الجولة الخامسة التي يقوم بها المبعوث الخاص الأمريكي إلى
اليمن تيموثي ليندركينج في المنطقة؛ اكتسبت منذ أولى محطاتها زخماً كبيراً باللقاء الذي أجراه المبعوث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يتحكم بالقرار السياسي والعسكري السعودي ويتطلع إلى إعادة ضبط إيقاع سياساته مع أولويات إدارة بايدن، بغض النظر عن نتائجها المحتملة على نفوذ بلاده الجيوسياسي في اليمن لمصلحة إيران.
كانت الخارجية الأمريكية قد أكدت أن ليندركينج سينجز مهمته بالشراكة مع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، لكن هذا الأخير غاب عن اللقاء الهام للمبعوث الأمريكي مع ولي العهد السعودي، والذي انعقد بحضور الفريق السعودي الذي يعمل على خط التوافق بين واشنطن والرياض لإنجاز سلام في اليمن.
فبالإضافة إلى حضور نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان الذي يُمسك بالملف اليمني، كان لافتاً مشاركة السفيرة
السعودية لدى واشنطن الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز في هذا اللقاء، وهو أمر غالباً ما يرتبط بزيارة كبار قادة الدولة الأمريكية إلى الرياض، أما أن تكون حاضرة في مباحثات يجريها المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن فثمة ما يؤكد أن الترتيبات الأمريكية في ما يخص إنهاء الحرب في اليمن جادة وبلغت مرحلة حاسمة بالفعل.
لكن من الواضح أن هذا اللقاء لا ينحصر على مسألة الحرب في اليمن، بقدر ما هو جزء من خطة شاملة لإعادة بناء الثقة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والإدارة الأمريكية الديمقراطية، تتضمن في ما تتضمن حملة علاقات عامة تعيد تأكيد دوره كرجل سلام في المنطقة، وأكثر انفتاحاً على إقامة علاقات إقليمية تتجاوز الإرث المتراكم من الخصومات والصراعات خصوصاً مع إيران، والقبول المحتمل بتسوية في اليمن قد تتخطى عقبة القبول السعودي بوجود مليشيا مسلحة ذات تأثير على حدودها الجنوبية، ما دام ذلك يكفل ضبط إيقاع السياسات السعودية مع توجهات وأولويات الإدارة الأمريكية ويعيد للعلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها من الاستقرار على الأقل.
هذا يعني أن الأزمة والحرب في اليمن تبلغان مرحلة حاسمة، ليس تأسيساً على إرادة الأطراف اليمنية التي تخوض الحرب على الأرض، بل على إمكانية نجاح الإدارة الأمريكية في حمل السعودية، وهي أهم مؤثر إقليمي في هذه الحرب على القبول بإعادة تكييف مبادرتها لوقف إطلاق النار؛ بحيث تلبي أولويات مليشيا الحوثي وتحقق جزءا من تطلعات إيران لإبقاء نفوذها الإقليمي حياً ومؤثراً في منطقتنا، دون تنازلات جوهرية من جانب طهران وحلفائها.
لقد كانت الخارجية الأمريكية واضحة في تبيان أجندة الجولة الخامسة للبمعوث الأمريكي إلى اليمن في المنطقة، حينما أكدت أن مناقشات المبعوث الخاص ليندركينغ خلال جولته الحالية ستركز "على ضمان التسليم المنتظم للسلع والمساعدات الإنسانية في مختلف أنحاء اليمن وبدون عوائق، وتعزيز وقف دائم لإطلاق النار ونقل الأطراف إلى عملية سياسية".
وهذا يشير بوضوح إلى أن مسألة الفتح غير المشروط لمطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة الواقعين تحت سيطرة
الحوثيين؛ ستكون على رأس أولويات المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن خلال جولته الحالية في المنطقة.
وما من نتيجة يمكن توقعها هنا سوى أن الحوثيين ربما اقتربوا من تحقيق مطالبهم المتعلقة برفع القيود على الواردات التي تصل إلى مناطقهم وتشكل شريان حياة لمعركتهم الشاملة ضد اليمنيين، على المسار السياسي والعسكري، بعد أن تبنت واشنطن تقريباً هذه المطالب، وإلا لما أصبحت هذه المطالب أولوية لدى المبعوث الخاص والإدارة الأمريكية التي أرسلته.
ولا أرى في المقابل شيئاً ذا قيمة، سوى أن هذا المبعوث يريد أن يحقق اختراقاً قد يكون ثمنه البخس هو التأكيد على أن السلام في اليمن لن يتحقق دون السعودية، بالإضافة إلى العمل على إيقاف الحرب على مشارف مدينة مأرب المعقل الرئيس للسلطة الشرعية دون رفع الضغط عن المدينة.
ولذلك سببه المعلن من الجانب الأمريكي وهو التفادي المرحلي على ما يبدو، لكارثة إنسانية لم تأخذ حتى الآن بعدها الموضوعي الكارثي في خطاب المؤسسات الدولية والمؤثرين الدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.
مرة أخرى تحصل إيران على ما تريد من مزايا جيوسياسية في المنطقة، بإمكانيات وقدرات وتأثير غيرها، لكن طهران مع ذلك لم تفقد الإرادة ولا التصميم طيلة السنوات الست الماضية، على الاستمرار في تقديم الدعم المؤثر والحيوي للحوثيين، ضمن شبكة إقليمية من التخادم تنخرط فيها أطراف لطالما ادعت أنها تدعم الشرعية، وفي المحصلة، ستحسم الحرب في اليمن، في ظل حيازة حليف إيران على مكاسب عسكرية وسياسية مهمة للغاية.
يأتي ذلك فيما تُدفع السعودية دفعاً لحسم انخراطها في حرب اليمن على إيقاع تحولات دراماتيكية في المواقف الأمريكية، وعلى خلفية متضعضعة كرستها السياسة السعودية نفسها، بعد أن عملت الرياض طيلة الفترة الماضية على إضعاف من يفترض أنه حليفها الأساسي ممثلاً بالسلطة الشرعية وحواملها المؤسسية والسياسية والأحزاب والجيش الوطني والمقاومة.
لكن هل يعقل أن السعودية لم تتحوط؟ وهل تخلت بالفعل عن مصادر القوة التي تدعم موقفها على الساحة اليمنية؟ وأنا هنا بالطبع لا أعتبر المجلس الانتقالي وسيطرته في عدن وسقطرى إلا أحد أسوأ هذه المصادر.
وما أقصده هنا هو الجيش الوطني، وذلك الإصرار المتنامي لدى منتسبيه ولدى أنصار الشرعية على عدم هزيمة دولتهم مع بقية من أمل في أن تعود القيادة السعودية إلى رشدها.
لقد أثبتت معارك مأرب أن قدرة الجيش الوطني والمقاومة على خوض المعارك على الحافة، كفيلة بأن تقلب الطاولة على كافة الترتيبات السيئة المحيطة بالدولة اليمنية، حتى لو تحولت السعودية إلى داعم أساسي لخطة إنهاء الحرب على قاعدة التمكين لإيران وأدواتها في اليمن.
twitter.com/yaseentamimi68