احتل جدار الفصل العنصري الذي شيده الاحتلال الإسرائيلي، حيزا مهما من الكتابات العربية والأجنبية، التي سلطت الضوء في معظمها على الآثار السلبية والنتائج الكارثية له على الفلسطينيين، سياسيا وأمنيا واقتصاديا وبيئيا.
لكن الآراء والتقارير التي نشرت على الصعيد الإسرائيلي عن الجدار، تحتل أهمية فائقة لأكثر من اعتبار، أهمها أنها قليلة لكون الكتاب الإسرائيليين يعتقدون أن هذا الجدار بني لأسباب أمنية تحفظ أمن الإسرائيليين من العمليات الفدائية والتفجيرية، ومن ثم يعدّ ذلك مبررا واحدا يكفي لامتناع أحد من الإسرائيليين عن الاعتراض عليه.
وطرحت العديد من الآراء أسئلة في مقدمتها: هل جدار الفصل الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية ينتظره ما انتظر باقي الجدر والأسوار في مختلف دول العالم وعلى مر العصور؟ وهل يعلم الإسرائيليون أن هذا الجدار مصيره إلى الزوال في نهاية الأمر؟
وخرجت بعض الأوساط الإسرائيلية بقناعة مفادها أن هذا الجدار لن يؤدي إلا لتعميق الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن ثم فهي تهاجم فرضيات تناول كيفية اتخاذ الحكومة الإسرائيلية لقرار بناء الجدار الفاصل، والدور الذي اضطلعت به محكمة العدل العليا الإسرائيلية في تسهيل بنائه من النواحي القانونية، وهذه دلائل فقط على ما توصف بـ"القرارات الخاطئة"، التي ترتب عليها العديد من الأبعاد الإنسانية والقانونية، والاستخدام غير الموفق للمبررات الأمنية.
وتُتهم دوائر صناعة القرار في دولة الاحتلال بمحاولة "توظيف" تخوفات الإسرائيليين، لتنفيذ ذلك القرار الأمني، وما كلفه من تبذير هائل، وهائل جدا، لأموال دافعي الضرائب الإسرائيلي، مما ساهم في إثارة جدل في الأوساط الإسرائيلية حول الاختلافات بين التصريحات المعلنة لقادتهم حول الأغراض الأمنية للجدار، المتعلقة بمنع دخول المسلحين الفلسطينيين، ومنفذي العمليات، وبين ما هو سائد من أن هناك أغراضا وأهدافا لإسرائيل غير معلنة من إقامة الجدار، متمثلة أساسا بالسيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية لصالح توسيع المستوطنات.
اقرأ أيضا: هآرتس: خطة استيطانية في القدس تدفن حل الدولتين نهائيا
وهنا يمكن استحضار الذرائع الأمنية التي من أجلها بني الجدار، خاصة مع التراجع الملموس في العمليات الفدائية، لاسيما تلك القادمة من مدن الضفة الغربية، استهدفت مدن الخضيرة، كفار سابا، ونتانيا، حيث وصلت نسبة العمليات الاستشهادية التي استهدفت تلك المدن إلى صفر بعد بناء الجدار على تخومها، وبعد إقامة الجدار عامي 2004-2005، اتجهت الفصائل الفلسطينية لتركيز عملياتها في المدن الجنوبية كالقدس، تل أبيب، بئر السبع، حيث لم يصل بناء الجدار إلى تلك المدن.
في الوقت ذاته، يمكن الحديث عن العديد من الظواهر المصاحبة لفكرة بناء الجدار الفاصل، لاسيما ظاهرة قرية "بلعين" قرب مدينة رام الله، التي تحولت إلى معلم أسبوعي من معالم الاحتجاج على الآثار السلبية والكارثية للجدار، وما صاحبها من المظاهرات الأسبوعية التي شهدتها القرية بمشاركة فلسطينية ودولية واسعة من قبل المتضامنين الأجانب.
ولذلك، فإن تسليط الضوء على الذرائع التي أطلقتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وهي بصدد التسويغ لبناء الجدار الفاصل، يسهل مهمة تفنيدها، لاسيما على صعيد بناء العشرات من البوابات الأمنية التي تسبب احتكاكات ميدانية دائمة بين السكان الفلسطينيين وجنود الاحتلال، وما أحدثته من نتائج كارثية على طول الجدار، خاصة تلك الملاصقة لمنازل الفلسطينيين.
في هذا السياق، يمكن تقديم أرقام حول تكاليف بناء الجدار الفاصل، والمسافات التي استغرقها بناؤه، وحجم المساحات الأرضية التي تم استقطاعها من أراضي الفلسطينيين لصالح إقامته، مع العلم أن هناك تباينا واضحا في طبيعة القرار الإسرائيلي الخاص بإقامة الجدار، وعدم وجود إجماع من المؤسسات الرسمية، الحكومة ووزارة الحرب وهيئة الأركان، حول طوله، عرضه، عمقه.
وفيما طالبت الرؤية التي قدمها وزير الحرب الأسبق "إيهود باراك" بأن يكون طول الجدار على طول ما يعرف بـ"الخط الأخضر" بمسافة تصل إلى 313 كيلومترا، طالب رئيس الحكومة الراحل "أريئيل شارون" صاحب فكرة إقامة الجدار بأن يكون طوله 790 كيلومترا، ووفقا للإحصائيات الإسرائيلية، فقد وصلت تكلفة الكيلومتر الواحد ما يقرب من 15 مليون شيكل إسرائيلي، ما يقارب الـ4 ملايين دولار تقريبا.
"ميتافيم": 53% من الإسرائيليين متشائمون من إدارة بايدن
هآرتس: التسهيلات بغزة بالتنسيق مع مصر هدفها تأجيل المواجهة
محاولة إسرائيلية-أمريكية لتطويق الخلاف حول "قنصلية بالقدس"