"وضعونا بين
خيارين أحلاهما مر؛ إما أن نمكث مبدئيا لمدة أربعة شهور إلى حين تحسن الوضع
الوبائي، أو أن نأخذ مستحقاتنا ونترك العمل، مع التنازل عن راتب شهر كامل".
بهذه الكلمات بدأ
الشاب أحمد حديثه حول معاناته و15 أردنيا يعملون في شركة مبيعات بالعاصمة السعودية
الرياض، مضيفا أنهم اختاروا ترك العمل بسبب الإيجارات والمصاريف العالية، وغموض
المستقبل الوبائي مع تزايد الإصابات بفيروس كورونا.
وأوضح أحمد، الذي
فضل ذكر المقطع الأول من اسمه لـ"عربي21"، أن شركات سعودية عديدة فعلت
الشيء ذاته مع العمالة الأردنية وغيرها، وشركات أخرى خيرتهم بين المغادرة أو أخذ
نسبة تتراوح بين 40 و60 بالمئة من الراتب، إلى حين انقشاع ضباب كورونا عن الحالة
الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
وأكد الشاب
الثلاثيني أنه يعرف أردنيين في السعودية "لا يجدون حاليا قوت يومهم، بانتظار
أن يأتي دورهم في الرحلات التي تسيرها الحكومة الأردنية للعالقين في دول
الخليج،
ليعودوا فارغي اليد، أو ربما مثقلين بالديون".
وحول الخيارات
المتاحة لديه حال عودته إلى الأردن؛ قال أحمد إنه استأجر حديثا شقة بالقرب من منزل
والديه، مضيفا: "أمامي خياران؛ إما أن أعمل في شركة مبيعات ولو كان الراتب
قليلا، أو أفتح مصلحة صغيرة كسوبرماركت أو ما شابه".
لا دراسة حكومية
وفرضت قضية
العائدين من الخليج نفسها على المؤتمر الصحفي الذي عقدته الحكومة الأردنية الأحد
الماضي، حيث قال وزير الدولة لشؤون الإعلام، أمجد العضايلة، ردا على سؤال أحد
الصحفيين، إن الحكومة "لم تعدّ أي دراسة لما سيكون عليه وضع الأردنيين العائدين
من الخليج".
وأضاف: "هؤلاء
أبناؤنا الأعزاء الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الأشقاء، ولديهم مهارات مهمة، لذلك نأمل
أن يكون لهم أيضا إسهاماتهم في قادم الأيام في بناء الأردن وبناء نهضته".
وأوضح العضايلة أنه
لا يوجد لدى الحكومة إحصائية بالأردنيين الذين فقدوا فرص عملهم في دول الخليج، لافتا
إلى أنه "حتى الآن تم إحضار أكثر من 20 ألف مواطن أردني، وخطط الإخلاء ما زالت
مستمرة".
من جهته، قال
الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت، إن ثمة سببين رئيسين لعودة الأردنيين من الخليج؛
الأول جائحة كورونا التي أوجدت لديهم رغبة بالعودة إلى أسرهم ولم الشمل، وخاصة
القاطنين منهم في مناطق ترتفع فيها معدلات الإصابة.
وأضاف أن السبب الأهم
يتمثل في الوضع الاقتصادي المتراجع لدول الخليج بسبب تزامن جائحة كورونا مع الأزمة
الاقتصادية العالمية، ما دفع هذه الدول للتخلي عن الكثير من العمالة الخارجية، وبالتالي
أصبح عدد غير قليل من الأردنيين معرضين لـ"الفصل القسري".
وحول تصريحات
الوزير العضايلة، رأى الكتوت أن الحكومة لم تستطع أن توقف حالة التدهور الاقتصادي
السائدة في البلاد، فمن الطبيعي ألّا تلتفت لمشكلة العائدين من الخليج، مؤكدا أن
"الوضع الاقتصادي في البلاد غير مستقر، وهناك شركات ومؤسسات كبرى تتعرض
للإفلاس".
ودعا الخبير
الاقتصادي إلى إعادة النظر في الواقع الأردني كله بعد أزمة كورونا، والتفكير
بسياسات جديدة تخرجه من حالته المستعصية، لافتا إلى أن "حديث الحكومة عن
التوجه نحو الصناعة والزراعة مهم، ولكنه بحاجة إلى إجراءات واسعة حتى نتمكن من
الوصول إلى الاعتماد على الذات، وهذه الإجراءات لم تتخذ، ولم نشعر بأن هناك أي
توجه إلى تطبيقها".
آثار الهجرة
العكسية
ويرى مختصون في
الشأن الاقتصادي أن عودة العمالة الأردنية في الدول الخليجية تشكل سلاحا ذا حدين،
فإما أن يتم استثمارها بما يرفع سوية اقتصاد البلاد المتقهقر، أو أن تصبح عبئا
جديدا يزيد نسب الباحثين عن العمل في بلد تعاني من تنامي نسب البطالة.
وبحسب دراسة أعدتها
جمعية سيدات ورجال الأعمال المغتربين مؤخرا، فإن حوالي 50 بالمئة من المغتربين الأردنيين
الذين يخططون للعودة النهائية للأردن بسبب كورونا سيعملون على دراسة وتدشين مشاريع
استثمارية خاصة بهم بحجم يقدر بنحو 250 مليون دولار.
ويرى الخبير الكتوت
أن "هجرة الأردنيين العكسية ستترك أثرا إيجابيا وآخر سلبيا وهو الأكبر"،
موضحا أن "التأثير السلبي يتمثل في أن يكون لدى بعض العائدين مدخرات مالية يُدخلونها
إلى البلاد، ما قد يرفع الإنفاق، ويزيد الاستثمار، ويُحدث بعض التحرك الاقتصادي".
وتابع: "أما
التأثير السلبي، فيتمثل في ارتفاع معدلات البطالة بسبب عدم توفر فرص عمل فائضة
تستوعب هؤلاء العائدين، بالإضافة إلى توقف التحويلات المالية التي كان يرسلها
المقيمون في الخارج إلى البلاد، التي تصل لحوالي أربع مليارات دولار سنويا، ما
سيتسبب في تراجع احتياط البلاد، في ظل توقف عائدات السياحة من العملات الأجنبية
بسبب أزمة كورونا".
وصعدت معدلات البطالة
في سوق العمل الأردنية إلى 19.3 بالمئة في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بـ18.6
بالمئة نهاية 2019، بحسب تقرير نشرته دائرة الإحصاءات العامة الحكومية في أواخر
أيار/ مايو الماضي.
وتشير البيانات
الصادرة عن البنك المركزي الأردني مؤخرا إلى تراجع إجمالي حوالات الأردنيين العاملين
في الخارج، بنسبة 5.9 بالمئة على أساس سنوي، خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري،
مقارنة بالفترة ذاتها من 2019، حيث بلغ إجمالي الحوالات 800 مليون دينار (1.1 مليار
دولار) حتى نهاية نيسان/ أبريل الفائت، في مقابل 851 مليون دينار (1.202 مليار دولار)
في الفترة المقابلة من 2019.
وتُعد حوالات العاملين
في الخارج أحد المصادر المهمة التي يتغذى عليها الاحتياطي الأجنبي في الأردن، إلى جانب
الاستثمار الأجنبي المباشر والدخل السياحي والإيداعات بالدولار، علاوة على إيرادات
الصادرات.