سلط مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الاثنين، الضوء على مشاعر الغضب المستمرة لدى قطاعات واسعة من الشعب التركي، إزاء انتزاع حقوق من بلادهم في مثل هذا اليوم من عام 1920، ما خلق جذورا لأزمة تتفجر من وقت لآخر بشرق المتوسط، مهددة أمن واستقرار المنطقة.
وذكّر الكاتب "إيشان ثارور"، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، بأن مسؤولين فرنسيين وبريطانيين وإيطاليين اجتمعوا قبل مئة عام في مصنع خزف جنوب غرب باريس، لتقسيم ما تبقى من أراضي الإمبراطورية العثمانية.
وتم توقيع معاهدة سيفر في 10 آب/ أغسطس 1920 بعد أشهر من المفاوضات بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، ما مهد الطريق أمام تشكيل الشرق الأوسط الحديث، بحسب "ثارور".
وفرض الاتفاق شروطا على العثمانيين المهزومين، تعتبر الأكثر عقابية، مقارنة بتلك التي فرضت على ألمانيا في معاهدة "فرساي" في وقت سابق من ذلك العام.
وأجبرت "سيفر" الإمبراطورية العثمانية على التنازل عن أراضيها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورسمت بريطانيا وفرنسا مناطق نفوذ استعماري من صحاري شبه الجزيرة العربية إلى البحر الأسود، فيما أمّنت اليونان وإيطاليا مناطق خاصة بهما فيما هي الآن غرب وجنوب تركيا، بما في ذلك الاحتفاظ بالعديد من جزر بحر إيجة.
وتم بموجب المعاهدة تدويل وضع مدينة إسطنبول، التي كانت عاصمة الإمبراطورية العابرة للقارات، وكذلك المضائق الاستراتيجية، فضلا عن منح الأكراد والأرمن أراض خاصة بهم.
وتركت "سيفر" للعثمانيين دويلة في أراضي الأناضول الداخلية.
وبقي لخطط تلك المعاهدة إرث دائم في استباق ترسيم الحدود والمستقبل السياسي لدول مثل الاحتلال الإسرائيلي وسوريا ولبنان والعراق، بحسب الكاتب.
اقرأ أيضا: على مرمى حجر من تركيا.. كيف أصبحت هذه الجزر يونانية؟
وأضاف: "ولكن لا تذكر هذه المعاهدة في الغرب كما تذكر اتفاقية سايكس بيكو، بسبب ما حصل بعد ذلك في تركيا. حيث قام القوميون في الصفوف العثمانية، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، برفض معاهدة سيفر وشنوا سلسلة من الحروب أخرجت الفرنسيين واليونانيين والإيطاليين من الأناضول واضطروا الأوروبيين للاتفاق على شروط جديدة في معاهدة لوزان عام 1923 والتي عرّفت حدود تركيا الحديثة".
وتابع، في المقابل، بأن الذاكرة حول الخطط الاستعمارية الغربية لحرمان تركيا من سيادتها، والنضال المسلح الذي احتاجت له لإفشالها، لا تزال يعيش في المخيلة السياسية التركية.
وكتب المؤرخ نيكولاس دانفورث، وهو مؤرخ لتركيا القرن العشرين، في مقال له عام 2015، بالتزامن مع الذكرى 95 للمعاهدة: "لقد تم نسيان معاهدة سيفر بشكل كبير في الغرب، ولكن إرثها لا يزال قويا في تركيا حيث ساعدت على تغذية شكل من أشكال البارانويا القومية التي أطلق عليها العلماء متلازمة سيفر".
وأضاف دانفورث: "لا شك أن سيفر تلعب دورا مهما في حساسية تركيا تجاه الانفصالية الكردية، بالإضافة إلى الاعتقاد بأن إبادة الأرمن، والتي استخدمت بشكل واسع من قبل الدبلوماسيين الأوروبيين لتبرير خططهم للأناضول عام 1920 – كانت دائما مؤامرة ضد تركيا وليست حقيقة تاريخية".
وتلوح هذه المعاهدة بشكل أكبر الآن، بحسب الكاتب، في مشاهد من بينها بدء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يميل دائما لاستخدام الشعارات التاريخية، نهاية العام الماضي، بلقاء زعيم الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة في قصر سابق للسلاطين العثمانيين بإسطنبول.
وبعد إحدى تلك الاجتماعات، ربط أردوغان سياسة تركيا الخارجية الجريئة بلحظة محاسبة تاريخية، قائلا: "بفضل هذا التعاون في المجال العسكري ومجال الطاقة نقلب الطاولة على اتفاقية سيفر"، مشيدا بجهود بلده للقيام ثانية بإظهار قوتها في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وفي الأشهر التي تلت ذلك، ساعدت الطائرات المسيرة التركية حكومة طرابلس بعكس مسار المعركة في الحرب الأهلية الليبية، بحسب "ثارور".
وحصل أردوغان، بفضل الدعم الليبي، على حقوق التنقيب عن النفط والحفر المحتمل في شرق البحر الأبيض المتوسط وهو ما وضع تركيا في حالة صراع مع بلدان أخرى في المنطقة بما في ذلك اليونان ومصر وقبرص وفرنسا.
وينقل المقال عن "ياروسلاف تروفيموف" كبير مراسلي "وول ستريت جورنال" للشؤون الدولية قوله: "أحد أسباب التصرف التركي هو أنه عدا حكومة طرابلس التي تسيطر على نصف ليبيا الممزقة بالحرب فإن أنقرة – المتورطة بأعمال عسكرية في سوريا والعراق – ليس لديها حلفاء في المنطقة تقريبا".
وأضاف الكاتب أن تركيا تواجه في هذا الإطار تحالفا يضم أغلب الدول المشاطئة لشرق المتوسط، وعداء مع فرنسا، التي يفترض أنها حليفة استراتيجية في إطار "الناتو".
اقرأ أيضا: هل تحتم "الذاكرة التاريخية" حربا بين تركيا واليونان قريبا؟
وبينما يستحضر الخبراء الاستراتيجيون الأتراك، بحسبه، فكرة "الوطن الأزرق"، والتي تقوم على رؤية توسعية للحقوق في شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، يتحدث المسؤولون في اليونان، والتي هي حليف آخر، مفترض، في إطار الناتو، بشكل صريح عن احتمال حقيقي لصراع عسكري مع تركيا.
وفي وقت بدأت تتلاشى فيه علاقات فترة الحرب الباردة، بدأ الواقع التاريخي يتقدم إلى الواجهة، وفق الكاتب، موضحا في هذا الإطار أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أثناء تجوله ببيروت، بعد الانفجار، الأسبوع الماضي، وعد "الجماهير اللبنانية الغاضبة" بتغيير للوضع السياسي، مستخدما نبرة السياسة الفرنسية التقليدية تجاه "محميتها السابقة".
وبالنسبة لأردوغان، فإن السجالات الحالية التي يدخلها هي جزء من لعبة القوة القومية غير المقتصرة على تركيا.
وقال يوهنان بنهايم، وهو عالم متخصص بالشأن التركي لصحيفة "لوموند" الفرنسية، في مقال تحدث عن "انتقام" أردوغان من معاهدة سيفر: "السياسة الخارجية التركية قهرية بشكل متزايد وتحاول تحقيق الحد الأقصى.. وهي تعكس ما نشهده في بلدان أخرى، موقف إسرائيل التي تريد ضم الضفة الغربية وروسيا التي ضمت القرم. وهو ما يجعل النظام الدولي موضع تساؤل. فما نشاهده في تركيا هو ترجمة لظاهرة عالمية قائمة على التشكك في الوضع القائم والنظام العالمي الذي ساد حتى وصلنا إليه".
وردا على ذلك، قال "إبراهيم كاراغول"، وهو معلق تركي متشدد، في مقال نشرته "لوموند" أيضا، إن الإعلام ليس مخطئا في تسليط الضوء على مدى أثر معاهدة سيفر على السياسة الخارجية التركية الحازمة الجديدة، واصفا أجندة أردوغان بأنها "تغلق قوسا عمره قرن.. وينشق الباب على القرون الجديدة".
موقع صيني: في ذروة الحرب بليبيا لماذا اختارت مصر غزو سوريا؟
لماذا عينت لندن سفيرها السابق بأنقرة لرئاسة الاستخبارات؟
الغارديان: هكذا تتجهز أوروبا لموجة ثانية من "كورونا"