قضايا وآراء

قوائم الإرهاب.. 100 مليون إرهابي محتمل!

1300x600
إدراج عبد المنعم أبو الفتوح وعلاء عبد الفتاح ومحمد القصاص مؤخراً على قوائم الإرهاب لم يكن القرار الأول من نوعه ولن يكون الأخير، فقد أصبحت تلك القرارات روتينية بامتياز، فهي تصدر وتُجدد بلا أدنى ضمانات للمدرجين.

ما هي طبيعة تلك القرارات؟ وما الإجراءات المطلوبة لإصدارها؟ ومن يملك إصدار القرار؟ وما الأسباب التي يستند إليها؟ ولماذا أضحت قرارات الإدراج يومية تشبه محاضر إشغال الطريق ومخالفات المرور التي يحررها صغار الموظفين بالجهاز الإداري للدولة؟

الحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب عن الجميع، أن أي مواطن مصري عادي غير مسيّس قد يتم إدراجه على تلك القوائم المشؤومة، وربما يجد اسمه في أحد إصداراتها كرد فعل على خلاف طبيعي مع أحد جيرانه النافذين، أو استجابة لوشاية زميل عمل يرغب في الحلول محله في الترقية، أو حتى مساومته على عقار يملكه أو صفقة تجارية نجح في إبرامها. هكذا وبدون أي مقدمات ينتقل المواطن من خانة الشرف الوطني لخانة الإرهابي الآثم!

عرفت مصر قوائم الإرهاب بعد رغبة النظام الانقلابي في حصار معارضيه ووصم الجميع بالإرهاب، وحتى يسهل اتخاذ إجراءات سريعة ناجزة غاية في التعسف وتجردهم من كل شيء، تم إقرار القانون رقم 8 لسنة 2015 الذي أصدره السيسي بقرار جمهوري قبل انتخاب برلمان "علي عبد العال" الذي انعقد بداية 2016، وبالرغم من كون الطبيعة القانونية لتلك القوائم "استثنائية تحفظية مؤقتة"، إلا أنها تترتب عليها إجراءات مهولة، حيث تقوم النيابة العامة بإعداد قوائم إدراج لـ"الكيانات الإرهابية" وأخرى بأسماء "الإرهابيين" مشفوعة بالتحقيقات والمستندات، وتقدمها لدائرة من دوائر الإرهاب بمحكمة استئناف القاهرة لتقرر الإدراج لمدة ثلاث سنوات؛ عدلت بعد ذلك لخمس سنوات.

هكذا وبدون أحكام نهائية قد يجد المرء نفسه مدرجا على قائمة الإرهاب بناء على طلب النيابة العامة، والذي يترتب عليه سيل من الإجراءات التعسفية التي كان الواحد منها في السابق يستلزم وقتاً طويلاً وسلسلة من الإجراءات القضائية تنتهي بصدور حكم نهائي من محكمة. أما الآن وعقب صدور قائمة الإرهاب، فيتم منع المدرج من السفر وسحب جواز السفر أو إلغاؤه وعدم تجديده، وتجميد أموال الشخص وإيقافه عن العمل وفقدانه شرط حسن السمعة والسيرة ووقف عضويته في النقابات ومجالس إدارة الشركات والأندية الرياضية، وغيرها من الآثار التي قررها القانون.

الضمانة الوحيدة للمدرج على القائمة كانت إلزام النيابة العامة بتقديم المستندات والتحقيقات المؤيدة لطلب الإدراج، وهو ما مكَّن كثيرين من إلغاء قرار الإدراج بمحكمة النقض لقصور القرار عن التسبيب.

بقدر ما كانت هذه الضمانة في صالح المدرجين كانت عقبة قانونية أمام النيابة العامة في سبيل التوسع في إصدار القوائم، حيث لا مستند أو دليل، وهو ما استجاب له "برلمان علي عبد العال"، حيث تم تعديل القانون لإزالة تلك العقبة وحرمان المدرجين من تلك الضمانة الوحيدة، حيث قرر القانون 11 لسنة 2017 صدور قرارات الإدراج لمجرد تقديم النيابة التحقيقات أو المستندات أو التحريات أو المعلومات المؤيدة لهذا الطلب. هكذا أصبح الأمر على التخيير، حيث يكفي أن تقدم النيابة الطلب مع تحريات الأمن الوطني لصدور قرار الإدراج على قوائم الإرهاب لخمس سنوات قابلة للتجديد.

منذ ذلك الحين أصبحت القوائم أداة السلطة الانقلابية لتأديب معارضيها وحصار خصومها السياسيين، ووسيلة لابتزاز رجال الأعمال المغردين خارج السرب، حيث يكفي أن تقدم النيابة طلباً يتضمن اسمك وتوافق عليه محكمة استثنائية في غرفة مشورة دون سماع دفاعك، بعدها يتم تجريدك من كل شيء، كل شيء بمعنى الكلمة.. أوراقك الثبوتية وأموالك السائلة وحساباتك البنكية وأصولك الثابتة ومكانتك الاجتماعية وعضويتك بالمجالس، حتى أنك تفقد حسن السيرة والسمعة.

هكذا وبدون مقدمات وبلا أحكام نهائية تتحول من مواطن صالح لإرهابي منبوذ، بمجرد ورود تحريات الأمن الوطني التي لا تعتمد فحسب على معلومات مرشديها النظاميين، بل تتعداها لوشايات مصادرها السرية التي قد تكون بواب عمارتك أو سايس سيارتك أو القهوجي الذي على ناصية شارعك!