مقالات مختارة

نهاية نظامين.. لا نظام واحد

1300x600

الجامعة العربية، أقدم منظمة إقليمية، عمرها من عمر الأمم المتحدة، تأسست على هامش القضية الفلسطينية، ونمت على جذعها، والأصل أنها الرافعة والمظلة لكفاح شعب فلسطين للتحرر من الاحتلال والعنصرية.

 

هذه المنظمة، سطرت في الاجتماع الأخير لوزراء خارجيتها "شهادة دفنها"، وشكرا لـ"كوفيد 19" أنه جعل الاجتماع يتم عبر تقنية "الاتصال عن بعد"، وإلا لكان الخلاف وصل إلى حد استخدام القبضات أو "منافض السجائر"، كما حصل في مناسبات سابقة.

 

نقول هذه المنظمة سطرت "شهادة دفنها"، بعد أن نعينا مرات ومرات، "اللا-نظام العربي" الذي لم يدرأ ضرا ولم يجلب نفعا، وكان مصيره الفشل، في كل مرة حاول فيها التصدي لنزاع بيني أو آخر بين دولة عربية وأخرى غير عربية، دع عنك الصراع الأعقد والأطول في التاريخ: الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.


منظمة التعاون الإسلامي، المؤتمر الإسلامي سابقا، أكبر منظمة إقليمية وأعرضها، عضويتها تناهز السبعة وخمسين دولة، نشأت بدورها على هامش القضية الفلسطينية وجذعها، بعد أن تحوّل حريق الأقصى (1969) إلى شرارة أيقظت مشاعر التضامن الإسلامي مع الشعب الفلسطيني.

 

تاريخيا، كانت المنظمة تتبنى تلقائيا ما يصدر عن "المجموعة العربية" من قرارات وتوصيات، لكن تردي الحالة العربية من جهة، وصعود بعض الدول الإسلامية (تركيا، إيران، ماليزيا، الباكستان) من جهة ثانية، وقدرة الأخيرة على اتخاذ مواقف أكثر استقلالية عن مراكز القرار الدولي، وتحديدا واشنطن من جهة ثانية، جعل المنظمة الإسلامية أكثر تقبلا للمواقف الفلسطينية من نظيرتها العربية.


كلتا المنظومتين، تقفان على مفترق خطير. الجامعة وقفت طويلا على هذا المفترق.

 

هزال الحالة العربية أفضى إلى هزال الحالة الإسلامية، العرب طالما كانوا نواة "التعاون الإسلامي" و"محركه".

 

الصورة مختلفة اليوم، على أن الانقسام حول المسألة الفلسطينية ليس السبب الوحيد، أو حتى الرئيسي، في ضعف المنظمة الإسلامية وتفككها.

 

ثمة صراعات محتدمة على الزعامة والنفوذ، وثمة دول إسلامية لم يعد يرضيها البقاء في موقع المتلقي لما تمليه الجماعة العربية.

 

قمة كوالالمبور (2019)، ليست بداية مطاف الانقسام في منظمة التعاون، ولن تكون نهايته.

 

في المرة السابقة، تغيبت الباكستان أو غَيّبتها الضغوط التي فرضت عليها، كما قال رئيس وزرائها مؤخرا. في المرة التالية، لن تغيب الباكستان عن لقاء ثانٍ لمجموعة كولالمبور، وسينتقل مركز ثقل العالم الإسلامي إلى دوله الكبرى، غير العربية، وهذا منسجم على أية حال مع الحالة العربية الراهنة الموزعة على المحاور والمعسكرات المتصارعة، التي تتولى قيادتها دول غير عربية: الولايات المتحدة، تركيا وإيران، والأرجح أننا سنكون أمام منظمة إسلامية ثانية، بديلة أو موازية، تغلب التعاون الاقتصادي والتقني والتجاري والمالي والثقافي بين أعضائها، لكنها لن تغفل التضامن مع شعب فلسطين، ولن تتنكر لرسالة "المؤتمر الإسلامي" الأولى، التي تمت صياغتها بتأثيرات حريق الأقصى، بل وربما تكون أكثر فاعلية في التعبير عن مظاهر الدعم والإسناد من المنظمة الأم.


منظمتان إقليميتان، كبيرتان ووازنتان، قديمتان وعريقتان، نشأتا بفعل تداعيات القضية الفلسطينية وبهدف دعمها، يبدو أنهما باتتا عرضة للشلل والانقسام.

 

لكن بقليل من التفاؤل، يمكن القول؛ إن جديدا ربما سينشأ من رحم القديم، وربما يكون أكثر رشاقة وفاعلية.

 

(الدستور الأردنية)

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع