قضايا وآراء

كورونوفوبيا

1300x600
"لم يستطع مواجهة ضغوط كورونا فدفعه القلق والخوف إلى الانتحار".. هذا ما حدث مع توماس سيكفير، وزير المالية في ولاية هيسن الألمانية، بعد أن قرر الانتحار وأعلن هزيمته النفسية أمام وباء كورونا، ورفع الراية البيضاء قبل أن يهزمه الوباء القاتل صحيا كما هزم ما يقارب المليون شخص حتى الآن.

يقول عالم النفس سيغموند فرويد إن "القلق هو المادة الخام لكل الأمراض النفسية"، ومع وباء أجبر نصف سكان الكرة الأرضية على أن يمكثوا في بيوتهم، وجعل ما يقارب مائة دولة تحاصر نفسها بنفسها وتغلق حدودها على القادمين إليها والراحلين منها، تحول القلق إلى خوف متزايد يهاجمك من الداخل ليضرب مناعتك الداخلية ويضعف من مقاومة جسدك ضد أي عدو فيروسي قادم إليه من الخارج، خوف من الإصابة بكورونا الذي قد يبقى على الأسطح لمدة تسعة أيام، وخوف ثان من المجهول الذي لا نهاية له أو ملامح، فلم يكتشفوا له علاجا او يعلنوا له عن لقاح مضاد، وخوف آخر من أن تستنشق رئتاك بعض أنفاس من هواء محمل بالفيروس الذي يبقى معلقا في الهواء لمدة ثلاثين دقيقة، وخوف أصعب من كل ذلك داخل بيتك.. أن تكون أنت ناقلا للفيروس لأحد أطفالك أو زوجتك أو والدك ووالدتك من كبار السن، وقبل كل ذلك هناك الخوف الحقيقي من الموت الذي تفكر فيه في كل مرة تتابع فيها أرقام الوفيات في إيطاليا أو إسبانيا أو تشاهد فيها أحد المرضى في لقاء تلفزيوني وهو يصف رئتيه بالزجاج المعرض للكسر في أي لحظة مع صعوبة التنفس بشكل طبيعي.

في أوقات الأزمات وأثناء الحروب تنكفئ الشعوب على حكامها، فكل بيان بمثابة أمل جديد ربما كانت فيه نهاية الأزمة وتوقف الحرب. في القرن الماضي كانت الشعوب تهرع إلى الإذاعات المحلية لمعرفة آخر التطورات على الجبهة.. هل انتصرنا أم انهزمنا؟ كم طائرة أسقطنا وكم سقط منا من قتلى؟ هكذا هو الحال الآن فقد أصبحت صفحات وزارة الصحة في كل بلد هي الأكثر متابعة، وباتت بيانات رئاسة الحكومة أو الجمهورية هي الأكثر ترقبا وانتظارا. ولكن وللأسف فقد أصابنا كورونا وأصاب العالم في التوقيت الخاطئ، فالمجانين الآن هم من يحكمون العالم.. ترامب الذي لا يريد إغلاق نيويورك مع ما أصابها من وباء شديد، ولا زال ينعت كورونا بالفيروس الصيني، ولا زال يتعامل مع الأمر على أنه مؤامرة تريد الإطاحة به من البيت الأبيض قبل الانتخابات القادمة.. وبوريس جونسون الذي بشر البريطانيين بفقدان الأحبة قبل موعدهم ثم بشرهم بأن الأسوأ سيأتي قبل أن يحدث الأفضل، ثم أنفق ستة ملايين جنيه إسترليني على ثلاثين مليون رسالة يرسلها للناس ليقول لهم أنا أمارس عملي وأنا مصاب بكورونا.. والسيسي الذي أرسل وزيرته إلى الصين ثم أرسل معونات طبية إلى إيطاليا ليترك الفريق الطبي في مصر دون معدات تحميه من كورونا، ثم يقرر زيادتهم شهريا بمقدار ثلاثين دولارا.

تعامل الكثير من الحكومات مع وباء كورونا ساهم في زيادة حالة الخوف لدى الشعوب، فمصدر الأمان والثقة ليس أهلا لها في هذه الأيام. وقد كشفت تلك الأزمة العجز الكبير الذي تعاني منه حكومات غربية وعربية أيضا.

ما يميز حالة الكورونوفوبيا التي يعيشها العالم الآن أنها صنعت حالة من تبادل أدوار الخوف. كان الخوف دائما في أوروبا وأمريكا من الأفارقة فباتت بلدان وسط وجنوب أفريقيا هي من تخاف وجود الأوروبيين على أراضيها، حيث تعد هي الأقل في الإصابة بكورونا.. كان الخوف دائما من المهاجرين والأجانب فباتت سفارات الولايات المتحدة تتسول الأطباء من المهاجرين، وأصبحت بريطانيا تعرض تسهيلات إجرائية لمعادلة الشهادات والحصول على الترخيص، وأطلقت كندا دعوات لالتحاق الأطباء الأجانب والمهاجرين بمستشفياتها. كما أن الكورونوفوبيا الحالية قد صنعت حالة من العدالة والمساواة في الخوف للمرة الأولى، فلا فارق بين حاكم ومحكوم، أو سجين وسجان، أو طبيب ومريض، أو عامل ورب العمل، فكلهم خائف يترقب لحظة الإصابة بكورونا وما سيحدث بعدها.

"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" آية كريمة تهدئ من روع الخائف وتذكرنا بضرورة العودة إلى الله في هذه الأيام، لأن الموت سيأتينا جميعا ولو كنا في بروج مشيدة، ولكن الأرقام تشير وفق موقع وورلد ميتر إلى أن من بين 100 حالة تصاب هناك 95 حالة تعاني من أعراض بسيطة ولا تحتاج الدخول إلى المستشفى، فقط خمس حالات من كل مئة حالة تكون في حالة خطيرة. كما تشير الأرقام إلى أن نسبة الشفاء من المرض 82 في المئة ونسبة الوفاة 18 في المئة، غالبيتهم لكبار سن ومصابين يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة.

إن أصابك مقالي بالقلق وزاد الخوف لديك ولم تطمئن من آيات القرآن أو الأرقام العالمية حتى الآن، فما عليك إلا أن تكتب عبر محرك البحث "دعاء بصوت الرئيس السيسي"، لتستمع إلى مناجاة من العبد المؤمن عبد الفتاح إلى ربه كي يرفع عنا كورونا.