صحافة دولية

FP: لا يزال بإمكان أمريكا كسب المعركة ضد كورونا

الكاتب قال إن ترامب يعيد كتابة تاريخ فشله بهذه الأزمه- جيتي

قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد ستيفين والت، إن حدثا مثل كورونا، يضطرنا جميعا إلى إعادة النظر واتخاذ قرارات سريعة في حياتنا الشخصية، تعاملاتنا المالية وفي كيفية القيام بوظائفنا، وفيما نظن أنه سيحصل. وسواء كان ذلك على تويتر أو في المقابلات.

وقال في مقال له بصحيفة "فورين بوليسي"، ترجمته "عربي21"، إن "المتنبئين يقدمون رؤى جديدة كل يوم، بناء على المعلومات التي يستطيعون جمعها والنظريات التي يعتمدون عليها".

وقال: "أنا لست مختلفا. فقد قدمت فعلا تفسيرا سريعا وواقعيا لما يحدث واقترحت بأن الأزمة غالبا ما ستنمي القومية، وتقوي الدولة وتسرع من انتقال التأثير العالمي إلى آسيا وتقلل من الثقة في القيادة الأمريكية وكفاءتها وتشجع تراجعا جزئيا عن العولمة المفرطة. واقترحت في ندوة لفورين بوليسي الشهر الماضي بأن النتيجة النهائية ستكون عالما "أقل انفتاحا وأقل ثروة وأقل حرية من العالم اليوم".

وأكد الأستاذ في هارفارد، أنه "لا أزال عند تنبؤاتي، ولكني قضيت مزيدا من وقتي على مدى الأيام القليلة الماضية أفكر إن كانت بعض توقعاتي لن تتحقق. وبالذات أفكر في تنبؤي الأولي بانتقال التأثير من الغرب إلى الشرق وإن كان سيحصل بالعمق الذي توقعت. ولكن بالرغم من كل الأخطاء التي قامت بها إدارة ترامب والتي لا تزال تقوم بها باتخاذ خطوات خاطئة وتقديرات خاطئة والتي ستتسبب بآلاف الوفيات التي كان يمكن منعها ومليارات الدولارات كأضرار اقتصادية والتي كان يمكن تجنبها، لا يزال من الممكن".

وأضاف أن ذلك يحصل من خلال "مرونة وإبداع وتأقلم المجتمع الأمريكي، بالإضافة للمبادرات الذكية على كل مستويات الحكومة، فعلى أمريكا أن تتجاوز أسوأ مرحلة من الأزمة وتتعافى بسرعة. لا تسيؤوا فهمي: الوضع سيئ وسيصبح أكثر سوءا، ولكن المسألة هي كيف ستبدو الأمور بعد عام أو عامين من الآن. ولا أحتاج القول بأنني سأكون سعيدا جدا أن يكون البلد أكثر مرونة وكفاءة مما ظننت".

وتابع والت: "بنفس المنطق، فإن قصة نجاح آسيا قد لا تكون مثيرة للإعجاب كما تبدو الآن. وما من شك بأن بلدانا مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية قامت بعمل جيد في التخفيف من آثار فيروس كورونا، ولكن فعالية التجاوب المتأخر من الصين ليس أكيدا، لأننا لا نعلم إن كانت الأرقام التي تعلن عنها الصين دقيقة أم لا. ولطالما فهم الخبراء بأن الإحصائيات الاقتصادية الصينية لا يمكن الاعتماد عليها، وهي خاصية مشتركة بين الأنظمة الاستبدادية".

وأشار إلى أن الجائحة تحركت بهذا الشكل بسبب قمع السلطات الصينية لأخبار ما يحصل حتى أصبح من المتأخر جدا احتواؤها. كما أن الدافع الاستبدادي لإنكار الحقيقة، يفسر بشكل جيد الرد المتثاقل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضا. كما أن قرار بكين مؤخرا طرد عدد من الصحافيين الأجانب لا يمنح الثقة ببياناتها الرسمية حول التقدم الذي أحرزته.

وقال والت: "إن كانت الصين لا تزال تخفي المدى الحقيقي لتأثير الفيروس وتقوم بالعودة لنشاطها الاقتصادي قبل الأوان، قد تعاني من موجة أخرى من الإصابات، وهناك مؤشرات مقلقة ولكن ليست غير متوقعة لموجة ثانية من المرض في مناطق أخرى من آسيا. وهذا يمكن أن يحصل أيضا في أمريكا بالطبع ولذلك كان من الجيد أن يتخلى ترامب عن رغبته في إعادة تشغيل الاقتصاد ويملأ مقاعد الكنيسة هذا الشهر في احتفالات عيد الفصح".

 

اقرأ أيضا: 2020 لن ينساه التاريخ.. هذه معالم أعمق أزمة اقتصادية منذ قرن


وأضاف: "ما أريد قوله هو أن رد الفعل الأمريكي لحد الآن كان فاشلا، إلا أنه بشكل عام قد أؤكد على كلمة "قد يبدو أفضل" بعد عام من الآن. وإن كان ذلك هو الحال، فإن فيروس كورونا لن يتسبب بنقلة عميقة في التأثير العالمي. وكتبت راتشيل كلينفلد، الخبيرة في الأمن القومي، في 31 آذار/ مارس، أن الرد العالمي لحد الآن لا يبرر الاستبداد: فبعض الديمقراطيات كان ردها على الأزمة جيدا وبعض الدكتاتوريات ردت بشكل سيئ جدا. أي أنه لا يبدو أن نوع النظام متغير حرج في هذه المعادلة.

وهناك سبب آخر قد يجعل أمريكا تخرج من هذه المحنة بشكل أفضل مما يمكن أن يعتقده الشخص: الدولار، الذي يبقى هو عملة الاحتياطي في العالم ولا يزال يعتبر مدخرا آمنا في أوقات التقلب الاقتصادي. والإسراع نحو الأمان خلال هذه الأزمة الاقتصادية العالمية التي تسببت بها جائحة كورونا قوت الدولار فعلا والطلب الأجنبي على الدولارات سيجعل من الأسهل على أمريكا أن تقترض.

وبحسب ما ذكره بول بوست من جامعة شيكاغو فإن "الفوضى الاقتصادية التي تسبب بها مرض كوفيد-19 قوى ببساطة هيمنة الدولار". وكون الدولار ناحية مهمة من نواحي النفوذ الاقتصادي الأمريكي في العالم، يعني أن فيروس كورونا قد لا يتسبب بالأضرار التي يمكن للشخص أن يتخيلها.

وقال والت: إن حجم الأضرار طويلة الأمد لموقع أمريكا عالميا "سيعتمد على عاملين رئيسيين. الأول، هل بإمكان أمريكا أن تسيطر على الجائحة داخلها، حتى تستطيع تشغيل الاقتصاد بشكل آمن ثانية وكي تعرف الدول الأخرى أن أمريكا لا زال يمكنها التعامل مع أزمة؟ على البلاد أن تقوم بعملها بشكل أفضل بعد الآن مما فعلت لحد الآن، ولكن هذا بالتأكيد ليس مستحيلا.

 

وثانيا هل تستمر أمريكا في شعار أمريكا أولا في مقاربتها في التعامل مع هذه المشكلة العالمية، أم أنها ستظهر القيادة العالمية التي أظهرتها بعد الحرب العالمية الثانية أو هجمات 11 أيلول/سبتمبر أو الأزمة المالية لعام 2008؟

واستدرك قائلا: "كان رد الفعل الأمريكي لحد الآن مثالا يصلح للدراسة في إساءة الممارسة الدبلوماسية، وهذا بالكاد أمر مفاجئ إذا ما اعتبرنا من يجلس في البيت الأبيض ومن يدير وزارة الخارجية. وبدلا من العمل على جعل القوى العالمية الرئيسية تعمل على نفس المضمار، كان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو غائبا عن الأنظار معظم الوقت في المرحلة الأولى من الأزمة. ثم أفشل اجتماع  G-7 الأخير بإصراره على أن يطلق البيان المشترك اسم فيروس ووهان على فيروس كورونا.

وأضاف: "فإن كان هدف بومبيو هو زيادة الاستياء من أمريكا ويجعل البلد تبدو تافهة بدل أن تبدو ملتزمة بمبادئ، لم يكن بإمكانه تبني مقاربة أفضل. أضف إلى ذلك انشغاله لدرجة الهوس بإيران، في وقت تواجه فيه كل البلدان نفس الخطر وأي بؤرة في أي مكان تشكل تهديدا محتملا للآخرين. وهناك مؤشرات على أن أمريكا قد تكون متجهة نحو مواقف أكثر مرونة إلا أن رد الفعل الأمريكي كان لحد الآن قاسيا وقصير النظر ويفتقر للحس السياسي السليم".

ورأى الكاتب أن الكونغرس قام بالمصادقة على زيادات متواضعة في المساعدات الخارجية الأمريكية لمنظمات متعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي، ولكن بحسب سكوت موريس، من مركز التنمية العالمي، "فإن نظرت إلى الجزء الدولي كاملا في هذه الحزمة، فإنه بصراحة متواضع وصغير جدا، وبالتأكيد لا يرى الشخص القيادة الشاملة الخلاقة التي ميزت الإدارات السابقة".


وتساءل: "فهل تتعارض رغبتي برؤية أمريكا تمارس قيادة أكبر في هذا الوقت مع التزامي باستراتيجية التوازنات الخارجية وانتقادي المتكرر للهيمنة الليبرالية؟ بالتأكيد لا، فإن التوازنات الخارجية ليست ضد التفاعل الأمريكي الواسع في شؤون العالم؛ وفي الواقع يفضل معظمنا تقوية وزارة الخارجية ونعتقد أن الدبلوماسية يجب أن تكون هي أول الخيارات أما العقوبات والإكراه والقوة العسكرية فيجب استخدامها بشكل مقتصد وكدواء أخير".

وتابع والت: "وكما قلت في كتابي (جحيم النوايا الحسنة): "في ظل التوازنات الخارجية، تلعب الدبلوماسية دورا مركزيا". ويصبح هذا صحيحا بشكل أكبر عندما تتعامل مع مزيج من جائحة عالمية وركود اقتصادي عالمي محدق".

وأشار إلى أن ما تعارضه التوازنات هو الالتزامات العسكرية التي لا تحسن من الأمن الأمريكي، مثل الجهود لتغيير الأنظمة والهندسة الاجتماعية وبناء الدول في مناطق بعيدة ليس لها أهمية استراتيجية والميل لإصدار التهديدات بدلا من التنازلات الخلاقة والميزانيات العسكرية المتضخمة التي تحتاجها سياسة خارجية غير واقعية والتي تحرم البلد من الموارد التي تحتاجها للحفاظ على ازدهارها واستعدادها الداخلي في أمريكا.

وشدد على أنه أصبح من المتأخر لإدارة ترامب أن تلتف على عدم الكفاءة في البلد واللامبالاة في الخارج، وقال: أنا لست متفائلا ولكن الأمر ليس مستحيلا. وكما أشرت سابقا، ربما تكون فضيلة دونالد ترامب الوحيدة كرئيس هي براعته في تغيير الاتجاه إلى العكس تماما وبدون اعتذار ولا خجل وأن يتظاهر بأن ما يفعله اليوم هو ما كان يقصد فعله طيلة الوقت.

ورأى أنه يحاول فعلا "إعادة كتابة تاريخ فشله في بداية هذه الأزمة وليس هناك سبب منطقي يمنعه من استخدام اللحظة كفرصة لإعادة درجة معقولة من الثقة بقدرة أمريكا على وزن الأمور وأن يعيد لها سمعتها في الخارج. إن فعل هذا فإنه قد يخفف بشكل كبير من الأضرار في موقع أمريكا العالمي. وبالرغم من الأدلة الكثيرة على عكس ذلك، أستمر في الأمل بأن يعي ترامب أخيرا نصيحة عادة ما تنسب إلى مارك توين: "قم بالعمل الصحيح، فهذا سيرضي بعض الناس وسيدهش بقيتهم".