تنشر "عربي21" في قسم "فلسطين الأرض والهوية"، توثيقا أسبوعيا لفلسطين، كما تبدو فكرة ومفهوما في أذهان المثقفين والسياسيين والنشطاء الحقوقيين في العالم.. على اعتبار أن هذه الكتابات هي جزء من وثائق التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر.
اليوم ننشر رأي الكاتب والباحث العراقي علاء اللامي، عن القضية الفلسطينية في وعي الكتاب والمثقفين العراقيين.
علاء اللامي، كاتب عراقيّ مقيم في سويسرا. له العديد من المؤلفات الأدبية/ السياسية/ التاريخية، من مؤلفاته الأدبية؛ الشعر "دليل التنشيز"، النصوص المسرحية "إيجابيات الطاعون"، القصص القصيرة "الورد والنار"، ومن مؤلفاته السياسية؛ "السرطان المقدس: الظاهرة الطائفيّة في العراق من المتوكّل العباسيّ إلى بوش الأمريكيّ"، ومن أبحاثه التاريخية "موجز تاريخ فلسطين منذ فجر التاريخ وحتى الفتح العربي الإسلامي".
أنا صاحب القضية
بصراحة، وبعيدا عن أي ادعاءات ذاتية، فأنا كإنسان عربي عراقي، لا أعتبر نفسي مجرد "منحاز" للقضية الفلسطينية، فالانحياز قد يأتي من شخص غريب أو محايد أو منشق من معسكر العدو بعد أن استفاق ضميره، بل وبكل تواضع، أعتبر نفسي من أصحاب القضية، وفي الخط الأول للنضال من أجلها، ولا علاقة للأسباب السياسية والقناعات الفكرية والأيديولوجية التي أحملها في ذلك.
سبب ذلك، أن قضية فلسطين وشعبها هي عندي قضية التزام أخلاقي وإنساني في الدرجة الأولى، قبل أن تكون قضية تأييد سياسي لشعب شقيق ظُلِمَ وارتكبت بحقه أبشع جريمة تاريخية مستمرة حتى الآن، ويسكت بل ويتفرج عليها العالم المعاصر، وهي جريمة اقتلاعه من وطنه ورمي أكثر من نصفه العددي خارج حدود بلاده، وفي مخيمات اللجوء والشتات والغربة.
إنني أعتبر مأساة الشعب الفلسطيني وتشريده من وطنه إهانة شخصية لكرامتي كإنسان، واستفزازا مستمرا لحريتي كفرد، حريتي التي ستبقى ناقصة ما لم أدافع عن هذا الشعب حتى يعود إلى وطنه.
التزام أخلاقي
أعتقد أن هذا الالتزام الأخلاقي والإنساني بقضية فلسطين أقوى من كل التزام آخر؛ لأنه يشترط أولا وقبل كل شيء، وحتى قبل التفاوض والبحث عن حل دبلوماسي، حلا فوريا وجذريا لمأساة ملايين الفلسطينيين المقتلعين من وطنهم، بما يضمن عودتهم إلى مدنهم وقراهم. وجعل المطالبة بهذا الحق سابقة لأية مفاوضات أو تواصلات سياسية بين الأطراف المعنية بالشأن الفلسطيني.
فهذه المأساة، لم تحدث مثيلتها على مرِّ العصور، وينبغي وضع نهاية سريعة لها، وينبغي أن يكون ذلك الإجراء أو الحل شرطا ومقدمة قبل البدء بمناقشة أي حلول سياسية للصراع بين الفلسطينيين والمحتلين الغزاة، وهو بالإضافة لكونه التزاما أخلاقيا، فهو موقف حضاري وإنساني لا مكان فيه حتى للانحيازات والمُتَبنيات الفكرية والأيديولوجية، أو في الأقل يكون سابقا لها.
أصبح تبني قضية الشعب الفلسطيني من قبل الشباب العرب، أشبه بالهوية المُعَرِّفة بالشخص بعد أن صارت من شروط الهوية الإنسانية والسياسية للحركات والأحزاب الوطنية واليسارية العربية.
لقد تشكل وعي غالبية أبناء جيلي ـ وأنا الآن في الستينيات من عمري ـ في فترة النهوض الوطني والعروبي والانتصارات التحررية والهزائم. وكان لفلسطين مكانها الأهم والأرقى في الضمير والعقل والقلب لدى غالبية هذا الجيل، حتى أصبح تبني قضية الشعب الفلسطيني من قبل الشباب العرب أشبه بالهوية المُعَرِّفة بالشخص، بعد أن صارت من شروط الهوية الإنسانية والسياسية للحركات والأحزاب الوطنية واليسارية العربية.
وكان من الغريب وغير القابل للتصديق، أن يكون المرء وطنيا أو قوميا أو يساريا ـ قبل أن تأخذ الحركات الإسلامية مكانها وثقلها الجماهيري في عصرنا الحالي ـ ولا يكون في الوقت نفسه متضامنا ومؤيدا لحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن قضيته واسترجاع وطنه من الغزاة الصهاينة الطارئين. ثم شاء التاريخ أن تنقلب الآية أو تكاد، فيغادر مَن غادر من أفراد النخب السياسية، وخصوصا اليسارية في أيامنا هذه تلك الهوية والمواقف الفارزة لهوية الإنسان العربية، ولكن القابضين على جمر الإيمان بفلسطين وانتصار شعبها، ما يزالون موجودين في الميدان رغم التراجعات والارتدادات التي حدثت.
لا بديل عن الاستقلال والحرية
شخصيا، ومع التقدم في العمر، بدأت أعطي لمساهمتي التأليفية المتواضعة عن فلسطين اهتماما أكبر، فألفت كتابين: صدر أولهما قبل عامين تقريبا، وهو "موجز تاريخ فلسطين منذ فجر التاريخ وحتى الفتح العربي الإسلامي"، وصدر الثاني قبل أشهر قليلة وهو "نقد الجغرافيا التوراتية خارج فلسطين".
أما على صعيد الفكر السياسي، في ما يخص القضية الفلسطينية، فقد تعمقت مواقفي القديمة التي كانت تنأى عن الحلول المطروحة دوليا؛ فحل الدولتين يوشك على الوصول إلى الجدار وينتهي إلى الفشل واستحالة التنفيذ. أما حلُّ الدولة الواحدة القائم على النضال من أجل تفكيك الدولة الصهيونية، ونيل الشعب الفلسطيني لحقوقه في الاستقلال والحرية، مع الأخذ بنظر الاعتبار جميع التداعيات والإفرازات التي نجمت عن الغزوة الصهيونية وإقامة دولة "إسرائيل"، فبنظر الاعتبار، لتكون فلسطين دولة لجميع سكانها من العرب واليهود، وأخص هنا اليهود الذين ولدوا فيها، وليس لهم وطن آخر يذهبون إليه أي "يهودا الصابرا".
وقد تنبه إلى هذا الموضوع، القائد الفلسطيني الراحل، حكيم الثورة الفلسطينية جورج حبش، فكتب في مذكراته "حين أفكر في الموضوع الفلسطيني، أشعر أن من حق الفلسطينيين استعادة الأرض الفلسطينية حتى آخر شبر فيها؛ لأنهم أصحاب الأرض. وفي الوقت نفسه، لا يستطيع أي إنسان عاقل أن يتجاهل حقيقة وجود خمسة ملايين يهودي، يعتبرون أنفسهم في دولة اسمها "إسرائيل" وأن الدولة من حقهم. فهل نستطيع أن نفكر في حل يكفل لنا حقنا التاريخي على أرضنا؟ ص 236 ـ صفحات من مسيرتي النضالية).
فهذا الحل يشترط تحقق ظروف دولية وعربية وفلسطينية ملائمة ومساعدة، من أهمها حدوث انكسار أو ضعف جزئي أو كلي يطرأ على الهيمنة الإمبريالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم، بما يفقد الكيان الصهيوني منبع قوته وسبب استمرارية وجوده عسكريا واقتصاديا وإعلاميا. أعتقد، دون أوهام ورغبوية ذاتية، أن هذا الطموح أمر صعب التحقق، ولكنه ليس مستحيلا. فالمشهد العالمي يشهد في أيامنا الكثير من الظواهر الإيجابية، ومنها تراجع الاقتصادات الغربية والصعود الصيني المستمر، وربما نكون اليوم أقرب إلى تحقيقه منا في أي زمن ولى، وستنتصر فلسطين وشعبها وينتصر العالم بانتصارها.
وزير مغربي سابق: فلسطين قضية إنسانية ونصرتها فرض عين وكفاية
المؤرخ مصطفى كبها والحاجة لتأريخ الحدث الفلسطيني
"الحرم الإبراهيمي".. تاريخ رابع الأماكن المقدسة عند المسلمين