر المعني بتخريج آلاف العلماء سنويا لنشر عقيدة الإسلام في كافة أنحاء المعمورة. إذن المسالة هنا تهديد للأمن القومي المصري، والأمن والسلم والاستقرار العالمي، والذي يمثل الإسلام ومؤسساته وعلماؤه وشعوبه ومجتمعاته صمام الأمان له، بما يحمله الإسلام من معتقدات وقيم وتشريعات لبناء الفرد والأسرة والمجتمع الإنساني الحضاري الذي يوفر الأمن والاستقرار والرفاهية للإنسان كل الإنسان.
من هذا المنطلق لا بد أن يتحرك المعنيين بالأمن والاستقرار العالمي، ناهيك عن المؤسسات الإسلامية العالمية والإقليمية والمصرية، لمواجهة هذا الجنرال السيسي ذي الخلفية العسكرية البعيدة كل البعد عن علوم الدين، ووقفه عند حده في الحديث عن الدين، وردعه قانونيا لمنع تكرار مثل هذا الاعتداء على عقيدة وهوية وأمن ومستقبل مجتمعات وشعوب الأرض، في شكل بيانات رفض، ودعاوى قضائية أمام الجهات المختصة، ومؤتمرات وندوات ومحاضرات، ومقالات، وبرامج تلفزيونية.. وفي مقدمة هذه الجهات:
1- منظمة التعاون الإسلامي.
3- الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين.
3- روابط العلماء في العالم الإسلامي.
4- الأزهر الشريف.
5- الجامعات الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي.
6- العلماء والنخب الفكرية في مصر والعالم الإسلامي.
7- الشعوب الواعية بدينها ورسالتها في الحياة.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً" (الأحزاب: 70-71).