مقالات مختارة

حكومة حمدوك.. سقوط وشيك

1300x600

بعد مرور عام على إسقاط نظام الرئيس عمر البشير تصاعدت نهاية الأسبوع الماضي حدة المظاهرات المطالبة بإسقاط الحكومة الانتقالية في السودان. المحتجون الغاضبون طالبوا بإجراء إصلاحات اقتصادية، وتحسين الأوضاع المعيشية، ورفض التدخل الإقليمي في شؤون البلاد.


المظاهرات رفعت درجة التوتر لدى حكومة رئيس الوزراء الانتقالي عبدالله حمدوك ليس بسبب توقيتها فحسب، ولكن بسبب مستوى التنظيم الدقيق الذي صاحبها من حيث الحماية الذاتية للمواكب وفاعلية الوحدات الصحية والتأمينية والسياسية والإدارية التي أدت مهامها بكفاءة، الأمر الذي أربك الأجهزة الأمنية وحدّ من هامش المناورة لديها فاكتفت بالمراقبة والمتابعة، لاسيما أنه لم تسجل أي خروقات أو تخريب من جانب المحتجين.


ومن الواضح أن تلك المظاهرات لم تكن سوى بداية لا يجب الاستهانة بها، كما استهانت حكومة الرئيس البشير بالتظاهرات التي تطورت مع مرور الوقت، حتى أطاحت بها وجعلتها جزءا من التاريخ، وعليه يجب على حكومة حمدوك الانتباه ومعالجة الاختلالات، عوضا عن دفن الرؤوس في رمال العقل الباطن الرافض والمكذب لواقع لا يمكن التغاضي عنه وإنكاره، فقد أصدر تحالف قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية لحكومة حمدوك بيانا غاضبا ألقى فيه باللوم على الشرطة، مطالبا إياها بحسم المتظاهرين دون اعتبار لحق التعبير والتظاهر المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية، التي تمثل دستورا مؤقتا للفترة الانتقالية.


ومثلما أخرجت الضائقة الاقتصادية والمعيشية الجموع ضد البشير، فقد خرجت تلك التظاهرات بعد فشل حكومة حمدوك في حل الضائقة المعيشية، أو على الأقل وقف التدهور المستمر حيث زادت الأوضاع سوءا على سوء.


وفيما طالب المتظاهرون الجيش بالتدخل، بدا مستعصما بدور المراقب وتأمين مدخل قيادته العامة بالأسلاك الشائكة ونشر آلياته ومدرعاته، لكن هناك في الأفق يشتد الصراع السياسي بين حكومة حائرة تعوزها البرامج الاقتصادية والاجتماعية وبين شعب ثائر ملّ الوعود والنفاق السياسي النخبوي وهو يتوق لرفع إصر الأغلال المعيشية عن كاهله. لقد مثلت مظاهرات خواتيم الأسبوع المنصرم أكبر تحدٍّ لحكومة حمدوك، بل لكامل النظام الذي يحكم بعد إسقاط النظام السابق.


رغم التأييد غير المسبوق الذي حظي به حمدوك داخليا وخارجيا، فإن الجماهير لم تمنحه شيكا على بياض، إذ إن تلك الحفاوة والتأييد كانا مرهونين بالإنجاز في ملف الاقتصاد. وبدلا من أن يقدم حمدوك حلولا للأزمة الاقتصادية، عاد ليضع الكرة في ملعب من وضعوا فيه آمالا عراضا، فكانت فكرة "حملة القومة للسودان" التي طلب فيها حمدوك من الشعب التبرع للحكومة لأجل اجتياز الضائقة الاقتصادية، وكانت التظاهرات قد استنكرت هذه الفكرة ضمن الشعارات الغاضبة التي رفعت.


ولم تكتف حكومة حمدوك بطلب عون الشعب فحسب، بل أقدمت على رفع الدعم السلعي فيما يخص الوقود ورغيف الخبز، في الوقت الذي بلغ فيه سعر الدولار مقابل العملة الوطنية رقما فلكيا، ليصل إلى ضعف سعره في آخر عهد النظام السابق. وكان وزير الطاقة قد عزا تمدد أزمة الوقود نتيجة للأزمة المالية في البلاد التي وصفها بالسيئة. وقال الوزير إن وزارة المالية والبنك المركزي ليس لديهما احتياطات من العملات الأجنبية، وأضاف أن الخزانة العامة خاوية من النقد الأجنبي، مضيفا أن هناك بواخر محملة بالوقود في الميناء، ومن لديه مال يمشي يفرغها.


ولعل ما يؤخذ كذلك على حكومة حمدوك إدارتها السيئة لملف قضية المدمرة الأمريكية كول، حيث وعد حمدوك إبان زيارته للولايات المتحدة أسر ضحايا المدمرة بدفع حكومة السودان تعويضات لهم، وبذلك أقر بضلوع السودان في تفجير المدمرة كول على السواحل اليمنية، رغم أن المحاكم الأمريكية كانت قد برأت السودان من هذه التهمة، وتحدثت تقارير صحفية محلية عن دفع هذه التعويضات من مال مؤسسة الضمان الاجتماعي، وهي المؤسسة المعنية بمعاشات واستحقاقات الموظفين.


ويخشى أن يؤدي هذا الأمر لفتح شهية ضحايا سفارتي شرق أفريقيا ونشوء رأي عام في الولايات المتحدة، يطالب الإدارة الأمريكية بالضغط على الحكومة السودانية اشتراط رفع العقوبات عنها بدفع المزيد من التعويضات.


ومعلوم أن السودان لم يخطط ولم يشارك بأي صورة من الصور، ولا يتحمل أي مسؤولية تجاه أحداث المدمرة كول والسفارتين في نيروبي ودار السلام. وكانت سياسة الحكومة السابقة أن تتم مفاوضات التسوية مع الحكومة الأمريكية، وليس مع أسر الضحايا ومحاميهم، وأن تتولى الحكومة الأمريكية بعد ذلك إقناع الأسر بمبالغ التسوية، وتأمين حصانة السودان بإلغاء الدعاوى والأحكام القضائية الصادرة ضده كافة، وقفل الباب أمام قيام أي دعاوى جديدة في المستقبل، كذلك تتم جدولة المبالغ المتفق عليها دون أن يؤثر ذلك على عملية رفع اسم السودان من القائمة، أي أن يكون السودان مؤهلا لرفع اسمه من القائمة بإتمام الاتفاق حول بند التسوية، وليس بالضرورة إكمال عملية الدفع.


يبدو للمراقب أن حكومة حمدوك الغارقة في وحل الفشل السياسي والاقتصادي، قد استنفدت كذلك محاولات إلهاء الناس مثل محاولة اغتيال حمدوك، ثم إعلان تحالف الحرية والتغيير عن محاولة انقلاب وشيك يدبره الإسلاميون. فقد غادر فريق الـ(FBI) الأمريكي الخرطوم دون التوصل لأدلة بشأن محاولة الاغتيال المعلن عنها، أما بشأن محاولة الانقلاب فقد نفاها الناطق الرسمي باسم الجيش.

 

(الشرق القطرية)