كتاب عربي 21

قالوا: إيران تسيطر على أربع عواصم عربية!

1300x600

قال يوما أحد رجال الدين الإيرانيين في تصريح خال من الذكاء: إن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية. وهذه هي بيروت ودمشق وصنعاء وبغداد. وقد عقد العديد من الناس المناهضين لإيران جدليات متكررة على هذا القول، معتبرين الأمر حقيقة، وأخذوا يخيفون الناس من المد الإيراني والسيطرة الإيرانية على العرب. وقد سمعت أحد الكتاب المشهورين المحسوبين على التيار الإسلامي وهو يبني جدليته السياسية والمذهبية على هذا القول.

تساءلت عن الأرضية التي استند إليها هذا الملاّ الذي رأيت فيه جهلا في الأمور السياسية، وأخذت أتفحص بالمزيد وضع العواصم الأربع لأجد ما يبرر قوله أو يسنده. أنا أعرف منذ عشرات السنوات أن البلدان العربية مسرح للأمريكيين والبريطانيين والصهاينة، ولم أعرف أحدا نافسهم بقوة على هيمنتهم. حاول الاتحاد السوفييتي المنهار الدخول إلى البلدان العربية ومنافسة الأمريكيين لكنهم لم يتمكنوا حتى في البلدان التي أخذت تتبنى البعد الاشتراكي مثل مصر والجزائر وسوريا. بقي الأمريكيون سادة العرب، واستمر النفوذ الأمريكي بالتوسع والتمدد ولغاية الآن.

ربما لم يكن بالإمكان تفنيد أقوال الملا في حينه لأن أعداء إيران من العرب استحوذوا على ساحة الرأي العام العربي متمسكين بتصريح ذلك الشيخ الموهوم، وكان نفي قول الملا دربا من دروب الشعوذة. لكن المرحلة التي نحن بصددها الآن تفسح المجال لبناء جدلية مغايرة. ففي لبنان مثلا، لم يعد من العسير على المتتبع أن بيروت ما زالت تحت السطوة الأمريكية. صحيح أن حزب الله المؤيد لإيران قوي لكنه لا يسيطر على بيروت ولا يتحكم بالحكومة اللبنانية ولا يسيّرها وفق إرادته الخاصة، ولا وفق روزنامة إيرانية، وأكبر دليل على ذلك أن أمريكا منعت لبنان من قبول عرض إيران لتسليح الجيش اللبناني.

 

حاول الاتحاد السوفييتي المنهار الدخول إلى البلدان العربية ومنافسة الأمريكيين لكنهم لم يتمكنوا حتى في البلدان التي أخذت تتبنى البعد الاشتراكي مثل مصر والجزائر وسوريا. بقي الأمريكيون سادة العرب، واستمر النفوذ الأمريكي بالتوسع والتمدد ولغاية الآن.

 



وليس أدل على الهيمنة الأمريكية على لبنان من حالة عامر الفاخوري الذي أُطلق سراحه من السجون اللبنانية بعد ضغط أمريكي على المستوى السياسي اللبناني والقضاء اللبناني. ولم تتلكأ أمريكا في إرسال طائرة سمتية مروحية إلى عوكر (حيث مقر السفارة الأمريكية في بيروت) وحملت الفاخوري ونقلته خارج لبنان ليطير بعد ذلك إلى الولايات المتحدة. وقد عبر ترامب عن شكره لتعاون لبنان في إطلاق سراح أكبر عميل لبناني للكيان الصهيوني، والذي أذاق المعتقلين اللبنانيين في سجن الخيام مر العذاب، وقتل بعضهم تحت التعذيب. هذا ناهيك عن تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الاقتصادية اللبنانية.

إذا كان لحزب الله من دور في تسيير دفة السياسة اللبنانية فتأثيره في الغالب منحصر في منع انزلاق لبنان نحو الكيان الصهيوني كما تفعل بعض الأنظمة العربية المتساقطة، والدفاع عن لبنان في مواجهة الأطماع الصهيونية. وحزب الله يبقى حارسا على لبنان من هجمات الآخرين، وإنما دون أن نتوقع منه أعمالا أكبر من قدراته.

أما بالنسبة للعراق فالأمر لم يعد خفيا الآن بعد ما تناقلته وسائل الإعلام من نشاطات عسكرية واستخبارية أمريكية. الأرض العراقية مسرح للأمريكيين وهم يقيمون القواعد العسكرية ويرسلون جنودهم، ويعيدون تموضع قواتهم العسكرية. والرئيس الأمريكي يزور قوات بلاده في العراق دون إعلام الرئيس العراقي، والطائرات الأمريكية الحربية منها والمروحية تحلق فوق القصر الجمهوري العراقي، وتقوم الطائرات الأمريكية باغتيال عراقيين وغير عراقيين على أرض العراق ويبقى العراقيون الرسميون مؤدبين لا يحتجون . فقط في هذه الفترة أخذت وسائل الإعلام تتحدث عن حركة الطيران الأمريكي فوق بغداد ومجمل السماء العراقية. أمريكا تحتل العراق وتهيمن على أرض العراق.

 

بالنسبة لأناس كثر، يجوز لأمريكا ولا يجوز لغيرها بخاصة أن مسامير الحذاء الأمريكي أصبحت جزءا من التركيبة النفسية لهم، ولا يصبرون على غيابها عن الرقاب.

 



هناك في العراق تنظيمات متحالفة مع إيران، وتتلقى منها الدعم العسكري، لكنها ليست هي التي تحكم البلاد وتدير دفتها. هذه التنظيمات تحاول الآن مهاجمة الأمريكيين بخاصة بالقوة الصاروخية، لكن الحكومة العراقية لا تلتزم بما التزمت به هذه التنظيمات. أي أن إيران لا تسيطر على بغداد، وإنما السيطرة لأمريكا.

وبالنسبة لأناس كثر، يجوز لأمريكا ولا يجوز لغيرها بخاصة أن مسامير الحذاء الأمريكي أصبحت جزءا من التركيبة النفسية لهم، ولا يصبرون على غيابها عن الرقاب.

وبالنسبة لسوريا، الأمريكيون باقون هناك يسيطرون على آبار النفط السوري ويجوبون المنطقة الشرقية كيفما يشاؤون، وطائراتهم تحلق في الأجواء السورية براحة وطمأنينة. وجود بعض القوات الإيرانية والروسية في سوريا لم يؤثر حتى الآن على إصرار أمريكا على البقاء في سوريا. وصنعاء مشغولة في الدفاع عن خيولها العربية الأصيلة.