ملفات وتقارير

"الإعدام الميداني".. هكذا يزهق الاحتلال أرواح الفلسطينيين

الاحتلال منع تقديم الإسعاف للعديد من المصابين- جيتي

لا تغيب صورة الطفل حسن مناصرة عن أذهان عائلته وهو ملقًى على الأرض مضرجا بدمائه يحاول التقاط أنفاسه التي انقطعت بعد وقت قصير؛ بينما كان جنود الاحتلال يقفون على بعد أمتار منه وكأنهم ينتظرون استشهاده دون السماح لأحد بالاقتراب منه.


وفي تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام تمر ذكرى استشهاد حسن ابن مدينة القدس المحتلة الذي كان طالبا في الصف التاسع الأساسي؛ حين اخترقت رصاصات الاحتلال جسده عام 2015 ضمن عمليات الإعدام الميداني التي تنفذها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين تحت ذرائع مختلفة.


ومع تكرار ارتكاب هذه العمليات تتصاعد لدى أهالي الشهداء حالة الغضب والمطالبة بإيقاف الاحتلال عن إعدام مزيد من الشبان والفتيات والأطفال وحتى كبار السن، تحت حجج أمنية.


ويقول والد الشهيد مناصرة لـ"عربي21" إنه تلقى اتصالا من أحد ضباط مخابرات الاحتلال في الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2015 طالبا منه الحضور إلى أحد المقرات الخاصة بالشرطة الإسرائيلية، فظن أن الأمر متعلق بكتابة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي لأحد أبنائه والتي تؤدي للاعتقال على يد قوات الاحتلال.


ويتابع:" توجهت للمكان وكان الأمر عبارة عن استجواب، قال لي الضابط هل تعرف أين ابنك حسن الآن؟ قلت له من المؤكد في المدرسة أو في المنزل، قال لي لا لقد حاول تنفيذ عملية طعن وتعرض لإطلاق نار والآن هو ميت، شعرت بالصدمة تدق رأسي ولم أستوعب ما الذي قاله فبدأت بالصراخ عليه وقلت له أنت تكذب فحسن طفل صغير، قال لي اهدأ الآن وتعال معنا كي ترى جثته".

 

اقرأ أيضا: تقدير إسرائيلي: صفقة القرن نكبة جديدة للفلسطينيين

ويوضح الوالد بأن تلك الساعات كانت الأصعب على العائلة التي بقيت تفكر كيف أن طفلا صغيرا يتلقى عشرات الرصاصات تحت تهمة واهية، وبعد مرور عدة أيام تم نشر فيديو قصير يوضح مطاردة الاحتلال لحسن وإطلاق النار على الجزء العلوي من جسده بهدف القتل لا الاعتقال.


ويتابع: "كان بإمكانهم اعتقاله ببساطة لو أرادوا ذلك أو إطلاق النار على قدميه، ولكن الهدف كان القتل فقط، كانوا يلاحقون طفلا صغيرا ويطلقون النار عليه بكل وحشية وهو بدون حول ولا قوة يحاول الهرب ولكن الرصاصات تنغرس في جسده".


بقي حسن لأكثر من ساعة يفترش الأرض دون أن يسمح الجنود لأي مسعف بالوصول إليه، بينما سمحوا لمجموعة من المستوطنين أن تصل إلى ابن عمه الطفل أحمد مناصرة الذي أصيب وسقط أرضا، فبدأوا بشتمه وركله والاعتداء عليه رغم سيل الدماء النازف منه.
ويعتبر والد الشهيد حسن بأن ما جرى مع طفله هو أقصى درجة في حالات الإعدام الميداني المخالفة لكل القوانين الدولية والإنسانية.


منع الإسعاف

 
وفي كل حالات الإعدام الميداني تمنع قوات الاحتلال طواقم الإسعاف من الوصول للمصاب وتحاول إبقاءه على الأرض لأطول فترة زمنية ما أدى في معظم الحالات إلى استشهاد المصابين دون أن يحصلوا على حقهم في تلقي العلاج.


وتوضح الناطقة باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عراب فقها لـ"عربي21" بأنه في أغلب الحالات يتم ورود بلاغ بوجود مصاب في منطقة معينة؛ فتتوجه الطواقم الطبية إلى هناك.


وتقول إنه في معظم هذه الحالات يتم منع الطواقم من قبل جنود الاحتلال من الاقتراب من المكان بأكمله أو يمنعونهم من التقدم لنقطة محددة وبالتالي منع الوصول إلى المصاب، وهذا هو السيناريو المعتاد.


وتشير إلى أن طواقم الهلال الأحمر تتعرض كذلك إلى اعتداءات متكررة مباشرة أو إطلاق النار باتجاهها؛ ما يخالف القانون الدولي الإنساني الذي يحتم على الاحتلال أن يقدم التسهيلات لطواقم الإسعاف بحرية وأن يتمكنوا من الوصول إلى المصابين.


وتضيف: "القانون الدولي الإنساني يحتم على الاحتلال كذلك تقديم العناية الطبية اللازمة للمصاب؛ ففي كثير من الحالات ما يحدث هو أن جنود الاحتلال يحاولون سحب المصاب من بين أيدي الطواقم المسعفة؛ وفي كل مرة نشدد على أن الأولوية هي إسعاف المصاب ثم تتوقف مهمتنا".


وتبين بأن الطواقم الطبية تصر أحيانا إذا كان لا بد من اعتقال المصاب؛ على وجود طاقم طبي متخصص لاستلام المصاب تبعا لحالته الصحية وتقديم الإسعاف الأولي له، ولكن هذه الحالات تكاد تكون الاستجابة معدومة فيها من قبل قوات الاحتلال.


وتؤكد فقها بأن قنوات خاصة لمخاطبة المؤسسات الدولية تتمثل بجمعية الصليب الأحمر الدولية هي الوسيلة التي تلجأ لها الطواقم الطبية من أجل تقديم شكوى حول ممارسات الاحتلال في التعامل مع المصابين.


وتتابع: "هناك مؤسسات دولية حقوقية على تواصل دائم معنا وتقوم بأخذ البيانات اللازمة منا والمعلومات الهامة في هذا الإطار من أجل الاستفادة منها في محاكم دولية ضد جرائم الاحتلال".


غطاء قانوني

 
وفي ظل ارتكاب مزيد من عمليات الإعدام الميداني يعبر قانونيون فلسطينينون عن استغرابهم من قيام الاحتلال بتوفير الغطاء القانوني للجنود الذين ينفذون ذلك.


ويقول المحامي خالد زبارقة لـ"عربي21" إن القانون يمنع بشكل قاطع الإعدام الميداني الذي يعتبر قتلا خارج القانون، بل يعتبرها جريمة يجب أن يحاسب مرتكبها.


ويؤكد على أن اللافت أن عمليات القتل الميداني من طرف قوات الاحتلال في تصاعد؛ حيث أصبح القتل لمجرد الشبهة ومن باب التعمد، مبينا بأنه في حالة قيام أي شخص بعملية ضد قوات الاحتلال فلا يجيز القانون لها قتله بل اعتقاله والتحقيق معه وتقديمه للمحاكمة.


ويضرب المحامي مثالا لما تقوم به قوات الاحتلال في هذا الجانب، فقبل عدة أشهر تم قتل أحد الأطفال على باب السلسلة أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، وتبين من خلال المقاطع المصورة لكاميرات المراقبة في المنطقة بأن الطفلين هاجما بالسكاكين عددا من رجال الشرطة الإسرائيلية المدججين بالأسلحة؛ ورأى العالم كله كيف أن عناصر الشرطة قاموا بإطلاق النار عليهما واستمر إطلاق النار حتى التأكد من استشهادهما.

 

اقرأ أيضا: "تنكيل الجرافة".. نهج إسرائيلي للانتقام من الشعب الفلسطيني

ويرى بأن كل ما يحدث في هذا الإطار هو مخالف لكل الأعراف القانونية؛ حيث لا يوجد قانون ولا أخلاق حرب تجيز لهم قتل أطفال بهذه الطريقة حتى لو قاموا بالهجوم.


ويضيف:" أتابع عدة قضايا في هذا الجانب ورأيت كيف أن الشرطة تتعمد إطلاق النار من أجل القتل وليس التحييد، فهم يقولون إنهم حيدوا المنفذ ولكن الكلمة تعني أنه قتل طبعا خارج القانون، وربما يقول قائل إن من يقوم بالهجوم على قوات الاحتلال هو من يعرض نفسه للخطر والقتل؛ ولكن نحن نتحدث هنا عن قانونية إطلاق النار من طرف السلطة الرسمية التي تملك تنفيذ القانون".


ويشير زبارقة إلى أن قوات الاحتلال تحاول دائما أن تجير الحدث وتزيف الحقائق وتلائمها لتبرئة جنودها الذين قاموا بالقتل الميداني، وأن سكوتها وتغطية جرائم مشابهة للجنود هو الذي يجرّئ جنودا آخرين على القيام بعمليات قتل أخرى؛ لأنهم يعلمون تماما أنهم لن يقدموا للمحاكمة ولن تتم محاسبتهم.


ويتابع:" هذا ما رأينا نتائجه قبل يومين حين قام سائق جرافة إسرائيلية بسحق شهيد فلسطيني عدة مرات بعد موته في قطاع غزة والتمثيل بجثته، فهذه النفسية الإجرامية ما كانت لتكون لولا الحماية القانونية التي تعطيها السلطة الرسمية الإسرائيلية لأفرادها".