عاد إلى واجهة السياسة الأمريكية من جديد، بعد أن عمل سابقا مع 3 رؤساء أمريكيين منذ عهد الرئيس جورج بوش الابن، ومرورا بعهد باراك أوباما وعهد دونالد ترامب، والآن يدخل البيت الأبيض مع الرئيس المنتخب جو بايدن.
اكتسب شهرته وأهميته حين أشرف سابقا على تشكيل تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تدمير "تنظيم الدولة" في العراق وسوريا.
إرسال ترشحيه من بايدن يعد إشارة مقلقة إلى تركيا قد تعقد جهود بايدن لإعادة الدفء في العلاقات مع أنقرة، "الحليف المشاغب" داخل "الناتو".
أطلقت عليه صحيفة "يني شفق" التركية لقب "رأس الأفعى".
بريت ماكغورك المولود عام 1973 في مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسيلفانيا لأب كان يعمل أستاذا للغة الإنجليزية، ولأم كانت مدرسة للفنون. حاصل على شهادة البكالوريوس في الفنون من "جامعة كونيتيكت" عام 1996، لكنه حول تخصصه إلى القانون عام 1999 وحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الحقوق في "جامعة كولومبيا"، وعمل خلال دراسته الجامعية محررا في مجلة قانون "جامعة كولومبيا".
عمل بعد تخرجه مساعدا قضائيا، وتدرج خلالها في عمل القضاء الاتحادي. انتقل بعدها للعمل في القطاع الخاص إضافة إلى عمله أستاذا مساعدا في كلية الحقوق في "جامعة فيرجينيا".
لكنه ما لبث أن عاد عام 2004 للعمل في القطاع الحكومي مستشارا قانونيا في "سلطة الائتلاف المؤقتة" في العراق، وكذلك مستشارا قانونيا لسفير الولايات المتحدة في بغداد.
وفي تلك الفترة ساعد على صياغة مسودة الدستور العراقي المؤقت والقانون الإداري الانتقالي، وكذلك أشرف على الإجراءات القانونية لانتقال الحكم من "سلطة الائتلاف المؤقتة" إلى الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة إياد علاوي.
وفي عام 2005 انتقل للعمل في مجلس الأمن القومي الأمريكي مديرا لشؤون العراق، ومستشارا خاصا للرئيس جورج دبليو بوش. وكان أول من روج لفكرة زيادة عدد القوات الأمريكية هناك، التي بدأت بالفعل عام 2007.
أشار إليه بوش في كتابه "نقاط القرار" على أنه جزء من "فرقة المحاربين الشخصية" للرئيس، التي أدت إلى "إحداث استراتيجية جديدة وإعادة الحرب إلى مسارها في العراق".
وفي عام 2009، كان ماكغورك أحد السياسيين الذين انتقلوا من إدارة بوش إلى إدارة أوباما، وتولى منصب مستشار الرئيس ومستشار سفير الولايات المتحدة في العراق.
لكنه لم يستمر هنا طويلا، فترك العمل في القطاع الحكومي، حيث انتقل إلى موقع زميل مقيم في "معهد هارفارد للسياسات"، حيث أشرف على مجموعة دراسية تعنى ببحث المواضيع المتعلقة بدراسة مستويات الخطورة في المداولات.
وشغل منصب زميل الشؤون الدولية في مجلس العلاقات الخارجية.
ودعي ماكغورك للعمل في القطاع الحكومي بعد ذلك مرتين، المرة الأولى كانت بعد أزمة تشكيل الحكومة العراقية عام 2010، وفي عام 2011 بعد تعثر المفاوضات الخاصة بتمديد الاتفاقية الأمنية والتي كانت قد أبرمت مع الحكومة العراقية سابقا.
بعد نجاحه في مهمته، عين عام 2013 نائبا لمساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران، فساعد من خلال موقعه في الإشراف على إجلاء 1500 موظف أمريكي من السفارة الأمريكية ببغداد، تولى بعدها مهمة تشكيل حكومة جديدة في العراق برئاسة حيدر العبادي بعد تنحي نوري المالكي، الذي كان قد شغل منصب رئيس الوزراء على مدى ثماني سنوات.
عينه أوباما عام 2015، في منصب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة "تنظيم الدولة" فعمل في شمال سوريا كجزء من بعثة مكافحة التنظيم، والتقى مع مسؤولين من حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي و"وحدات حماية الشعب" الكردية.
تزامن ذلك مع قيادة ماكغورك مفاوضات سرية مع إيران ما بين عامي 2014 و2016 للإفراج عن 4 سجناء أمريكيين في طهران، من بينهم مراسل صحيفة "الواشنطن بوست".
وذكر وقتها أن تلك المهمة استمرت 14 شهرا، بالإضافة إلى العديد من المهمات الأخرى التي قادها مما عزز من سمعته كشخص قادر على تنفيذ المهام الصعبة، بحسب وسائل إعلام متعددة.
وظل في منصبه هذا حتى استقالته بعد أمر ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا عام 2018. وقال ترامب، حينها، ردا على الاستقالة، إنه لا يعرف من هو بريت ماكغورك، واستقالته قبيل موعد انتهاء مهمته "ضرب من التصنع ومحاولة للفت الأنظار إليه" بحسب ترامب.
وانتقد ماكغورك أوامر ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا والتدخل العسكري التركي ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية. كما انتقد تركيا لـ"عدم تأمين" حدودها الجنوبية الشرقية مع تدفق الأجانب إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة في وقت سابق من الصراع.
واعتبر أن قرار ترامب "انقلاب كامل على السياسة المرسومة سابقا".
وقال ماكغورك في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" إن "التنظيم لم يهزم بعد".
اختاره جو بايدن، لدور قيادي في البيت الأبيض للإشراف على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهو ما يعد مؤشرا على طريقة تعاطي إدارته مع ملفات المنطقة الساخنة والمشتعلة.
وينظر الأتراك إلى ماكغورك على أنه وجه لسياسة الولايات المتحدة لتسليح "وحدات حماية الشعب" الكردية السورية التي تمتلك علاقات مع حزب "العمال الكردستاني" الذي يشن تمردا ضد الحكومة التركية منذ عام 1984.
وتشير الاختيارات إلى أن بايدن يعتزم اتخاذ موقف متشدد تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأنه يعتزم قيادة السياسة الإيرانية بالدبلوماسية بدلا من العقوبات والقوة العسكرية.
وتتهم وسائل إعلام تركية وعراقية ماكغورك بأنه كان مشرفا على دخول تنظيم الدولة إلى الموصل، دون أن تقدم دليلا، عندما كان ينتقل بشكل غير رسمي بين سوريا والعراق، وأنه عند اجتياح تنظيم الدولة للعراق كان متواجدا في أربيل، وقبلها في كوباني بشكل غير رسمي.
وتتهمه بأنه كان يعمل مع الفصائل الكردية المسلحة والسياسية في شمال سوريا التي تخطط إلى الانفصال عن سوريا وإقامة دولة تمتد من حدود العراق شرقا وشمال سوريا، وجنوب تركيا، وتنتهي بالبحر المتوسط حتى يكون لها منفذ بحري.
بالمقابل، يتهم ماكغورك تركيا بتسهيل دخول 40 ألف عنصر من تنظيم الدولة عبر حدودها إلى سوريا والعراق، الأمر الذي نفته أنقرة، كما انتقد العمليات العسكرية التركية في سوريا، واصفا تركيا بأنها "أصبحت الجنة الأكبر للإرهابيين حول العالم"، وفق تعبيره.
وسبق أن طالب وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في عام 2017، بعزل ماكغورك نتيجة دعمه لـ"قسد"، التي تصنفها تركيا "تنظيما إرهابيا".
ولا ينكر من يعادون سياساته أنه يمتلك عقلا سياسيا وخبرة في المفاوضات السرية في الشرق الأوسط، يساعده إتقانه اللغة العربية والفارسية في الولوج بسهولة إلى ملفات المنطقة.
وعلى خلاف سياسة ترامب التصعيدية تجاه إيران، حمل ماكغورك موقفا من إيران يتصف بالحذر دون الرغبة في الصدام معها أو إشعال حرب لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
ويعد تعيين ماكغورك إشارة إلى مسار أمريكي سيكون مزعجا لأنقرة التي تريد تطبيع العلاقات التركية الأمريكية، لكن ليس قبل وقف الدعم الأمريكي للوحدات الكردية في سوريا.