قضايا وآراء

كورونا أسعار النفط: أين لغة العقل؟

1300x600
وكأنه لا يكفي العالم إعلان منظمة الصحة العالمية أن وباء كورونا (كوفيد-19) أصبح وباء عالميا؛ حتى أطلت على العالم برمته واقتصاده الهش أزمة من نوع آخر، هي حرب أسعار النفط.

ولقد انتشرت حرب أسعار النفط بسرعة انتشار وباء كورونا حين فشلت في الرابع من آذار/ مارس الجاري كل الحلول في الوصول إلى اتفاق بشأن تخفيضات إضافية في إنتاج الخام لدعم الأسعار، في الاجتماع الذي ضم مجموعة دول أوبك مضافا إليها روسيا. فقد عارضت موسكو الخطة السعودية لزيادة تخفيضات إنتاج "أوبك بلس" بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا، واقترحت الإبقاء على التخفيضات الحالية لمجموعة "أوبك بلس" حتى نهاية الربع الثاني من عام 2020، في حين يريد بعض أعضاء أوبك وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية تخفيضات إضافية تتراوح بين مليون و1.5 مليون برميل يوميا. وينتهي العمل باتفاق خفض الإنتاج الحالي والمقدر بحوالي 2.1 مليون برميل يوميا، بنهاية آذار/ مارس الحالي، حيث سيكون لكل دولة من دول التجمع حرية تحديد سقف إنتاجه بعد ذلك.

وتنطلق المملكة العربية السعودية اللاعب الأول في سوق الطاقة من عدة اعتبارات، لرفضها المضي بالاتفاق السابق والإبقاء على خفض ما يقارب 2.1 مليون برميل، ومحاولة فرض إرادتها في مزيد من التخفيضات، عازية ذلك إلى جملة أمور أبرزها أن التخفيضات الحالية غير كافية لمواجهة تأثير فيروس كورونا المستجد على الصين (أكبر مستورد للنفط) وعلى الاقتصاد العالمي برمته، حيث تعطلت المصانع وتقلصت حركة السفر الدولية وتباطأت أنشطة أخرى، وتاليا الأمر سيحد من الطلب على النفط بالمعنى الاقتصادي البحت، حيث معادلة الطلب والعرض الشهيرة، وعليه التخفيض في الإنتاج سيراعي الأسعار المتوازنة.

أما روسيا، اللاعب الكبير الآخر، فقد شككت وبقوة في قرار السعودية زيادة طاقة إنتاج النفط. وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك كلاما واضح المعالم: "إن خطط السعودية لزيادة طاقة إنتاج النفط ليست الخيار الأفضل على الأرجح". وأضاف أن السعودية "تبادر لترويج منتجاتها" في الأسواق العالمية، موضحا أن روسيا تجري اتصالات هاتفية عديدة مع أوبك وغير الأعضاء بهدف تأكيدها نسف الاتفاق السابق والعمل على زيادة إنتاجها: وقال "إن شركات النفط الروسية قد تزيد الإنتاج بما يصل إلى 300 ألف برميل يوميا، وربما بما يصل إلى 500 ألف برميل يوميا".

وأمام هذا النزاع القائم وحرب حرق الأسعار الدائرة بين القطبين الأساسيين في عالم النفط، نسأل: أليس من الأجدى الوصول إلى أرضية ترضي الطرفين وكليهما يعلم أن وكالة الطاقة الدولية تحدثت ان الطلب على النفط سيهوي إلى مستويات 99 مليون برميل يوميا"؟!

إن المصلحة العامة تتحدث عن ضرورة العمل لإيجاد أرضية مشتركة بين الكبيرين قبل وصول أسعار النفط إلى مستويات دون العشرين دولارا، علما أن بنك "أوف أمريكا" رجح حصول ذلك، وعليه فإن استمرار هذا الصراع قد يقوض الاقتصاد العالمي برمته في ظل الحديث عن خسائر خيالية جراء فيروس كورونا (كوفيد-19). وبحسب بنك التنمية الآسيوي في تقريره الأخير، فإن تفشي فيروس كورونا قد يؤدي إلى خسائر في الاقتصاد العالمي تصل إلى ما يقارب نصف تريليون دولار أمريكي، علما أن أسعار أسهم أرامكو هوت بأكثر من 10 في المئة، وكذلك الشركات الروسية ومعهما كل من شركات كارتل النفط الأساسية (شل، وبي بي، وتوتال، وغيرها).

والسؤال الأكبر: هل من مصلحة الدولتين الشروع في زيادة إنتاجهما في ظل الحديث سعوديا عن تقشف في إدارات الدولة بما يقارب نسبة 20 إلى 30 في المئة، وماذا عن البرامج التنموية والرؤية الاقتصادية للقيادة السعودية الجديدة؟

وكذلك روسيا، أليس في هذه الخطوات مزيد من التباطؤ للاقتصاد الروسي وهبوط مصحوب للروبل الروسي، وربما انخفاض في الحصة السوقية الروسية من النفط ودعم بمكان ما للاقتصاد الأمريكي؟

إن مخاطر الركود تضرب كل المراكز الرئيسة للطلب في العالم، ومنها عموم دول الاتحاد الأوروبي، والتي تتجه نحو الركود الاقتصادي بحسب تأكيدات وزير المالية الفرنسي برونو لو ماير الذي دعا إلى استنفار جماعي للدفاع عن الاقتصاد الأوروبي والعالمي.

ومما لا شك فيه وجود خسائر جمة في عدد الحفارات النفطية الأمريكية، واحتمال إفلاس شركات كبرى في عالم النفط الصخري إذا ما هبطت الأسعار إلى عتبة العشرين دولارا، خاصة إذا ما علمنا أن التكلفة المتوسطة للنفط الصخري بين 32 و35 دولارا للبرميل الواحد. وتاليا، هل يكفي أمريكا أن تستورد كمياتها ومخزوناتها بأسعار زهيدة في حين تعجز شركاتها عن العمل؟!

إن الناظر اليوم في سوق الطاقة العالمي، لا سيما قطاعات النفط، يجد نفسه أمام "عصفورية" (جنون) أسعار لا تحمد عقباها على الكثير من الدول، لا سيما المعتمدة موازناتها على عائدات النفط كالعراق وليبيا وغيرها من الدول، لذلك لا بد من التوجه إلى مؤتمر استثنائي في أقرب وقت ممكن، وقبل لقاء أوبك بلس المزمع في حزيران/ يونيو القادم بين الكبيرين السعودي والروسي بمباركة من أمريكا ودول منظمة أوبك، حتى لا نصل إلى تزايد الفجوة واستصعاب الحلول، والتي هي بالمتناول مع قليل من الحكمة والتنازلات من كل الأطراف الفاعلة.

إن خضة سوق النفط الحالية تعتبر برأيي أزمة اقتصادية تضاهي أزمة كورونا الصحية. فوباء كورونا ليس أقل قوة من وباء حرق أسعار الطاقة وهز عرش الاقتصاد العالمي بكل قطاعاته.